إذا ما سألت عن أعظم الحضارات فإن الحضارة الفرعونية سوف تكون متواجدة في قائمتك بكل تأكيد، حيث أن التاريخ لم يشهد أبدًا على حضارة صالت وجالت مثلما فعلت هذه الحضارة، كما أن الإنجازات التي حققتها والإسهامات البشرية العديدة لها يجعلانها بكل تأكيد في مصاف الحضارات التي لا تعوض، والتي لا يُمكن أيضًا مُقارنتها بأي حضارة أخرى، اللهم إلا حضارتين فقط هما الرومانية والفينيقية، فهاتين الحضارتين يقتربان بعض الشيء من الحضارة الفرعونية التي نتحدث عنها، صحيح أنهما قد أنجزا، لكن هذه الإنجازات لا تُضاهي إنجازات حضارتنا الفرعونية، والتي كانت متواجدة كما نعرف جميعًا في مصر القديمة، في السطور القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على الحضارة الفرعونية والأسباب التي أدت لجعلها أعظم حضارات العالم على الإطلاق.
الحضارة الفرعونية تركت إرثًا لا يزال دائمًا وخالدًا حتى الآن
السبب المُدهش الأول، والذي يُجيب على سؤالنا حول أسباب عظمة الحضارة الفرعونية، أن تلك الحضارة قد تمكنت من ترك إرث لها يتمثل في الآثار والمعابد والتراث الفرعوني بشكل عام، وهذا أمر ربما يظنه البعض أمرًا عاديًا، إذ أن كل الحضارات من الطبيعي أن تترك تراثًا لها، أو بقايا منها كما يُطلق البعض على هذا التراث، لكن ما يُدهش هنا أن تراث الحضارة الفرعونية لا يزال خالدًا حتى الآن، أجل، لا يزال كما هو على الرغم من مرور آلاف السنين، في حين أن أغلب تراث الحضارات الرومانية أو الصينية، أو أي حضارة أخرى تدعي العظمة، قد اختفى تقريبًا، اختفى في الوقت الذي تخرج فيه الأخبار كل يوم عن اكتشاف مقبرة فرعونية جديدة أو بقايا معبد مر على بناءه خمسة آلاف عام على الأقل!
إرث الحضارة الفرعونية بكل أسف لم يتم استغلاله بالشكل الأمثل، إذ أنه بات يُباع إلى الدول الأُخرى ويُهرب من موطنه الأصلي، لكن هذا الفعل الخسيس لا يُمكن أبدًا أن يسلب من هذه الآثار هويتها، فهي لا تزال، وستظل كما هي، آثار وإرث فرعوني عتيق، ذلك الإرث يشهد بكل تأكيد على عظمة تلك الحضارة، وإلا ما كان ليظل موجودًا حتى هذه اللحظة ونحن نتحدث عن دول تدعي أنها عريقة على الرغم من أن تاريخ اكتشافها لم يمضي عليه بضعة مئات من السنوات.
إحداث نهضة زراعية عملاقة
عرف الإنسان الأول الزراعة منذ زمن طويل ومارسها من أجل الحصول على أثمن الأشياء بالنسبة له، الطعام، لكن هذا لا يمنع من كون النهضة الزراعية الحقيقية لم تبدأ إلا على يد الحضارة الفرعونية العظيمة، تلك الحضارة التي أدركت في وقت من الأوقات أن تأسيس الدولة الحقيقي يبدأ من الزراعة وليس من أي شيء آخر، ولهذا توسعت في الزراعة وجعلت من نفسها دولة زراعية في المقام الأول، وعلى الرغم من أن الدولة الفينيقية مثلًا كانت أيضًا تعتمد على الزراعة إلا أنها لم تصل أبدًا إلى ما وصلت إليه جارتها الفرعونية، فالجميع يعرف جيدًا أن ما زرعته الحضارة الفرعونية مهد لوجود حياة كاملة للعالم بأكمله وليس المصريين فقط، فقد كان العالم يأخذ غذاءه وحبوب من أرض الكنانة مصر.
اعتماد حضارة الفراعنة على الزراعة جاء بسبب وجود نهر النيل، شريان الحياة بالنسبة للنباتات كما هو تمامًا بالنسبة للبشر، كما يُمكن القول كذلك أن الأيدي العاملة الكثيرة كانت سببًا مباشرًا من أسباب هذا الاتجاه الكامل نحو الزراعة، عمومًا، كانت هذه الميزة واحدة من أهم الأسباب التي ساهمت في ترسيخ الحقيقة التي نتحدث عنها منذ البداية، وهي كون الحضارة الفرعونية أعظم الحضارات التي مرت بالعالم في يومٍ من الأيام.
استغلال البحر في الإبحار لأول مرة
متى وُجد البحر؟ الإجابة بلا شك غير مُحققة، لكن الشيء المُحقق أن البحر موجود قبل وجود الإنسان من الأساس، وهذا يعني أن كل البشر قد مروا تقريبًا ببحر وكان بمقدورهم استغلاله، لكن كل الحضارات، عدا الحضارة الفرعونية، لم تتمكن من استغلال هذا البحر سوف في عمليات الصيد فقط، أما حضارتنا العريقة هذه فقط تطرقت إلى استخدام لم يكن موجودًا من قبل، وهو الاستخدام في الإبحار والتنقل من مكانٍ إلى آخر، وبالتالي، فإن وجود السفن أيضًا كان من ضمن إنجازات الحضارة الفرعونية وأسباب عظمتها، هذا بالإضافة طبعًا إلى سفينة النبي نوح التي نجى عليها البشر من الطوفان، لكن أو تفكير في السفن بعد هذه الحادثة كان من قِبل الفراعنة، ولم يكن مجرد تفكير فقط، بل تم بالفعل إنشاء أسطول من السفن تابع للدولة الفرعونية، وهذا الأسطول كان يُستخدم في الحروب والأغراض العسكرية وأيضًا كوسيلة نقل طبيعية كالبر.
هذه الطريقة في استغلال البحر فتحت الطريق أمام عظمة الحضارة الفرعونية، والدليل على ذلك أن بقية الحضارات قد اقتبست هذه الفكرة وطبقتها، تمامًا مثلما هو الحال مع فكرة الزراعة، فكل هذه الأمور في الأصل منبعها الفراعنة، ثم بعد ذلك يأخذها العالم ويبدأ في تقليدها، والسؤال الآن، أليس هذا الأمر كافيًا كي يؤكد ويُبرهن على عظمة الفراعنة وكونهم واحدة من الحضارات التي لم يأتي العالم بمثلها حتى الآن!
الحضارة الفرعونية وبناء الأهرامات الثلاثة خوفو وخفرع ومنقرع
عظمة الحضارة الفرعونية يُمكن حصرها للكثير من الأسباب الغير ملموسة، لكن هناك سبب ملموس قوي يُجيب بشدة على كيفية وصول هذه الحضارة إلى تلك المكانة الكبيرة، وهذا السبب ببساطة هو بناء الأهرامات، فتلك الأهرامات، التي لا تزال حتى الآن حاضرة في الجيزة، تُعتبر بلا شك أحد أبرز مظاهر رُقي وعظمة هذه الحضارة، وذلك من حيث البناء في المقام الأول والصمود إلى الآن في المقام الأول، فبالطبع جميعنا يعرف قصة الأهرامات الثلاث خوفو وخفرع ومنقرع، يعرف أنها تُعتبر واحدة من أهم الأبنية والمنشآت في العالم بأكمله، بل وحتى تاريخ العالم وليس مجرد الوقت الحالي، أجل، بالرغم من هذا التطور الكبير ومرور كل هذا الوقت إلا أنه لم يأتي من يستطيع تكرار هذا الإنجاز بأي شكلٍ من الأشكال، تخيلوا أن يقف العالم أكثر من خمسة آلاف عام عاجزًا أمام مُهندسين مصريين؟ إنها عظمة حضارة الفراعنة.
الحضارة الفرعونية بالتأكيد عندما بنت الأهرامات لم تكن تنوي أن تجعل منها شيء يُبهر العالم، فهذه الروعة في المعمار كانت من أهم أساسيات هذه الحضارة، لكن مع مرور الوقت، وغياب الكثير من الإجابات عن الأسئلة المُتعلقة بهذا البناء، بات من المنطقي أن تُثار نقطة العظمة في هذه الحضارة، وكيف تمكن الفراعنة في هذا التوقيت بناء مثل هذه الأهرامات الثلاثة التي يبدو نظريًا أن بناءها بهذه الكيفية أمر مُستحيل تمامًا، بيد أن الفراعنة العظماء لم يستعصي عليهم شيء.
الكاتب: محمود الدموكي