طبعًا لا خلاف عزيزي القارئ على كون موت الأطفال واحدة من الأمور التي تُطير العقول إن جاز التعبير من خلال هذا الوصف، فطبيعة البشر أنهم يتفاعلون مع الموت عمومًا بشكل من أشكال الفزع، لكنهم عندما يعرفون أن المتوفي مُجرد طفل فإن وتيرة ذلك الحزن ترتفع وتمتزج بالفزع أو الخوف، وغالبًا ما يظل الأمر محض اهتمامهم وتفكيرهم لعدة أيام تتراوح من حيث الطول والقصر على حسب قرابة الطفل المتوفي منهم، المهم في النهاية أن موت الأطفال لا يمر مرور الكرام، لكن السؤال الحقيقي الذي يستحق الطرح الآن، لماذا يأتي كل هذا القدر من الحزن على موت الأطفال على وجه التحديد.
وجود علاقة تعاطف فطرية
لا شك أن التعاطف من البالغين مع الأطفال أمر فطري تمامًا ولا يُمكن التدخل في تواجده أو قدره، إذ أنه لا يوجد شخص غير عاشق للأطفال وكل ما يتعلق بهم، صحيح أن العقليات تختلف من خلال نقطة قبول اللعب معهم أو عدم قبول ذلك لكن في النهاية يبقى مبدأ حب الأطفال نفسه موجود وبقوة، أيضًا الأطفال يستطيعون من خلال أحجامهم وأشكالهم البريئة أن يجذبوا الاهتمام إليهم بكل الطرق الممكنة، ولذلك فإن المنطق يقول إنه عندما يموت الشخص الذي تتعاطف معه فإنك سوف تحزن عليه بصورة لا تحتمل التشكيك، فلا يُمكنك مثلًا أن تمر على جنازة وتعرف أنها لطفل لم يتجاوز العاشرة من عمره دون أن تشعر بحالة من الخوف والهلع بصورة تلقائية بحتة، بعد ذلك ستسأل بشكل مُلح عن أسباب موته الذي لن تتخيل حدوثه.
الشعور بعدم تكافؤ الفرص عند موت الأطفال
كذلك دعونا لا نغفل طبعًا أن الأطفال عندما يموتون فإنهم يتركون خلفهم حيوات لم يعيشوها، أمور لم يفعلوها، أحلام كانوا يريدون تحقيقها بشتى الطرق الممكنة، لكن الموت يأتي بكل بساطة ويحرمهم من ذلك، ولهذا فإنه عندما يُفكر الآخرين في الأمر، والحديث هنا عن الكبار، فإنهم يشعرون أن تكافؤ الفرص لم يكن موجودًا وأن هؤلاء لم يحظوا بحقوقهم، بالطبع ليس هناك شيء يُعرف بالحقوق لدى الإله وأن كل ما نحصل عليه مجرد منة وفضل منه لكن أيضًا في نفس الوقت البشر يملكون إدراكًا أضعف من فهم ذلك ومشاعر ليست بالقوة التي تجعلهم يتحملون فقدان أشخاص أعزاء عليهم في سن صغيرة، ثم تبدأ بعد ذلك الخيالات والأفكار تراودهم، ماذا لو عاش؟ ماذا لو فعل كذا؟ ماذا لو قال كذا؟ وهكذا دواليك؟
الخوف على أطفالهم من نفس المصير
إذا ما كنا نتحدث عن البشر العاديين الذين غالبًا ما لا يكون لهم علاقة بالأطفال الذين توفوا، أو علاقتهم بهم بعيدة وسطحية بعض الشيء كأن يكونوا أقارب أو مجرد جيران أو حتى أشخاص لا يفعلون شيئًا سوى رؤيتهم فبكل تأكيد هذا الموت لن يكون دافعًا لشيء بخلاف التفكير في نفس المصير لكن لأطفالهم، فهم سوف يتخيلون أطفالهم يموتون أيضًا في سن صغيرة ولمجرد التخيل سوف تنقبض قلوبهم وسيشعرون بالضيق، بمعنى أدق هو خوف مُضاعف، خوف على الأطفال الذين ماتوا وأطفالهم الذين يُمكن أن يموتوا مثلهم، وربما هذه الظاهرة يُمكن الشعور بها أكثر من خلال تطبيقها على موت الأطفال في سوريا على سبيل المثال، فهم أكثر من يموتون وأكثر من تنخلع قلوب العالم عليهم.