حالات فشل نجوم الكرة العربية في عالم الاحتراف تفوق ما يمكن حصره، ولا يُستثنى من ذلك سوى حالات قليلة جداً من تجارب الاحتراف المعاصرة، أبرزها تجربة المصريان محمد صلاح نجم ليفربول ومحمد النني نجم أرسنال والجزائري ياسين براهيمي نجم إف. سي. بورتو وغيرهم، لكن في النهاية تبقى نسبة المحترفين العرب بشكل عام -والمحترفين في أوروبا خاصة- ضئيلة نسبياً. ترى لماذا ؟ وما سر فشل أغلب نجوم الكرة العربية في دوريات كرة القدم الأوروبية؟
أسباب فشل أغلب تجارب احتراف نجوم الكرة العربية :
تباينت آراء المحللين الرياضيين والخبراء في مجال كرة القدم حول أسباب فشل نجوم الكرة العربية في الاحتراف باستثناء نسبة ضئيلة، لكنهم توافقوا حول مجموعة عوامل اعتبروها المُسببات الرئيسية لتلك الظاهرة وشملت القائمة الآتي:
العجز عن البدء من الصفر.. مجدداً :
حين يتلقى أحد نجوم الكرة العربية عرضاً بالاحتراف بالخارج فأنه عادة ما يكون قد قطع شوطاً طويلاً في عالم كرة القدم، استطاع خلاله أن يحقق العديد من الإنجازات ولو كانت على الصعيد المحلي، وبالتالي أصبح أحد نجوم اللعب ويحظى بجماهيرية كبيرة بين مُشجعي ناديه الأصلي ومعروفاً بالنسبة لجماهير الأندية المنافسة.
لا يخفى على أحد أن البطولات الكروية العربية لا تلفت انتباه مُشجع كرة القدم الأوروبي، وهو على الأغلب يجهل بأسماء النسبة الأكبر من الأندية العربية ولا يعرف أحد من لاعبيها، وبناء على ذلك فإن نجوم الكرة العربية حين يقررون قبول عروض الاحتراف بأحد الأندية العالمية فإنهم في حقيقة الأمر يضحون بكل ما أنجزوه بالسنوات السابقة، فالأمر هنا أشبه ببدء المسيرة مرة أخرى من نقطة الصفر، هو مجرد لاعب مجهول بالنسبة للجمهور الجديد وعليه جذب انتباهه وإثبات نفسه أمامه من خلال تقديم أداءً مميزاً داخل الملعب والمساهمة بفعالية في حسم نتائج المباريات لصالح الفريق، وهو الأمر الذي لا يقوى عليه جميع اللاعبين مما يضطر بعضهم لاتخاذ القرار بالعودة إلى الوطن الذي يحظون فيه بجماهيرية كبيرة مسبقاً.
الالتصاق بمقاعد الاحتياطي طويلاً :
ما من لاعب كرة قدم حول العالم يُرحب بفكرة المكوث لفترات طويلة على مقاعد البدلاء، لكن غالباً ذلك ما يحدث حين ينتقل أحد نجوم الكرة العربية إلى دوريات كرة القدم العالمية والالتحاق بصفوف أحد الأندية العالمية؛ حيث يكون مجرد لاعباً بديلاً لأحد نجوم الفريق الرئيسيين وبالتالي لا يتم الدفع به إلى أرض الملعب إلا نادراً، وقد يتطلب الأمر منه الانتظار لفترات طويلة ليحل محل اللاعب الأساسي في حالة تعرضه للإصابة أو استبعاده لأي سبب آخر.
طموحات الكثيرين من نجوم الكرة العربية تحطمت على صخرة مقاعد البدلاء ومنهم من لم يحتمل هذا الوضع طويلاً وقرر إنهاء مسيرته الاحترافية بذلك النادي بوقت مبكر، سواء بالعودة إلى ناديه الأصلي في بلده الأم أو عن طريق قبول أي عرض احترافي آخر حتى لو كان يقضي بانتقاله لنادي أقل مستوى، كان نجم مصر ونادي الزمالك حازم إمام أحد نجوم الكرة العربية الذين عانوا من ذلك الوضع خلال فترة احترافه بالدوري الإيطالي، وقد عانى اللاعب المصري رمضان صبحي من ذات المشكلة خلال فترة احترافه في صفوف نادي ستوك سيتي الإنجليزي.
العجز عن التأقلم مع الفكر الأوروبي :
ربما تكون قوانين وقواعد رياضة كرة القدم واحدة في كافة دول العالم لكن هذا لا يُعني ثبات أسلوب إدارة هذه المنظومة الرياضية، بل يمكن اعتبار اختلاف أسلوب الإدارة هو السبب الرئيسي في تفوق كرة القدم الأوروبية بدرجة كبيرة على كرة القدم في قارة إفريقيا وآسيا وحتى القارة الأمريكية نفسها التي قدمت ألمع النجوم في تاريخ تلك اللعبة وفي مقدمتهم مارادونا وبيليه وغيرهما.
يواجه بعض نجوم الكرة العربية صعوبة بالغة في التأقلم مع أسلوب الإدارة الأوروبي، فعلى الرغم من أنه الأسلوب الأفضل إلا أنه -في ذات الوقت- أكثر صرامة وحِدة وتعقيداً، وفي كثير من الأحيان لا يستطيع اللاعب العربي التأقلم مع تلك الأوضاع الجديدة غير المعتادة بالنسبة له، ربما لذلك كان النجاح حليف اللاعبين العرب الذين بدأوا مسيرتهم الاحترافية في سن صغير.
افتقاد بريق النجومية :
اختتم عدد كبير من نجوم الكرة العربية مسيرتهم الاحترافية بعد فترة قصيرة حتى أن بعضهم لم يستمر مع ناديه الأجنبي لأكثر من موسم ذلك، ويمكن القول أن أحد العوامل المسببة لذلك هو افتقادهم للنجومية والمجد الذي اعتادوه في بلدهم الأصلي. بعض اللاعبين يُعاملون من قبل مُشجعي ناديهم الأصلي كأبطال قوميين ولكنهم في الخارج مجرد لاعبون عاديون، غالباً ما يكون بالفريق عناصر أخرى تفوقهم أهمية وشعبية.
يشتاق بعض نجوم الكرة العربية للأحاديث الإعلامية وكاميرات الصحفيين وهتاف الجماهير، لهذا لا يطيقون صبراً ويفضلون العودة سريعاً إلى الوطن العربي لمواصلة مسيرتهم الكروية مرة أخرى برفقة ناديهم الأصلي.
السعي وراء المال السريع :
أحد أبرز أسباب فشل تجارب احتراف نجوم الكرة العربية يتمثل في أسلوب تعاملهم مع فكرة الاحتراف بالدول الأخرى، حيث أنهم دائماً ما يضعون المال وحده نصب أعينهم، وبناء على ذلك في حالة تلقي اللاعب العربي أكثر من عرض مقدم من أكثر من نادي فإنه لا يختار الأفضل بل يختار الصفقة الأكبر.
لا يمكن لوم محترفي الألعاب الرياضية بصفة عامة على التفكير بهذه الطريقة؛ حيث أن جميعهم يدركون أن نجمهم سوف يخفت خلال بضعة سنوات مع تقدمهم في العمر، ولذلك فإنهم يسعون إلى تكوين ثروة من المال تؤمن مستقبلهم وهم لا يزالوا في قمة تألقهم ونجوميتهم، لكن في النهاية لا يجب أن يكون حجم الصفقة هو المعيار الوحيد لقبولها، خاصة أن أغلب نجوم الكرة العربية الذين اتبعوا تلك الطريقة خفت نجمهم سريعاً وابتعدوا عن الأضواء نتيجة انتمائهم لأندية متوسطة تنافس في بطولات غير جماهيرية، مما قادهم إلى انخفاض أسهمهم في بورصة اللاعبين واضطر بعضهم لاعتزال كرة القدم مبكراً، مثال ذلك انتقال العديد من لاعبي الدوري المصري في أندية الدول العربية -وخاصة الخليجية- فقط من أجل قيمة الراتب السنوي التي يتضمنها العقد!
العاطفة والفكر الاحترافي لا يجتمعان :
لا يمكن لوم أي إنسان على الانتماء والإخلاص اللذان يعتبران بمثابة عملة نادرة في زمننا الحالي، لكن في ذات الوقت لا يمكن إغفال إن تلك المشاعر في بعض الحالات كانت العامل الأساسي في عدم احتراف عدد من نجوم الكرة العربية البارزين، حيث أن منهم من كان شديد التعلق بناديه الأصلي ولذلك فضل إكمال مسيرته في مضمار كرة القدم ضمن صفوفه.
مثال ذلك اللاعب السعودي سعيد العويران الذي حقق إنجازات عديدة مع منتخب بلاده وبناء عليه تلقى عدة عروض للاحتراف، لكنه رفض جميعها وأصر على اختتام مسيرته مع نادي الشباب السعودي، الأمر نفسه ينطبق على اللاعب المصري محمد أبو تريكة نجم المنتخب المصري السابق الذي كان يرفض بشدة مغادرة صفوف النادي الأهلي، باستثناء إعارته لمدة عام واحد إلى نادي بني ياس في دولة الإمارات العربية المتحدة وكان ذلك خلال فترة توقف النشاط الكروي في مصر عقب ثورة 25 يناير، ورغم نجاحه مع النادي الإماراتي إلا أنه لم يتردد في العودة إلى صفوف الأهلي فور استئناف النشاط الرياضي في مصر.