ينظر أغلب أولياء الأمور إلى الرحلات المدرسية المختلفة باعتبارها نشاطاً ترفيهياً ثانوياً ولهذا فإنهم عادة ما يقللون من دورها وتأثيرها، إلا أن الأخصائيون الاجتماعيون وذوي الخبرة في المجال التربوي كان لهم رأياً معاكساً؛ إذ أكدوا على أن أهمية الرحلات المدرسية -على اختلاف أنواعها- تفوق كونها إحدى أساليب الترفيه، ودائماً ما يدعون الآباء إلى تشجيع الأبناء على المشاركة بهذا النوع من الأنشطة.. ترى لماذا ؟ وما الفوائد التي تعود على الطالب من خلال المشاركة بتلك الرحلات؟
أهمية الرحلات المدرسية وأثرها على الطالب :
تلعب الرحلات المدرسية دوراً أكثر أهمية وشمولاً من الترفيه وتلعب دوراً بارزاً في تكوين شخصية الطالب وتشكيل وعيه، من أبرز الآثار الإيجابية التي تنتج عن المشاركة بذلك النوع من الأنشطة المدرسية الآتي:
تعزيز الثقة بالنفس :
يرى الخبراء في المجال التربوي أن الأنشطة المدرسية الترفيهية وفي مقدمتها الرحلات المدرسية المتنوعة تساهم في تنمية ثقة الطالب بنفسه، خاصة بالنسبة لصغار السن أي طلاب المرحلة الابتدائية، حيث أن الطالب خلال هذه الرحلات يعتاد على تحمل المسؤولية بعيداً عن الوالدين، حتى لو كان ذلك يتم بشكل جزئي نظراً لأن الطلاب خلال الرحلات المدرسية يكونوا تحت إشراف مجموعة من المعلمين المرافقين.
يتعلم الطلاب خلال الرحلات المختلفة -حتى لو كانت ذات طابع ترفيهي- الاعتماد على النفس، كما أنهم يكتسبون من خلال هذه الأنشطة عدد كبير من المهارات القيادية، ويساهم كل ذلك تكوين شخصية الطفل وينعكس عليه بشكل إيجابي بالمراحل العمرية التالية.
غرس القيم والصفات الحميدة :
يعد لفظ الرحلات المدرسية من بين المصطلحات العامة التي تشمل تحتها عدداً كبيراً من الدلالات، يعتقد البعض أن جميع الرحلات التي تقوم بتنظيمها المؤسسات التعليمية تكون ذات طابع ترفيهي، لكن الحقيقة على النقيض من ذلك ومن أبرز أنواع الرحلات ما يُعرف بمسمى “الزيارات”، التي يتم خلالها اصطحاب مجموعة من الطلاب إلى المؤسسات الخدمية متعددة الأغراض.
مثل زيارة المنشآت العلاجية الكبرى كمستشفيات علاج مرض السرطان أو زيارة دور رعاية كبار السن أو حضور فعاليات يوم اليتيم وغيرها. تلك الرحلات تحث الطالب منذ صغره على تقديم المساعدة ويعرف من خلالها قيمة العمل التطوعي، كما أنها تساهم في غرس العديد من القيم والخصال الحميدة، أي يمكن اعتبارها تطبيق عملي لما يتم تلقينه للطلاب نظرياً في المدرسة والبيت.
التنمية الثقافية وترسيخ الانتماء :
تلعب الرحلات المدرسية دوراً مُكملاً لدور التعليم التقليدي، حيث أن هذه الأنشطة الترفيهية في ظاهرها تعد أحد أساليب الارتقاء بالمستوى الثقافي للنشء، خاصة أن النسبة الأكبر من هذه الرحلات تصحب الأطفال إلى المواقع الأثرية والأماكن التراثية، وبالتالي فإن الطالب من خلالها يتعرف على تاريخ بلاده ويعمل هذا على ترسيخ قيمة الانتماء في نفسه، كما يمكن لنفس السبب اعتبار هذه الرحلات من وسائل الحفاظ على الثقافة والهوية.
الإرشاد والتوعية :
يؤكد علماء الاجتماع على أن أثر الرحلات المدرسية والزيارات الإرشادية لا يقتصر على الوقت الراهن فقط، بل أنه يمتد للمستقبل ويساعد الطلاب على تحديد وجهته والتخطيط للمستقبل. حيث أن هذه الرحلات ليست عشوائية بل تتم وفق عدد كبير من القواعد والأسس المُنظمة لها والتي تهدف إلى تحقيق أكبر استفادة ممكنة للطلبة من خلالها.
تشمل الرحلات المدرسية لطلاب المراحل التعليمية المتقدمة -مثل المرحلة الثانوية- القيام بعدد من الزيارات الإرشادية، التي تتضمن زيارة العديد من المؤسسات الصناعية أو الجامعات الكبرى، من خلال اللقاءات والفعاليات المختلفة التي تتضمنها هذه الزيارات يلقي الطالب نظرة عن قرب على سوق العمل ومتطلباته مما يساعده على رسم طريقه نحو المستقبل، وتعتبر دولة الإمارات من أوائل الدول العربية التي التفتت إلى دور هذه الزيارات في تعزيز العملية التعليمية وأعدت لها برنامجاً خاصاً بعنوان مشروع الإرشاد الأكاديمي المهدي.
توطيد علاقة الطالب بالمدرسة :
يعاني الآباء دائماً من نفور الأبناء من العملية التعليمية وتهرُبهم الدائم من المدارس، بينما يرى علماء النفس وأصحاب الخبرة بالمجال التربوي أن الرحلات المدرسية قد تكون أحد الأسلحة القادرة على مكافحة هذه الظاهرة السلبية؛ حيث أن اشتراك الطالب بالأنشطة الترفيهية المختلفة يعمل على تغيير الصورة الذهنية النمطية المأخوذة عن المؤسسات التعليمية، وبالتالي يجعل التوجه إلى المدرسة أمراً محبباً بالنسبة للأطفال.
تلعب الرحلات الترفيهية أيضاً دوراً بارزاً في تقليص المسافات بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، حيث أنهم يلتقون بعيداً عن الرسميات المعتادة التي تفرضها على كلاهما ضوابط العملية التعليمية، وفي ذات الوقت تساهم في توطيد العلاقة بين الطالب وزملائه وهذا أيضاً يساهم في تغيير نظرته الجامدة للمؤسسة التعليمية المنتمي إليها، وفي النهاية ينعكس كل ذلك بشكل إيجابي على مستويات التحصيل العلمي للطالب.
تنمية المهارات وتفجير الطاقات
يؤكد التربيون على أن الرحلات المدرسية تعمل على إكساب الطالب العديد من المهارات الشخصية والسلوكية، أبرزها تنمية قدراته على التواصل مع الآخرين وتكوين العلاقات المختلفة، بالإضافة إلى تقوية الثقة بالنفس كما ذكرنا عن طريق الاعتياد على تحمل مسؤولية الذات بعيداً عن رقابة الأبوين اللصيقة والدائمة.
أشارت بعض الدراسات الحديثة أن تكرار المشاركة في الرحلات المدرسية وما تشمله من أنشطة ترفيهية يساهم في إثارة خيال الأطفال ويساعدهم على تفجير طاقاتهم الإبداعية واكتشاف قدراتهم الداخلية، كما تعمل على تنمية الحس الإبداعي القدرة على الابتكار.
تجديد النشاط والحيوية :
ينظر بعض أولياء الأمور إلى الرحلات المدرسية -والأنشطة الترفيهية بصفة عامة- على أنها إلهاءً للطلاب وإهداراً للوقت، وأغلبهم يفضل إقصارها على فترة العطلات الصيفية، إلا أن علماء النفس وموجهي الخدمة الاجتماعية بالمؤسسات التعليمية يؤكدون أن هذه النظرة خاطئة شكلاً وموضوعاً ولا تمت للحقيقة بصلة؛ إذ أن الرحلات المدرسية في واقع الأمر من العوامل التي تساهم في تحسين مستويات التحصيل العلمي لدى الطلاب.
يؤكد الخبراء على أن الترفيه من الأمور اللازمة لأي إنسان حتى يتمكن من تجديد نشاطه ومواصلة القيام بالمهام الملقاة على عاتقه، وبناء على ذلك فإن الرحلات تعمل على الحد من الضغوط النفسية والعصبية التي يتعرض لها الطلاب خلال الفصول الدراسية، ومن ثم تساعده على تصفية ذهنه وتجديد نشاطه، هذا إلى جانب ما يتوفر بها من منافع عديدة أبرزها إكساب الطلاب العديد من المهارات الشخصية.
مكافحة آثار الثورة الرقمية!
يرى علماء النفس والاجتماع أن فوائد الرحلات المدرسية -السابق ذكرها- تجعلها وسيلة مثالية لمكافحة الآثار السلبية الناتجة عن التقدم التكنولوجي الذي نعيشه اليوم، حيث أثبتت العديد من الدراسات أن وسائل الترفيه الرقمية الحديثة -مثل الإفراط في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أو ممارسة ألعاب الفيديو– تؤثر سلباً على مهارات الطفل وصحته النفسية، حيث تعمل على تثبيط القدرات الإبداعية لديه وفي ذات الوقت تجعله أقل تفاعلاً مع الواقع المحيط، وكلها أمور قد تقود إلى اضطرابات نفسية عديدة بالمستقبل.
خاتمة :
يمكن القول أن الرحلات المدرسية والأنشطة الترفيهية المختلفة صارت جزءاً أصيلاً من عملية تربية النشء، وتولي كبرى المؤسسات التعليمية والتربوية على مستوى العالم اهتماماً بالغاً بها وتخصص لها ميزانيات ضخمة، حيث أن الأنشطة من هذا النوع تساعد تلك المؤسسات على القيام بالدور المنوط بها على الوجه الأكمل، والذي لا ينحصر -على عكس الشائع- في تلقين المواد العلمية فحسب، بل أنه يشمل تنمية الوعي والارتقاء بالمستوى الثقافي والمساهمة في بناء شخصية الإنسان.