تعد رياضة كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية ويعشقها الملايين في كافة أرجاء العالم، نتج عن ذلك تعدد في الانتماءات الكروية وصار كل نادي يدعمه عدد كبير من المشجعين، يتابعون الفعاليات الرياضية التي يشارك بها ويشجعونه بحماس في كل وقت وبأي مكان وقد يصل الأمر لحد التعصب التام له، ويعتبر ذلك أمراً طبيعياً ومعتاداً في عالم الرياضة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يتشكل الانتماء الكروي؟ و لماذا قد يدعم أحد المشجعين فريقاً بعينه؟
أسباب اختلاف الانتماءات الكروية للجماهير
الانتماءات الكروية المختلفة من الظواهر المُثيرة للانتباه والتي تستدعي التوقف أمامها وتأملها، للتوصل إلى إجابة للسؤال المُحير، لماذا ينجذب المشجعين إلى أندية بعينها بدلاً من الأخرى؟
الفريق مُمثل المدينة
يعد النطاق الجغرافي أو محل الإقامة أحد الأسباب البارزة التي تساهم في تشكيل الانتماءات الكروية وتدفع مجموعة معينة من المشجعين للوقوف وراء نادي بعينه، قد يجد البعض صعوبة في إيجاد علاقة بين محل الإقامة وعالم الرياضة، لكن الحقيقة المُثبتة من خلال الدراسات والإحصائيات أن عدد كبير من المشجعين يدعمون النادي الأبرز في المدينة التي يقيمون بها حتى لو لم يكن نادياً قوياً أو ينافس بجدية على الألقاب والبطولات.
يمكن اعتبار نادي الاتحاد السكندري في الدوري المصري المثال الأقرب لذلك، حيث أن النسبة الأكبر من المقيمين في مدينة الإسكندرية يدعمون النادي فقط لأنه يمثل مدينة الإسكندرية في بطولة الدوري العام، على الرغم أنه لا يمثل تهديداً حقيقاً على الأندية الأخرى ولا ينافس على لقب البطولة.
شعبية اللاعبين وجنسياتهم
رغم أن كرة القدم من الألعاب الجماعية إلا أن قد يكون عنصراً واحداً ضمن الفريق سبباً في زيادة شعبية وتوجيه الانتماءات الكروية إليه، حيث أثبتت التجربة بشكل قاطع أن شعبية بعض اللاعبين أكسبت الأندية شعبية أكبر في دول العالم المختلفة، مثال ذلك اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي ساهم في رفع اسم نادي برشلونة والأمر نفسه ينطبق على كريستيانو رونالدو لاعب نادي ريال مدريد، كما أن هذا الأمر ليس مُستحدثاً بل أن عدد كبير من أساطير كرة القدم السابقين ساهموا في الارتقاء بشعبية أنديتهم خلال العقود الماضية ومنهم الأرجنتيني مارادونا والبرازيلي رونالدو والفرنسي زين الدين زيدان.
إذا نظرنا إلى الدول العربية حالياً سوف نجد أن الانتماءات الكروية لفئة كبيرة من أبناء شعوبها قد توجهت إلى نادي ليفربول الإنجليزي، والسبب الرئيسي والوحيد لذلك هو اللاعب المصري محمد صلاح الذي تألق ضمن صفوفه خلال الموسم الأخير، فهم هنا يخالفون القاعدة ويدعمون النادي بسبب اللاعب وليس العكس.
المنافسة على البطولات العالمية
تحظى الفرق الرياضية على اختلافها بشعبية متفاوتة، فمنهم من تقتصر شعبيته على الجماهير المحلية وهم يمثلون النسبة الغالبة من الفرق المتنافسة، ومنهم من وصل إلى العالمية وصارت شعبيته تمتد بطول الأرض وعرضها وفي مقدمتهم الناديين الإسبانيين ريال مدريد وبرشلونة، هذا إلى جانب بعض الأندية الألمانية مثل بايرن ميونخ أو الإنجليزية مثل مانشستر يونايتد وأرسنال أو الإيطالية مثل اليوفينتوس وروما، تلك الأندية وغيرها تعج مواقع التواصل الاجتماعي بصفحات المشجعين الداعمين لها بكل اللغات ومن مختلف دول العالم.
يرجع السر في الانتماءات الكروية لتلك الأندية إلى امتلاكها اللاعبين الأكثر مهارة في العالم ومشاركتها في المنافسات الدولية الأكثر متابعة، ولهذا لم يعد غريباً أن تجد مواطناً عربياً يدعم فريقاً إنجليزياً أو أسيوياً يشجع فريقاً إسبانياً وغير ذلك، بل أن هذا أدى إلى ظهور نمط جديد من الانتماءات الكروية وهو الانتماء المتعدد، أي أن المُشجع يدعم فريقاً محلياً في وطنه وآخر عالمياً، خاصة أن نادراً ما قد يحدث تضارب وينافس الفريقين على بطولة واحدة.
الفترات التاريخية وفريق البطولات
شهدت بعض الفترات في تاريخ رياضة كرة القدم هيمنة فريق واحد أو حدد قليل من الفرق على الساحة، كانت تلك الفرق تضم ضمن تشكيلها أمهر وأشهر اللاعبين وكذلك كانت صاحبة النصيب الأوفر من البطولات والجوائز، وقد ساهم ذلك في تنامي شعبيتها بصورة كبيرة وتزايد معدلات الانتماءات الكروية إليها. رغم أن بعض هذه الفرق قد تراجع مستواها نسبياً في السنوات التالية إلا أنها كانت قد أصبحت فعلياً من الأندية الجماهيرية.
مثال ذلك هيمنة نادي ريال مدريد على أغلب البطولات طوال عقدي الخمسينات والستينات بالقرن الماضي، وكذلك الأمر بالنسبة لنادي إنترميلان الإيطالي، وكذلك الألماني بايرن ميونخ والهولندي آياكس خلال فترة الثمانينات، وكان الأمر كذلك بالنسبة لعدد كبير الأندية الشهيرة اليوم مثل أرسنال وليفربول ويوفنتوس وغيرهم الكثير.
الانتماء المتوارث
تم تناقل الانتماءات الكروية عن طريق التوارث بين الأجيال المختلفة داخل العائلة الواحدة، حيث كشفت العديد من استطلاعات الرأي أن عدد كبير من المشجعين لا يدركون متى أو لماذا بدأوا في تشجيع ودعم ومتابعة ناديهم المفضل، كل ما بالأمر أنهم خرجوا للحياة وجودا آبائهم يشجعون هذا الفريق ومن ثم ساروا على دروبهم، إذ بدأوا في متابعة مباريات الفريق ومن ثم زاد تعلقهم به إلى أن أصبح انتمائهم له كاملاً متكتملاً ولا يتصورون أنفسهم يشجعون نادياً سواه.
رغم أن توارث الانتماء الكروي يعد أمراً معتاداً إلا أن لا يمكن اعتباره قاعدة ثابتة، بل أن هناك عدد كبير من الاستثناءات والعديد من الأبناء خالفوا الانتماءات الكروية لآبائهم، وغالباً ما يكون ذلك راجعاً لاختلاف مستوى الأندية من زمن لآخر.
القومية والتعصب والخلافات السياسية
طالما يردد المحترفون في عالم الرياضة أنها بمنأى عن القضايا السياسية ولا تتأثر بها، لكن إذا نظرنا إلى أرض الواقع سوف ندرك أن الحقيقة على النقيض تماماً من ذلك، بل يمكن القول أن الانتماءات الكروية لا تستند دائماً إلى مستوى الفرق المتنافسة ومهارة لاعبيها وغير ذلك من العوامل الرياضية، بل قد يكون الانتماء إلى النادي مستند إلى عوامل سياسية أو قبلية.
يتجلى ذلك بوضوح في وضع مشجعي كرة القدم في إقليم كتالونيا والباسك في دولة إسبانيا، حيث أن النسبة الغالبة منهم متعصبون لنادي أتلتيك بيلباو ونادي رويال سوسيداد، بينما يرفضون تشجيع الأندية المنتمية إلى العاصمة الإسبانية مدريد، وبالنظر إلى الدافع وراء ذلك سوف نجد أنه سياسي بحت؛ إذ أن تلك الأقاليم ترفض دعم أندية العاصمة بسبب النزاعات السياسية ورغبتهم في الاستقلال بذاتهم عن الدولة.
خاتمة
اختلاف الانتماءات الكروية للمشجعين جزءاً لا يتجزأ من متعة كرة القدم، بل يمكن اعتباره سبباً رئيسياً لها؛ إذ أنه ينقل المنافسة من المستطيل الأخضر إلى المدرجات ويساهم في رفع مستويات الحماس ومن ثم يزيد من متعة متابعة المباريات والمنافسات المختلفة، وكما أن درجة انتماء المُشجع لناديه المفضل تكون متفاوتة، هناك من يكتفون بمتابعة مبارياته عبر التلفاز وهناك من هم أكثر حماساً فينضمون بشكل رسمي إلى روابط المشجعين ويطوفون المدن وراء النادي من أجل حضور مبارياته ودعمه في أرض الملعب.
يبقى السؤال الأهم هل الانتماء الكروي قابل للتغيير مع مرور الزمن؟. أجابت استطلاعات الرأي على هذا السؤال بالنفي؛ حيث أن النسبة الأكبر من المشاركين بها أقروا بالتزامهم بدعم ناديهم المفضل حتى في حالة تراجع مستواه وعدم قدرته على حصد البطولات وتحقيق الألقاب المختلفة، وقد أجمعوا على أن المُشجع الحقيقي قد يقل حماسه وقد يتوقف حتى عن متابعة الفريق ولكن من الصعب أن يتوجه إلى دعم نادي منافس.