تم فتح القسطنطينية في التاسع والعشرين من مايو عام 1453 على يد السلطان محمد الثاني بن مراد الثاني من سلالة آل عثمان، وقد أجريت الكثير من المحاولات لفتح تلك المدينة منذ بداية العصر الأموي إلى منتصف الدولة العثمانية قد أحصاها المؤرخين بثمانية وعشرين محاولة كلها باءت بالفشل، ولم تنجح الحملة إلا على يد محمد الفاتح وذلك بفضل الله عز وجل ثم ذكاء وعلم هذا القائد بجانب العديد من الأسباب الأخرى التي ساعدته على إتمام الفتح على أكمل وجه، ولم تكن القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية قوية بسبب جيوشها وقادتها على مر السنين، ولكن كان ما يعينها على صد الحصار هي أسوارها القوية والمنيعة للغاية حتى أن محمد الفاتح أنشأ لها مدفع خاص أطلق عليه اسم مدفع السلطان، وقد كان هذا المدفع ضخم للغاية حتى أن أكثر من أربعمائة جندي كانوا يقومون بسحبه هو فقط، عامة سوف نتناول في مقالنا هذا اهم العوامل التي ساعدت على إتمام فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح، فتابعوا معنا.
عدم التفكير في عقد المعاهدات مع الأعداء
منذ بداية الدولة الأموية انطلقت أول حملة إلى الأراضي البيزنطية لتحقيق نبوة الرسول الكريم في فتح القسطنطينية، حيث أن رسول الإسلام قد قال “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” ولذا حاول الكثير من الخلفاء والأمراء فتح تلك البلاد العظيمة ولكن جميع المحاولات باءت بالفشل، فد بدائها الخليفة معاوية بن أبي سفيان ثم الوليد بن عبد الملك ثم الكثير من الأمراء العباسيين والدول الأخرى، ولكن لم يكن أي منهم يدير للأعداء الآخرين أي انتباه فهم يحاربون في جميع الاتجاهات، حيث أن قد كانت الجيوش الإسلامية تسير لفتح الكثير من المدن في أن واحد وينظرون للقسطنطينية وكأنها مدينة عادية يسهل فتحها مثل باقي المدن.
ولكن في الحقيقية القسطنطينية هامة للغاية لكل ممالك العالم وقتها فهي المفتاح التجاري الرئيسي الذي يصل أوروبا بأسيا ومتاجرها الغنية بالكثير من أنعم الله في الأرض، فلذا عند إقدام أي جيش إسلامي على فتح القسطنطينية كانت تتصدى لها حامية المدينة بجانب الإمدادات التي تأتي من الممالك الصليبية المجاورة مثل جنوه والبندقية وروما وصربيا، ولذا كانت تلك المحاولة ترجع فارغة الأيدي بدون أي مكسب.
تفكير الفاتح في عقد المعاهدات مع الأعداء
قام السلطان محمد الفاتح فور توليه الحكم بعقد المعاهدات والصلح مع الممالك المجاورة والمعادية له، وذلك كان من أنجح الخطوات الذي سهلت من عملية فتح القسطنطينية على المسلمين، حيث أنه كانت توجد الكثير من الممالك والدول المجاورة للدولة العثمانية في عداء معها وذلك بسبب الاختلافات الدينية والجغرافية، لأن أدرنه عاصمة الدولة العثمانية حينها كانت تجاورها مملكة الصرب ومملكة جنوه والبندقية وغيرها من الممالك التي تدين بالمذهب المسيحي سواء الكاثوليكي أو الأرثوذكسي، فإذا ما حاول المسلمين احتلال القسطنطينية أو فرض أي حصار عليها ستقوم هذه الدول ثائرة على العثمانيين بسبب الرابطة الدينية، وإن لم يكن بسبب العامل الديني فبسبب العامل الجغرافي التي كانت تتمتع به القسطنطينية حيث أنها كانت بمثابة همزة الوصل بين قارة أوروبا وأسيا، وعند استيلاء المسلمين عليها فسوف يخسرون الكثير من الناحية التجارية، ولذا كانت جميع الدوافع في صالح فرسان القسطنطينية.
ولكن محمد الفاتح بذكائه وحنكته استطاع أن يعقد المعاهدات مع تلك الممالك بحيث لا تتدخل في الحرب ولا تساند أي الفريقين بل تكتفي بالمشاهدة، وظل هكذا السلطان محمد لمدة عام يوطد العلاقات مع الأعداء الآخرين لكي يفتح له الطريق لحصار القسطنطينية بصورة منفردة، وهذا ما حدث بالفعل وكان عاملًا هامًا في فتح القسطنطينية.
عدم فتح القسطنطينية نتيجة عدم تجهيز أسطول بحري قوي
كانت دار الخلافة على طول الأمد بعيدة كل البعد عن القسطنطينية ولذا كان من الصعب إرسال الأساطيل البحرية إن كانت موجودة من الأساس، فقد كانت الأساطيل البحرية الإسلامية ذات عدد قليل وليست بها أي مدافع بحرية حربية لضرب المدينة من منطقة البحر، وخاصة أن القسطنطينية هي مدينة تحدها المياه من جميع الاتجاهات فهي عبارة عن مثلث يقع في منتصف المياه، ولذا كان لابد من وجود أسطول مكون من قطع سفنيه كثيرة العدد لكي يقدر الجيش الإسلامي على القتال في الناحيتين البرية والبحرية، ولكن للأسف هذا لم يكن متوفرًا ولذا كانت الجيوش الإسلامية التي ذهبت أكثر من خمسة وعشرين مرة لكي تقوم بحصار ثم فتح القسطنطينية تلقى خسائر فادحة.
ونحن نذكر الجيش الذي سيره معاوية بن سفيان في بداية الخلافة الأموية وكان فيه الكثير من العبادلة الذين لقوا حتفهم جراء القتال وطول أمد الحصار الذي استمر لشهور ولم يكن مع المسلمين معونات من الأكل والشرب تكفي هذه المدة، بجانب الأمراض التي فتكت بالجيش لعدم تعوده على مثل تلك الأجواء الباردة في أوروبا، فأغلب فتوحاته كانت في مناطق حارة شبيه بمناخ بلاد الحجاز والرافدين، ولذا حدث ما حدث.
تجهز جيش الفاتح بأسطول بحري ضخم
بعدما تولى السلطان محمد الثاني الحكم شرع في إعداد التجهيزات اللازمة لتسهيل عملية فتح القسطنطينية، فعلى الجانب البحري كان يضم الأسطول العثماني ما يتراوح بين أربعين إلى ستين سفينة فقط، وهذا بالطبع لن يكفي لفتح مدينة عظيمة مثل القسطنطينية التي يحدها الماء من ثلاثة اتجاهات، بجانب أن القوات البرية لن تستطيع إتمام فتح القسطنطينية بمفردها فلذا قرر تجهيز الأسطول البحري بأضعاف ما كان عليه قديمًا، فأمر بزيادة أعداد السفن وصنع سفن حديثه تضاهي سرعة الأحصنة، وقد وصل في نهاية المطاف عدد القطع البحرية إلى ما يتراوح بين المائة وعشرين إلى مائة وأربعين، منهم ستة سفن كبيرة للغاية لم يسبق لها مثيل، واكثر من عشرين ناقلة بحرية تسير بسرعة تضاهي الأحصنة، والباقي سفن عادية وصغيرة كالمعتاد.
وقد كان يقود تلك السفن أمهر القادة الأتراك واليونانيين والصرب الذي استعان بهم السلطان محمد لخبرتهم الكبيرة بالسفن، وعندما بدأ الحصار على المدينة دخلت تلك السفن في الثلاثة جهات البحرية لتطويق القسطنطينية من جميع الجهات البرية والبحرية حتى أنه لم يقدر البيزنطيون على صدهم لا في البر ولا في القرن الذهبي الخاص بالمدينة.
قلة أعداد الجيوش الإسلامية قديمًا
من العوامل الهامة التي كانت تتسبب في عدم قدرة المسلمين قبل محمد الفاتح على فتح القسطنطينية هي قلة أعداد الجيوش التي كانت تسيرها الخلافة قديمًا، حيث أن الدولة الإسلامية كانت ترسل جيوش مقدارها ما بين الخمسة آلاف إلى الثلاثين ألف جندي، وهذه الأعداد لم تكن تكفي إسقاط مدينة القسطنطينية العظيمة بسبب قوة ومناعة حصونها وأعداد الجنود الذين بها، هذا بجانب أن الأسلحة وقتها كانت تقتصر على السيف والرمح والقوس فقط وهذه لن تستطيع تخطي أسوار القسطنطينية منفردة بدون أي مدافع أو قاذفات نارية تأكل أجزاء الأسوار، ولذا كانت أعداد الجيوش الإسلامية القليلة والغير مجهزة بأسلحة حديثة كانت سببًا قويًا في منع القادة المسلمين قبل محمد الفاتح من نيل شرف فتح القسطنطينية.
ولكن لا ننسى محاولة السلطان العثماني بايزيد الأول الذي سار متجهًا لفتح القسطنطينية في جيش كبير للغاية ومجهز بأسلحة حديثة، وقد كان على مشارف إتمام الفتح بعدما فرض عليها حصار قوي جدًا بواسطة أناضولي حصار التي بناها بمحاذاة القسطنطينية، ولكن للأسف قام تيمور لانك قائد الجيوش المغولية وقتها بتهديد العثمانيين باجتياح بلادهم إن لم يسلموا له، ولذا رجع بايزيد مسرعًا لصد هذا الزحف الكبير ولكنه لم يقدر على ذلك حتى وقع أسيرًا في أيديهم وتم قتله بطريقة موحشة، ولولا هذا التدخل المغولي المفاجئ لتمكن بايزيد الأول من فتح القسطنطينية ومعه جيشه الكبير.
العدد الكبير لجيش السلطان محمد الفاتح
على عكس المحاولات السابقة التي حاولت فتح القسطنطينية كان محمد الفاتح يمتلك جيش قوي وكثيف العدد، فقد كان الجيش العثماني عندما تولى الفاتح الحكم لا يتعدى الأربعين ألف جندي فقام بطلب عاجل لقائد الجيوش الإنكشارية والمشاة بمضاعفة أعداد الجيش لكي يتمكن من فرض حصار لم يسبق له مثيل من قبل، وبالفعل استجابة له القوات الإنكشارية والفرق الأخرى من الجيش لذلك الطلب حتى تخطى الجيش العثماني الثمانين ألف جندي، وهو عدد كبير للغاية لم تعرفة القوات البيزنطية المرابطة في القسطنطينية من قبل، حتى أن القوات البيزنطية في هذا الوقت لم تتجاوز العشرة آلاف جندي وهذا عدد قليل جدًا، وذلك بفضل المعاهدات والاتفاقيات التي عقدها محمد الفاتح مع المسيحيين في الممالك الأخرى بمنعهم من مساعدة أهل القسطنطينية أثناء الحصار، وقد كانت الجيوش العثمانية مزودة بأسلحة حديثة بالنسبة لوقت فتح القسطنطينية فبجانب السيف والرمح والقوس كانت توجد المدفعيات النارية الهائلة والمجانيق وأكباش الدك.
وقد أمر السلطان محمد الفاتح بصنع مدفع ضخم تحت مسمى المدفع السلطاني، وقد كان يجر هذا المدفع ما يزيد عن الخمسين ثور وفي كل جانب من جانبي المدفع يوجد مائتي جندي عثماني لحماية المدفع من التحرك منفردًا أو السقوط والتعثر، وهكذا لم تستطيع أسوار القسطنطينية الصمود أمام الفاتح وجنوده حتى سقطت أسيرة في أيديهم خلال شهر وخمسة وعشرين يوم فقط.
إرادة الله عز وجل ونية الفاتح
بعيدًا عن كل شيء فإن وقوع فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح هو من تدبير وإرادة الله عز وجل، إن الله إذا أراد شيء يقول له كن فيكون ولم يرد الله أن تفتح هذه البلاد العظيمة وتتحقق نبوة خاتم المرسلين إلا على يد محمد الثاني الذي تم تلقيبه بعدها بالفاتح وأبو الفتوحات والخيرات، وقد كانت نية الفاتح خالصة لله عز وجل ويعمل بجد واجتهاد لكي يفتح تلك المدينة، وقد كان يسهر الليالي هو وأقرب الوزراء والقادة إليه لكي يخططوا للفتح بسرية تامة بعيدًا عن أعين الخائنين والمتآمرين على الدولة العليا، فقد حاولت الدولة البيزنطية صرف أعين الفاتح عن فتح القسطنطينية من خلال الوزراء والقادة المرتشين ومحبي المال.
ولذلك كان الفاتح يخطط ويجهز العدة في السر مع من يثق بهم من رجاله، هذا بجانب أن محمد الفاتح كان يقود الجيوش الفاتحة بنفسه ويحارب أيضًا على رأس الجيش، على العكس من أغلب القادة والخلفاء الذين كانوا يسيرون الجيوش للفتح ويظلون على عروشهم مترقبين نتيجة الغزوة، ولذا كان فتح القسطنطينية من نصيب السلطان محمد الثاني بن مراد الثاني.
الكاتب: أحمد علي