حدث غزو الكويت في صبيحة الثاني من أغسطس عام 1990 حيث استفاق الشعب الكويتي على أصوات الدبابات وطلقات النيران التي اجتاحت أغلب الكويت في عدة ساعات، ولم تهجم العراق هجمة بسيطة بل كانت كاملة متكاملة مدعومة بالطائرات الحربية جويًا، ولم تلقى هذه الهجمة أي دفاع أو مقاومة إلا في جزيرة فيلكا التي تقع في الشمال الغربي للخليج العربي، واستمر الغزو العراقي للكويت يومين ونصف تقريبًا فلم تغيب شمس اليوم الثالث إلا والكويت في يد العراقيين بل وضموها لبلدهم واعتبروها المحافظة رقم تسعة وعشرين، وتوجد العديد من الأسباب التي جعلت العراق يقدم على مثل هذه الخطوة التي كانت منبوذة من قبل كل الدول العربية، فقبل الغز بعدة أعوام كانت أغلب الدول العربية تئن من وطأة الاستعمار الأجنبي وتتحين الفرصة للاستقلال، فماذا بعد الاستقلال نرى دولة عربية تغزو دولة عربية شقيقة فصراحة الأمر مؤسف تمامًا، وهذا ما جعل جامعة الدول العربية تعقد مجلسها في أسرع وقت وتدعو لحل الخلافات بطريقة سلمية وإخراج الجيش العراقي من دولة الكويت.
اتهام الكويت بسرقة نصيب العراق من النفط
السبب الأول الذي أدى لنشوب الحرب بين لشن الغزو العراقي على دولة الكويت هو حقل النفط المشترك بين الدولتين والذي يدعى الرميلة، حيث أنه كان يوجد حقل نفط يسمى الرميلة على الحدود العراقية الكويتية وتقتسمه الدولتين الجنوبي للعراق والشمالي للكويت، وبعد الكثير من الصراعات حول من يستحقه بأكمله توصل الفريقان لاتفاق مشترك يقضي بأن تقتسم الدولتين هذا الحقل فللكويت النصف الداخل في أراضيها وللعراق النصف الداخل في أراضيها، واستمر الحال هكذا لعدة أعوام حتى خرجت العراق تتحجج بأن العمال الكويتيون يأخذون بعض من نصيب العراق غفلة، وكان هذا من الأسباب الأولى لبدء غزو الكويت من قبل العراق، حيث خرجت السلطات العراقية أكثر من مرة تتهم الكويت بسرقة النفط الخاص بها ولم تلقي أي اهتمام لمشكلتها من الدول العربية المجاورة أو الدول العظمى في العالم.
ونحن لا نعلم صحة هذا الأمر ولكن لو كان صحيح لماذا لم تقم العراق بوضع عيون عسكرية على حق النفط ذاك وتمنع أي حادثة سرقة تحدث من قبل الكويتيون، عامة كان هذا أحد الأسباب الرئيسية في غزو الكويت من قبل العراق.
امتلاك الكويت لأكبر احتياطي نفطي في العالم
مع نهاية النصف الأول من القرن العشرين بدأت حقول وآبار النفط تكتشف في دول الخليج بغزارة واحتلت الكويت المرتبة الأولى في العالم من حيث الاحتياطي النفطي، وهذا ما جعل أعين الدول العالمية والمجاورة تتسلط على هذه الثروة التي ستغير مجرى أي دولة تحظى بالاستيلاء عليها، فتوجد في الكويت الكثير من الآبار والحقول النفطية مثل حقل بحرة الذي أكتشف في السادس والثلاثين من القرن العشرين وهو الأول من نوعه في الكويت، ثم حقل برقان الكبير وهو الأكبر في العالم بعد حقل الغوار السعودي وينتج سنويًا ما يتجاوز النصف من النفط الكويتي بأكمله، ويوجد حقل الروضتين القاطن في الشمال الكويتي، وحقل الرميلة القريب جدًا من مدينة البصرة العراقية وينقسم لقسمين قسم شمالي تمتلكه الكويت وقسم جنوبي تمتلكه العراق وهو أحد أسباب غزو الكويت من قبل العراق.
وغيرها من الحقول والآبار النفطية العديدة ولذا كانت أعين العراقيين إلى هذه الثروة الكبيرة خاصة وأن الشعب الكويتي كان لا يتجاوز المليونين وهو بالنسبة للعراقيين نصف مدينة بغداد فقط، ولذا حاولوا احتلال الكويت لأخذ هذه الثروة الكبيرة وهذا ما أدى لنشوب عملية غزو الكويت من قبل العراقيين.
عدم وقوف الدول الخليجية مع العراق
أثناء الحرب الإيرانية العراقية أو حرب الخليج الأولى كما تسمى كانت العراق هي المدافع الأول عن دول الخليج التي خلفها وحمتهم من نيران الثورة الإيرانية الكبيرة، واستمرت هذه الحرب ثمانية أعوام تقريبًا من 1980 إلى 1988، وبالرغم من المساعدات الكثيرة التي تلقتها العراق من دول الخليج إلا أنها قالت إن الكويت لم تساعدها بالقدر الكافي مع أن الكويت قدمت للعراقيين أكثر من أثنى عشر مليار دولار أثناء الحرب، حيث أن الثورة الإيرانية سوف تقوم بأعمال شغب وتمردات عديدة في الكثير من الدول العربية أولها العراق نظرًا لكثرة الشيعة بها، ولذلك حاولت العراق بمساعدة الدول العربية الأخرى صد هذا العدوان الكبير لمدة ثمانية أعوام، حتى كبدتها هذه الحرب الكثير من الخسائر المالية بجانب الخسائر البشرية والسكنية الكبيرة.
حيث أن هذه الحرب صنفت كمثال للحرب العالمية الأولى نظرًا لكثرة الأسلحة والمعدات القتالية واستخدام السلاح الكيميائي في بعض الحالات، بجانب الأسلوب الحربي الذي كان في بعض الأحيان عبارة عن حرب خنادق على طول الطريق، كل هذا كان يشبه تمامًا الحرب العالمية الأولى ولكن بين دولتين فقط العراق وإيران، عامة يعتبر قلة مساعدة الكويت للعراقيين هو أحد أسباب العراق للقيام بعملية غزو الكويت.
انخفاض أسعار النفط في دول الخليج قبل غزو الكويت
من العوامل الهامة التي أسهمت في بدء غزو الكويت من قبل العراق هو خفض أسعار النفط في دول الخليج وخاصة الكويت في حين أن العراق قد رفعت الأسعار لكي تسد الديون المتراكمة عليها أثناء حرب الخليج الأولى، بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية كانت العراق تعاني الكثير من الديون التي أخذتها من دول الخليج والدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصلت هذه الديون لما يقارب التريليون دولار أمريكي ثلاثة أرباع هذه الأموال من دول الخليج فقط، ولذا حاولت العراق تدارك هذا العجز الرهيب لديها فقامت برفع أسعار النفط بعض الشيء لكي تسرع في سداد ديونها الخارجية، علمًا بأن العراق هي أكبر الدول العربية استحواذًا على النفط بل وعلى مستوى العالم أجمع.
ولكن المشكلة التي واجهت العراق هي أن الكويت ومها الدول الخليجية خفضت أسعار النفط الخاص بها واعتبرت الكويت هذا الأمر هو مؤمرة لإسقاط العراق الكبير، حيث أن أغلب دول العالم ستتوجه بديهيًا للشراء من الدول التي تبيع بأسعار رخيصة وهذا ما يعني ضياع العراق حرفيًا، فلذا قامت الأخيرة بشن عملية غزو الكويت.
طمع العراقيين في ضم الكويت لهم
كانت الدولة العراقية تسعى إلى ضم الكويت منذ القدم ولكن أغلب المحاولات باءت بالفشل وهذا ما جعل صدام حسين يسعى لتتويج هذه المحاولات بالانتصار، وكانت أطماع العراق في الكويت متمثلة في أن الكويت أكثر الدول مجاورة لها فما المانع في ضمها مع بقية المدن التابعة للعراق، وخاصة أن الكويت بأكملها لا تتخطى التعداد السكاني للعاصمة بغداد فقط، هذا بجانب طمع العراقيين في آبار وحقول النفط التي كانت توجد في الكويت بكثرة بجانب أنها ذات جودة عالية تجعله الأكثر طلبًا بين دول العالم، وأيضًا حاجة العراق إلى زيادة المساحة المائية التابعة لأراضيها فكما نعرف أن الكويت هي إحدى دول الخلج التي تطل بطبيعتها على الأذرع المائية المتواجد في بحر العرب، وعند انضمام الكويت والاستيلاء على جزيرة بوبيان الكويتية فسوف يسهل لها الكثير من الحرية والاستحواذ على المناطق التجارية الكبرى في العالم.
فبامتلاكها تزداد الأهمية الاقتصادية للعراق وهو ما يطمح إليه العراقيين، ولا ننسى أن الحالة المعيشية في العراق ليست بالجيدة وهذا ما يجعلها تحاول كسب أبار نفط وأذرع مائية أكثر، وقديمًا كانت بريطانيا تمنع هذه التدخلات في الكويت مما زاد من قوة الكويت واكتسابها شخصية قوية في المنطقة، ولكن لم يوجد أي جندي عثماني واحد في الكويت وهذا ما يزيد من فرصة العراقيين في ضرب الكويت سريعًا قبل تقديم أي مساعدة لهم وبالفعل حدث غزو الكويت.
عدم الرد على العراق من قبل الدول الكبرى
كانت المسألة الأكثر اشتعالًا في المنطقة هي سرقة النفط العراقي من قبل الكويتيون وقد نادت السلطات العراقية كثيرًا لحل هذه الأزمة، ولكن الدول العظمى لم تنظر إلى هذه المشكلة وأوكلت لها الحل بنفسها وبطريقة العراق الخاصة، وبعد الكثير من التضليل الأجنبي قام صدام حسين ببدء غزو الكويت لكي يقضي تمامًا على أية تدخلات في الحقول النفطية العراقية، وما زاد الأمر اشتعالًا هو تخفيض أسعار النفط الكويتي في حين أن العراق حاولت رفع السعر لكي تقدر على سد الديون الكبيرة التي تراكمت جراء الحرب الإيرانية العراقية، ففي البداية تقدمت العراق بخطاب إلى بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية ولكنهم لم يعطوا لهم أي جواب شافي وتعاملوا مع الأمر بكل بساطة، وبعد مضي عدة أعوام قام الرئيس صدام حسين بتعبئة الجيش وتجهيز جميع معدات الحرب.
والجيش العراقي في هذه الفترة كان في أوج قوته فهو مع الجيش المصري والسوري كانوا أقوى الجيوش العربية في ذلك الوقت، فلم تكن الدول الخليجية بدأت بالاهتمام بالجيش وكانت جيوشها ضعيفة جدًا وتعتمد على الحماية من الدول الأجنبية، فلذا لم يهب صدام حسين من أي شيء وقام بشن أولى ضرباته على الكويت في صباح يوم الثاني من أغسطس عام 1990، وتمكن من احتلال الكويت بأكملها في يومان ونصف فقط.
تراكم الديون الكثيرة على العراق والتفكير في حل غزو الكويت
من الأسباب الهامة التي أدت إلى غزو الكويت هو تراكم الديون بشدة على العراقيين، فأثناء الحرب الإيرانية العراقية المسماة بحرب الخليج الأولى كانت العراق في حصار لمدة تجاوزت الستة أعوام وهذا ما جعلها تقترض الكثير من الأموال والأسلحة من الدول الخليجية والأجنبية، فبعد أن هاجمت العراق الأراضي الإيرانية معتقدة أنها سوف تقضي على الجيش الإيراني بسرعة كبيرة وتحتل دولة إيران، وهذا بالفعل ما حدث في أول فترة من الغزو ولكن كان تراجع الجيش الإيراني ينم على ضربة مفاجئة للعراقيين، فلم يصل الجيش العراقي إلى منتصف إيران إلا وردت عليه القوات الإيرانية برد فعل شرس أرغم الجيش على العودة سريعًا إلى العراق مرة أخرى.
وبعد العودة لم يكتفي الإيرانيين بذلك بل دخلوا إلى الأراضي العراقية واحتلوا الكثير من المواقع مما جعل العراق يستنجد بالدول المساندة، فأخذ الكثير من الأموال من دول الخليج وخاصة الكويت الذي أعطته ما يزيد عن الخمسة عشر مليار دولار، ثم اشترى الأسلحة الثقيلة وأخذ الدعم من روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة حتى تمكن من الصمود أمام الزحف الإيراني، وتمكن من حماية الأراضي الخليجية والعراقية من هذا الخطر الشديد، وتراكم على العراق الكثير من الأموال التي لم يستطع سدادها فقرر غزو الكويت وأخذ ما يريده بالقوة.
الكاتب: أحمد علي