لم يكن الأمير سعد الدين كوبيك ذو جانب سيئًا فقط بل كان له صولات وجولات حربية ضد أعداء الإسلام حتى خاف منه الكفار والمسلمين في آنٍ واحد، ولكن جرائمه الشنيعة في حق الأمراء والرجال المسلمين أكثر بكثير من انتصاراته الحربية على أعداء الإسلام من الروم والمغول، فقد قام بقتل زوجة السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد بعد موته ثم قتل ابنه الذي كان من المفترض أن يتولى الحكم بعد وفاة أبيه، وأيضًا قتل الوزير تاج الدين بروانه بعد إلقاء الافتراءات عليه وإشاعة الزنا عنه حتى تم قتله حرقًا بالسيف ثم رجمًا بالحجارة، ثم قتل الكثير أيضًا من رجال الدولة العظام مثل كمال الدين القيمري، وحسام الدين كاميار، وقد حاول الأمير أرطغرل بن سليمان شاه ردع هذا الخائن مرارًا وتكرارًا ولكنه للأسف لم يستطع نظرًا لقوة سعد الدين الكبيرة، ولكن السلطان غياث الدين كيخسرو تمكن في النهاية من قتله والتنكيل بجثته في وسط المدينة، وذلك عبرة لكل من تسول له نفسه خيانة الدولة السلجوقية العظيمة، ونحن هنا سنتعرف على خطورة سعد الدين كوبيك على الدولة السلجوقية، فتابعوا معنا.
تضييق سعد الدين كوبيك الشديد على أرطغرل بن سليمان
بدأت خطورة الأمير سعد الدين كوبيك عندما كان يحاول بشتى السبل التضييق على الأمير الغازي أرطغرل، فقد كان أرطغرل معروف بالقوة والشجاعة وإخلاصه لله أولاً ثم الدولة والسلطان ثانيًا، ولكن سعد الدين كان يطمع لنزع السلطنة بالخداع والمكر فعمل على ردع أرطغرل منذ نشأته وقد ساعده في ذلك منصبه الكبير فهو أمير القبائل وأرطغرل هو قائد صغير يرأس قبيلة من ضمن قبائل الدولة الكبيرة، فكان سعد الدين عادة ما يتحد مع الخائنين ومحبي المال ولا تعنيه الدولة في شيء، ومع تزايد قوة أرطغرل ورفاقه أصدر السلطان علاء الدين كيقباد قرارًا بنزع إمارة القبائل من يدي سعد الدين كوبيك ونقلها لأرطغرل، وهذا ما أثار غضب كوبيك وشرع في إلقاء العراقيل في طريق أرطغرل وضيق عليه الدنيا كثيرًا.
ولكن أرطغرل تخطى كل هذه العقبات وظل مستمرًا في إمارته لعدة سنوات حتى مات السلطان علاء الدين كيقباد وبذلك ازداد شأن كوبيك حتى عزل أرطغرل وعين القائد غون ألب بدلًا منه، وهذه كانت النواة الأولى لتأسيس الدولة العثمانية فيما بعد على يد عثمان بن أرطغرل وتحقق المثل القائل “رب ضارة نافعة”.
تعاونه مع القادة البيزنطيين
في ظل الصراع الشديد بين الدولة السلجوقية والدولة البيزنطية كان سعد الدين كوبيك يتحالف مع القادة الصليبيين، حيث أن الدولتان كانتا على حدود واحدة وبينهما نزاعات كثيرة فالحق والباطل لا يتحالفان بل لابد من القضاء على الباطل في يوم ما، ولكن الأمير سعد الدين كان يتعاون مع القادة الصلبيين أمثال تكفور أريس والقائد فاسيليوس وحاكم بيلاجيك، كل هؤلاء هم أعداء الإسلام ولكن سعد الدين كوبيك تعاون معهم بغرض القضاء على أرطغرل والسعي حول أطماعه الحكمية، وللأسف ضحى بالكثير من مبادئ وتعاليم الإسلام نظير هذه التحالفات الخاطئة، فكان يأخذ المال منهم لكي يوزعه على الخائنين الصغار في الدولة السلجوقية ليغريهم ويكسب تعاونهم الدائم معه.
وبالفعل تعاون معه أورال ابن سيد قبيلة تشافدار، وتعاون مع الأخ الأصغر لسليمان شاه بن كايا ألب، وغيرهم الكثيرين الذين جروا في تبعيتهم الآخرين وهذا ما أدى لهدم الدولة السلجوقية الكبيرة، ولكن بفضل الله ثم أعمال أرطغرل الحسنة أسلم على يد أرطغرل القائد الصليبي أريس وحُسن إسلامه ودخل تحت إمرته وحارب كثيرًا ضد الصلبيين فيما بعد.
محاولة بيع سوق الخان التابع لأرطغرل
من الأخطار التي تسبب فيها الأمير سعد الدين كوبيك هو محاولة بيع سوق الخان التابع لأرطغرل إلى القادة الصليبيين مقابل المال، فبعدما وقع أرطغرل في فخ تكفور أريس والأمير سعد الدين ظنوا جميعًا أن أرطغرل قد قتل وراح سعد الدين يعقد صفقة بيع سوق الخان مع الصلبيين مقابل الكثير من المال، وكان من الصعب أن يدخل الصلبيين في المشهد فقام سعد الدين كوبيك بالاتفاق مع أحد الخونة المسلمين التابعين له وأعطاه المال لكي يشتري سوق الخان من الأخ الأصغر لأرطغرل والذي تولى قيادة القبيلة بعد خبر مقتل أرطغرل المزيف، ووافق دوندار على بيع السوق بالرغم من محاولة منعه من قبل سادات وقادة القبيلة ولكنه لم يستجب لهم واستمر فيما هو فيه، وكادت أن توقع الصفقة ولكن أرطغرل أدركهم في اللحظة الأخرى.
وقام بنفي دوندار إلى مكان أخوته الآخرين نتيجة هذا العمل الشنيع، فهذا السوق قد فتحه أرطغرل ورجاله بالدم واستشهد فيه بعض الجنود هل سيباع بحفنة من المال! وتأزمت الأوضاع بعدها كثيرًا بين الأمير سعد الدين كوبيك والأمير أرطغرل وتأججت نيران الحقد التي في قلب كوبيك تجاه أرطغرل، حتى عمى الغل عيناه وأصبح يدوس الأمراء والسلاطين رغبة في تحقيق آماله بالوصول إلى كرسي العرش.
قتل السلطان علاء الدين كيقباد
حاول الأمير سعد الدين كوبيك قتل السلطان علاء الدين كيقباد الحاكم الأعظم للدولة السلجوقية كلها ثلاثة مرات، الأولى عندما وضع له السم في الطعام وقام بتلفيق الجريمة لأرطغرل الذي زج به في السجن، ولكن تم إنقاذ السلطان في اللحظات الأخيرة من قبل الأطباء وأمر بإطلاق سراح أرطغرل بل وإعلاء شائنه أيضًا، وبذلك فشلت المحاولة الأولى لكوبيك والذي كان ينوي بها ضرب عصفورين بحجر واحد قتل السلطان وإعدام أرطغرل، وبعدها بعدة أعوام قام بمحاولة الثانية عن طريق وضع سهم في صندوق أتى هدية للسلطان وكادت المهمة تنتهي بنجاح لولا تغير رأي كوبيك وطمعه في إعلاء مكانته لدى السلطان فقام بعمل خدعة رهيبة، وهي إنقاذ السلطان من السهم عند فتح الصندوق وهذا ما حدث بالفعل وازدادت مكانة كوبيك بعض الشيء، وبعدها أتى أجل السلطان على يد سعد الدين كوبيك عن طريق قتله في المرة الثالثة.
فقام بمحادثة طاهي الطعام الخاص بالسلطان وأمره بوضع السم في الطعام حتى أكله السلطان ومات، وقد لفقت التهمة لأرطغرل أيضًا ولكن تم النجاة منها وعاد إلى قبيلته سالمًا وهكذا انتهى حكم السلطان علاء الدين كيقباد وتعين خلفًا له ابنه غياث الدين كيخسرو الذي استحوذ عليه كوبيك وجعل الدولة في يده لبعض الوقت، فلم يكن غياث الدين إلا سلطانًا شرفي ليس له أي حكم فعلي.
قتل سعد الدين كوبيك لقلج أرسلان ووالدته
من الجرائم التي ارتكبها سعد الدين كوبيك هو قتله لمليكة العادلية وولدها السلطان الصغير قلج أرسلان الأيوبي، وذلك لأنه وبناء على وصية السلطان علاء الدين كان من المقرر أن يتم تنصيب قلج أرسلان سلطانًا للدولة السلجوقية، ولكن هذا لم يقبله سعد الدين ولا والدة غياث الدين وقاموا بالتربص بهم وقتلهم أثناء عودتهم للقصر الملكي، وكان الهدف من تعيين قلج أرسلان هو كسب محبة وتعاون الدولة الأيوبية التي كانت في خصام مع السلاجقة وعندما يعتلي أرسلان العرش ستتوحد الدولتين ضد البيزنطيين والصليبيين، وهذا ما سيزيد الإسلام قوة وبأس ولكن للأسف طمع كوبيك وتطلعه للحكم جعله يغدر بالصغير وأمه في آن واحد.
وقام بتحريض شمس الدين ألتبونه على قتلهم وهم في الطريق إلى القصر وبالفعل تم قتلهم بالرغم من محاولة أرطغرل لإنقاذهم ولكنه لم يستطع في النهاية، ثم قُتل ألتبونه هو الأخر على يد سعد الدين لكي يمحي آثار جريمته الشنعاء، وهكذا استتبت الأوضاع للأمير سعد الدين كوبيك وبدأ في استكمال مسيرته الطويلة في قتل المزيد للوصول إلى الحكم.
التعاون مع حاكم بيلاجيك لأخذ سوغوت
من الأمور الخطيرة التي تورط فيها الأمير سعد الدين كوبيك هو تعاونه من الحاكم البيزنطي كريتوس الذي كان يتولى الحكم في مدينة بيلاجيك التابعة للأراضي البيزنطية، وقد كانت منطقة سوغوت تلك تابعة للأراضي البيزنطية أيضًا ولكن السلطان علاء الدين كيقباد قام بفتحها مع الجيش السلجوقي، ونظرًا لكثرة انتصارات أرطغرل بن سليمان شاه أعطها له كهدية يعيش فيها هو وقبيلة تشافدار، ولكن سعد الدين كوبيك لم يرد هذا وأراد أن يعاقب أرطغرل ويسلط عليها حاكم بيلاجيك المجاور لتلك المنطقة حيث أن سوغوت هي أخر حدود الدولة السلجوقية أي على حافة الخطر، ولذا قام كوبيك بإرسال مساعديه للاتفاق على ضرب أرطغرل فور مجيئه لتعيين تلك المنطقة، ولكن ومع كثير من المشاورات توصلوا إلى أن تباع تلك المنطقة للبيزنطيين تعبيرًا عن الصلح القائم بين الدولتين.
وأتى كريتوس ليعقد الاتفاق ولكن أرطغرل علم بذلك وذهب مسرعًا ليوقف هذه المهزلة وألغى الاتفاقية ووعد بضرب من يحاول لمس هذه المنطقة التي منحت له من قبل المرحوم علاء الدين كيقباد، وعندما ذهب أرطغرل لتعيين المنطقة كان البيزنطيين متربصين له ولكن لحسن الحظ كان أرطغرل على علم بهذه المكيدة وهذا التربص فتمكن هو من نصب الفخ لهم، وأعاد الكرة عليهم حتى قتل منهم الكثيرين واستطاع أخذ حاكم بيلاجيك كأسير لديه، وبعد مرور عدة أيام توصلوا لفك الأسر مع التعهد بعدم التعرض للأتراك في تلك المنطقة.
محاولة سعد الدين كوبيك قتل السلطان غياث الدين
بعد استتباب الأوضاع لسعد الدين كوبيك طمع في أخذ ما كان يحلم به طوال الأعوام الماضية وهو تولي حكم الدولة السلجوقية، ففرض حصار على السلطان غياث الدين كيخسرو هو ووالدته ولكنهم تمكنوا من الهرب واللجوء إلى أرطغرل في قبيلته، وكان سعد الدين كوبيك ينوي بعد الرجوع من معركة سيمساط أن ينصب نفسه حاكم للدولة السلجوقية بصفته ابن مزيف للسلطان علاء الدين، واستغل ملاحقة أرطغرل له وإبقاء السلطان غياث الدين ووالدته بدون حراسة قوية في القبيلة وقام بإرسال من يقومون بقتلهم، ولكن أرطغرل كان يتوقع هذا الأمر فجعل رئيس المحاربين بامسي ألب في القبيلة ليحمي السلطان وبالفعل تدارك السلطان في نهاية الأمر بعدما كان على حافة الموت.
وفي الوقت ذاته تمكن أرطغرل وبرفقته تورغوت وأخاه سنغور تكين من مداهمة الأمير سعد الدين كوبيك وقتله بعد الاستفراد به بعيدًا عن الجيش، وهكذا زالت الغمة التي كانت تنحر في بنيان الدولة السلجوقية الكبيرة وتم القضاء على أكثر الخونة فتكًا بالبلاد، فلم يكن سعد الدين خائن عادي بل كان له السلطة القوية التي جعلته يحبس السلطان ووالدته ويتحكم في الوزراء وقادة الجيش السلجوقي ضد السلطان، ولذلك صنف الأمير سعد الدين كوبيك كأخطر من مروا على الدولة السلجوقية.
الكاتب: أحمد علي