لم يكن القرن العشرين هو بداية تلوث مياه البحار بل هي تلوثت منذ آلاف السنين بواسطة الملوثات الطبيعية مثل مخلفات النباتات والحيوانات ومياه الصرف الصحي، ولكن القرن هذا بالذات قد ضاعف نسبة التلوث كثيرًا، وذلك بسبب عدة عوامل مجتمعة أدخلته في هذا الطور أهمها هي العملية الصناعية الضخمة التي حدثت بعد اكتشاف النفط، فالنفط والصناعة جزئيين لا يتجزأ من عملية التلوث الهائل الذي حدث في بداية القرن العشرين، هذا بجانب مخلفات المصانع، والمبيدات الحشرية، والمفعلات النووية، ومخلفات الزراعة، أصلًا هذه الأشياء تؤثر بشدة على الإنسان فما بالك بالبحار والأنهار! وللأسف مع كل هذا التطور العلمي الرهيب لم يجد العلماء ما يحل هذه الأزمة جذريًا ويحافظ على نقاء المياه ونظافتها، فنحن بحاجة شديدة إلى المياه ولا يستطيع الإنسان العيش بدونها ولذا يتوجب علينا محاولة الإقلال من هذا التلوث الكبير ومحاولة المحافظة على مياه البحار، ونحن هنا سنتناول العوامل الهامة التي أدت لتلوث المياه، فتابعوا معنا.
اكتشاف النفط واستخراج مشتقاته العديدة
يعد اكتشاف النفط بهذه الصورة الموسعة التي عليها الآن هي أحد أهم أسباب تلوث مياه البحار، حيث أنه قديمًا كان النفط مقتصر على المشاركة في الأدوية بجانب بعض الأشياء البسيطة، وكانت الناس تستخدم زيت كبد الحوت في الإضاءة لفترات كبيرة من الوقت، ولذلك لم تتلوث مياه البحار بهذا الشكل، ولكن بعد اكتشاف استخدامات النفط العديدة ذاع انتشاره في جميع أنحاء العالم وبدأت المصانع والمنازل تعتمد عليه في الإنارة وتوليد الطاقة، ثم بدأت مصانع السيارات تنتج سيارات تعمل بالنفط ومشتقاته من بنزين وجاز وهذه الأشياء لا تلوث مياه البحار فقط بل تلوث السماء ومن الممكن أن تضر بعض الناس، ولذلك يعد اكتشاف النفط بمشتقاته العديدة والتي دخلت في الكثير من الصناعات هي أحد أهم عوامل تلوث مياه البحار، ولا ننسى أن النفط أو البترول مليء بالكثير من المواد التي بها بعض العناصر السامة تحترق وقت إخراجه من أبار النفط، وهذه العناصر السامة تنتشر في الأجواء ومياه البحار مما يؤدي لتلوثها.
المبيدات الزراعية ومخالفاتها التي تلقى في مياه البحار
من العوامل الهامة التي زادت من تلوث مياه البحار هي المبيدات الزراعية ومخلفات الزراعة، حيث أنه بعد التقدم الصناعي الهائل الذي حدث في القرن العشرين زادت حاجة الناس إلى الغذاء والمنتجات الزراعية، ولكي نلبي هذه الحاجة ويحدث اكتفاء ذاتي لابد من إدخال بعض الأسمدة والمخصبات الزراعية حتى تنتج لنا الأرض كميات وفيرة من النباتات تكفي احتياجات البشر، ومن المؤسف أن هذه المخصبات والأسمدة الزراعية تتسبب في تلوث مياه البحار، حيث أنها تتسرب مع مياه الري الجارية نحو البحار أو تبقي متراكمة في التربة وتذوب مع المياه الجوفية التي تأتي لنا في النهاية، ففي كلتا الحالتين الموضوع مضر جدًا ويسبب الكثير من المشاكل للمياه وللإنسان في النهاية.
ولا ننسى دور المبيدات الحشرية والزراعية والتي يستخدمها المزارعين في قتل الحشرات والديدان التي تفسد النباتات، وقد تتسرب أشلاء هذه المبيدات إلى مياه البحار فتتسبب في تلوثه بكل تأكيد، ويتم هذا عن طريق المصارف التي تصب في البحار أو لو كانت الأراضي الزراعية قريبة من البحار فتطير المبيدات التي تُرش إليها فتسبب تلوثها، هذا بجانب أن النباتات التي تُرش بالمبيدات الحشرات لها الكثير من الأضرار الخفية على النبات أولًا ثم البشر ثانيًا، حيث أنها قد تجلب بعض الأمراض مثل السرطان والإنفلونزا والحساسية وفيروسات الكبد، لذا يجب المحافظة ومراعاة تلك الأمور حفاظًا على مياه البحار وعلى صحة البشر.
الصرف الصحي يؤدي إلى تلوث مياه البحار في مناطق كثيرة
يعتبر الصرف الصحي وكيفية التخلص منه هي أهم عامل لتلوث مياه البحار منذ الأزل، حيث أن أغلب دول العالم لا تعرف كيفية التخلص مياه الصرف الصحي إلا بتفريغها في مياه البحار، وذلك هو أساس التلوث الشديد الحادث في وقتنا الحالي، فعندما نقوم بتفريغ مياه الصرف الصحي في البحار نقوم بإفساد الثروة السمكية بجانب الأضرار الكثيرة التي تلحق بالإنسان بعد تناول هذه المياه، فهي تكون محملة بالكثير من البكتريا والملوثات مثل الأجسام العضوية والجراثيم والمواد الكيميائية والهيدروكربونات وغيرها من الأجسام الضارة التي تتسبب في الكثير من الأمراض التي تلحق بالإنسان عن طريق الشرب أو الاستحمام أو تناول السمك، وأشهر هذه الأمراض هو مرض السالمونيلا وهي عبارة عن جرثومة صغيرة شديدة الخطورة تؤدي للالتهاب والتورم وظهور الدم في البراز والغثيان وألم العضلات وفيروسات الكبد وغيرها من الأعراض القاتلة، لذلك يجب علينا الاهتمام بمياه الصرف الصحي وتوفير شبكات تصريف صحية جيدة لكي نحافظ على صحتنا في المقام الأول وعلى مياه البحار في المقام الثاني.
زيادة الحركة الصناعية في العالم
قبيل بداية القرن العشرين ببعض السنوات حدث ثورة صناعية كبرى لم يسبق لها مثيل، وقد أثرت هذه الثورة الكبيرة على العالم أجمع وليس على مياه البحار فقط، ففي البداية وبغض النظر عن النتيجة المبهرة لهذا التطور الذي نقل العالم نقلة كبيرة للغاية، تتسبب الحركة الصناعية بتلويث البحار عن طريق تسريب المخلفات للمياه مباشرة لعدم وجود أي طريقة أخرى للتخلص منها، أو تفريغها بواسطة الأنابيب التي توصل بالخزانات الخاصة بالمصانع وينتهي بها المطاف في مياه البحار أو المياه الجوفية، وتكون هذه المخلفات الصناعية عبارة عن مواد نحاسية وكيميائية ودهون ومنظفات صناعية وورق كرتون وغيرها من الأمثلة العديدة التي تحاول المصانع التخلص منها بأي طريقة كانت حتى ولو على حساب البشر الذين سيشربون من مياه البحار، ولذلك تعتبر الحركة الصناعية الكبرى التي حدثت مع بداية القرن العشرين وما سببته من مخلفات صناعية ضخمة هي أهم أسباب تلوث مياه البحار.
ارتفاع درجة حرارة مياه البحار
يقترن ارتفاع درجة حرارة مياه البحار بالحركة الصناعية الكبرى التي حدثت في القرن العشرين، حيث أنه في الوقت الحالي تقوم بعض المصانع بسحب البرودة من الماء لكي تقوم بتبريد الماكينات التي تجهد خلال العمل الشاق طوال اليوم، فيسبب ذلك زيادة هائلة للأملاح الموجودة بالماء وانخفاض حاد في نسبة الأكسجين، وهذا بدوره يؤدي لحدوث تلوث خطير في كل مياه البحار يهدد حياة الأسماك والبشر، ثم ننتقل لانتشار الكائنات الصغيرة في البحار أيضًا عن طريق الفيضانات التي تحمل معها ما على سطح الأرض من بكتريا وطفيليات وتلقي بها داخل البحار، فتقوم بالتكاثر والانتشار في أرجاء البحر من أعلاه لأسفله حتى يتلوث وتسبب في الضرر الشديد الذي يلحق بشاربي هذه المياه، ولا يعتبر الفيضان هو العامل الرئيسي في انتقال هذه الكائنات إلى مياه البحار فهناك عدة طرق يمكن من خلالها الانتقال للبحار، لذا يجب على جميع الدول الاهتمام والمحافظة على المياه بقدر الإمكان مع مراعاة فرض القوانين والعقوبات الصارمة على المصانع التي تلقي بمخالفاتها في البحار، بجانب توفير شبكات صرف صحية جيدة لكي نتفادى إلقاءها في البحار أيضًا.
الكاتب: أحمد علي