تحولت برامج المقالب إلى ما يُشبه التقليد الرمضاني وتزايدت معدلات إنتاجها بشكل غير مسبوق خلال السنوات الماضية، حتى أصبح من العسير حصرها ومعرفة عددها بشكل دقيق، وبكل موسم رمضاني يُثار الجدل حول هذا النوع من البرامج خاصة بعد تعالي العديد من الأصوات الواصفة إياها بالمهزلة التلفزيونية والمطالبة بضرورة إيقاف عرضها.. فترى ما أسباب الجدل المثار حول برامج المقالب المهيمنة على الشاشات؟ وما سر الهجوم عليها من قبل قطاع كبير من المشاهدين والمتخصصين.
أسباب إثارة الجدل حول برامج المقالب الرمضانية
يمكن إرجاع السبب في إثارة الجدل حول برامج المقالب مع اقتراب كل موسم رمضاني إلى العديد من العوامل والتي قد لا تكون مرتبطة بصورة مباشرة بطبيعة المحتوى الذي تقدمه، وفي مقدمة تلك العوامل الآتي.
الانحطاط الأخلاقي
يرى قطاع كبير من المشاهدين والنقاد أن برامج المقالب التي صار تقديمها خلال المواسم الرمضانية من الأمور المعتادة مؤخراً تقدم محتوى غير أخلاقي، لا يتناسب مع طبيعة شهر رمضان المعظم في المقام الأول ولا يتماشى مع طبيعة المجتمعات الشرقية المحافظة، علاوة على أنه يدفع الصغار والشباب في سن المراهقة إلى العديد من السلوكيات السيئة.
ما يقصده هؤلاء بمصطلح “الانحطاط الأخلاقي” ليس ترويع الضيوف ووضعهم في قلب مواقف مرعبة والتلذذ بمشاهدة ردود أفعالهم المذعورة فحسب، بل أن بعض تلك البرامج قد تخطت كل الخطوط الحمراء ولم يعد مقدموها يكتفون بإرهاب الضيف، بل صاروا يجلدونه بعبارات السخرية والاستهزاء والانتقاص من قدره.
انعدام مصداقية برامج المقالب
أبرز العوامل المُسببة لإثارة الجدل حول برامج المقالب هو مدى مصداقيتها التي صارت محل شك، حيث يرى قطاع كبير أن هذه البرامج تستخف بعقلية المشاهد وأن المحتوى الذي تقدمه مزيف، أي أن الضيف يكون على علم كامل بتفاصيل المقلب، وقد ساهم في رواج ذلك الرأي بعض التصريحات التي أدلى بها ضيوف هذا النوع من البرامج والذين أكدوا على أنهم كانوا على علم بحقيقة البرنامج قبل التوجه إلى موقع التصوير.
موقف علماء النفس والاجتماع
ظهر بعض علماء النفس والاجتماع على شاشات الفضائيات من خلال البرامج الحوارية وشنوا هجوماً ضارياً على برامج المقالب وفرق العمل الواقفة خلفها، وقد قام عدد منهم بوصف مقدمي هذا النوع من البرامج بأنهم مرضى نفسيين وذوي ميول سادية ويجدون لذة في تعذيب الغير، وهذا كله بطبيعة الحال يتعارض مع تكوين النفس السوية.
تناول بعض علماء الاجتماع هذه الظاهرة بصورة أوسع وأشمل وقالوا بأن نسب المشاهدة المرتفعة التي تحظى بها هذه البرامج تدق ناقوس الخطر؛ حيث أنها تعكس طبيعة المجتمع الذي صارت شريحة كبيرة منه تنجذب إلى الانحطاط وتجد متعة في مشاهدة الأشخاص يتم ترويعهم، بل أن ذلك يثير ضحكهم ويجدون فيه شيء من المتعة، كما أكد أطباء النفس على أن هذا النوع من المحتوى التلفزيوني يعزز عدوانية الأطفال ويمثل خطراً جسيماً على صحتهم النفسية.
التساؤل عن دور الرقابة
اتسعت حالة الجدل المُثارة حول برامج المقالب بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية ولم تعد تتعلق فقط بطبيعة المحتوى الذي تقدمه، بل أن البعض ذهب لأبعد من ذلك واتهم أجهزة الرقابة والجهات المعنية بتنظيم العمل الإعلامي بالتقاعس والتقصير وربما التواطؤ، حيث تساءل الكثيرون حول سر السماح بعرض هذا المحتوى برغم ما يحمله من سلبيات، وهو ما أجبر بعض هذه الأجهزة مؤخراً -ونحن على اعتاب شهر رمضان- بإصدار عِدة بيانات رسمية تحذر من خلالها القنوات الفضائية من مخالفة معايير العمل الإعلامي المقررة من قبلها وتتوعد المخالفين بالغرامات والملاحقة القضائية.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أن البعض قارن موقف جهات الرقابية من برامج المقالب والبرامج الساخرة الأخرى ذات الطابع السياسي مثل برنامج البرنامج الذي كان يقدمه الإعلامي باسم يوسف وتم حظره قبل سنوات بدعوى التجاوز وتقديم محتوى تلفزيوني يتنافى مع المفاهيم والقيم الشرقية.
موقف الدين من برامج المقالب
الجدل المُثار حول برامج المقالب المختلفة التي تحتل شاشات الفضائيات كل موسم رمضاني لم يقتصر على الجانب الإبداعية والأخلاقية فحسب، بل أن عدد من رجال الدين خرجوا خلال السنوات الأخيرة عن صمتهم وهاجموا هذا النوع من البرامج التلفزيونية وقالوا أنها لا تليق بالعرض خلال الشهر الفضيل، بل أن بعضهم كان أكثر صراحة ووضوحاً وأكد على أن ذلك النوع من البرامج تحرمه أحكام الشريعة الإسلامية.
قال الفقهاء ورجال الدين المُعارضين لهذا النوع من المحتوى التلفزيوني أنه لا يمت بصلة إلى الترفيه، وأن طبيعة برامج المقالب قد اختلفت بصورة كبيرة عما كانت عليه في الماضي، وأصبح الغرض منها هو ترويع الآمنين وبث الخوف في النفوس وهو أمر تحرمه الشريعة الإسلامية، كما أن بعض هذه البرامج تتضمن تعليقات تحمل قدراً كبيراً من السخرية والاستهزاء بالآخرين وهو أمر آخر حرمه الإسلام بموجب نص قرآني صريح، وقد أصدرت بعض المؤسسات الدينية في الدول العربية بيانات رسمية تدعو من خلالها القنوات إلى الامتناع عن عرض هذه البرامج وتحث الجمهور على التوقف عن مشاهدتها.
برنامج الصدمة أجاب السؤال الصعب
كان المدافعون عن برامج المقالب في كل موسم يدافعون عن موقفهم بقولهم أن هذه البرامج الهدف الأول والوحيد منها هو الترفيه وليست مطالبة بتقديم قيمة أو تناول أي قضايا جادة، وقد كان هذا هو الاعتقاد الشائع حقاً لدى القطاع الأكبر من المشاهدين.
خلال السنوات الأخيرة ظهر برنامج الصدمة والذي يعتمد على فكرة مشابهة لما تقدمه برامج المقالب ولكنها بكل تأكيد أكثر عُمقاً ورُقياً وأهمية، حيث تعتمد فكرة البرنامج على رصد مواقف الشارع العربي تجاه الظواهر السلبية المختلفة التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة وتحفيز الناس على الإيجابية والتصدي لها، وقد حقق البرنامج نجاحاً كبيراً وحظي بنسب مشاهدة مرتفعة وهو ما وضع مقدمي برامج المقالب الأخرى في موقف محرج، حيث أثبت أن المعادلة بين تقديم محتوى ممتع وذو قيمة في ذات الوقت قد يكون صعباً لكنه ليس مستحيلاً.
تحولت إلى ظاهرة مزعجة
ظهرت برامج المقالب قبل عدة سنوات ولكنها لم تثر الضجة التي تصاحبها اليوم، ويمكن إرجاع السر في ذلك إلى تزايد معدلات إنتاج هذا النوع من البرامج للدرجة التي حولتها إلى ظاهرة إعلامية تفرض على الجميع التوقف أمامها وتناولها بالدراسة والتحليل، حيث أن الخريطة الرمضانية التلفزيونية صارت تقتصر تقريباً على هذه البرامج السخيفة بينما تغيب عنها الأنماط الإعلامية الأخرى مثل البرامج الحوارية والترفيهية والثقافية والتي كانت تقدم بكثافة خلال التسعينات.
المقارنة مع الماضي
رأى البعض أن طبيعة البرامج المعاصرة التي تعتمد بصورة رئيسية على ترويع الضيوف والسخرية من مظهرهم وسلوكياتهم إن كانت تدل على شيء فإنما تدل على حالة الانحطاط الفكري والأخلاقي الذي نعاني منه، والتأكد من ذلك لا يتطلب منا سوى إجراء مقارنة بسيطة بين هذه البرامج وبين البرامج المشابهة التي تم تقديمها بالثمانينات والتسعينات.
ظهرت برامج المقالب في الوطن العربي وتحديداً مصر قبل عدة عقود وكانت تعرف بمُسمى برامج الكاميرا الخفية، وقد قدم هذه البرامج مجموعة من كبار الفنانيين كان أبرزهم الأستاذ فؤاد المهندس، وخلال التسعينات اشتهر بتقديمها الفنان إبراهيم نصر، وكانت تلك البرامج -التي تم تقديم عدة مواسم ناجحة منها- تتسم بخفة الظل والرقي معاً، لكن خلال الألفية الحالية تغيرت الأوضاع بصورة كبيرة وأصبحت أغلب برامج المقالب تعتمد على إثارة رعب الضيوف والسخرية منهم.