تحظى الأفلام الحربية غالبًا بأعلى نسب المشاهدة من قِبل الجماهير مهما كانت توجهاتهم الرئيسية، فإذا افترضنا مثلًا أن ثمة مجموعة من الجماهير تُفضل الأفلام الكوميدية فإنها مع حضور الأفلام ذات النوعية الحربية سوف تُغير تمامًا من توجهها، والحقيقة أن هذا الأمر بدا للبعض مُحيرًا بعض الشيء نظرًا لأن تلك النوعية من الأفلام لا يوجد عليها إقبال كبير من المنتجين في حين نرى الإقبال الكبير يأتي من المشاهدين، فليس من الطبيعي أن نشاهد أكثر من فيلم أو اثنين من هذه النوعية كل ثلاثة أعوام، وهذا ما يعكس ندرة الأفلام مقارنةً مع الطلب عليها، لكن دعونا نعترف بأن لكل أمر من الأمرين أسبابه، بمعنى أن إقدام المشاهدين على هذه الأفلام معروف أسبابه وأيضًا انصراف المنتجين عنها يرجع إلى عدة أسباب معينة، وفي السطور القليلة المُقبلة سوف نتحدث سويًا عن الأمر الأول، وهو إقدام المشاهدين على مشاهدة هذه الأفلام بكثرة ومنحها أعلى نسب في المشاهدة، فلماذا يا تُرى؟
تجسيد هذه الأفلام لملاحم حقيقية غالبًا
السبب الأول الذي يُفسر هذه الظاهرة أن الأفلام الحربية، وبنسبة تسعين بالمئة، عادةً ما تُجسد ملاحم حقيقية وقعت من قبل، سواء تم نقلها كما حدثت بالضبط أو تم التلاعب بها سينمائيًا لخروج الفيلم في النهاية بصورة ممتعة، لكن الشاهد أنها تستند إلى حدث أو حرب حقيقية، وهو سبب جذب قوي للغاية بكل تأكيد، إذ أن الناس لا تحضر مثل هذه الحروب لأكثر من سبب، كأن يكونوا غير موجودين على قيد الحياة أصلًا وقت الحرب أو يكونوا موجودين لكن غير مناسبين لأي سببٍ من الأسباب، في النهاية تأتي هذه الأفلام لتُجسد لهم المعاناة والألم اللذان كانا حاضرين في الحرب، وبالتالي يظهر الأمر وكأنهم قد حضروا هذه الحرب بالفعل، ولو حتى بالمعنى المجازي للكلمة.
الأفلام الحربية لا تختار أي ملحمة أو حرب بشكل عشوائي ثم تقوم بتجسيدها، وإنما تتخير تلك الملاحم التي أثرت في التاريخ وكتب نفسها بأحرف من نور فيه، كما أن المهم والضروري أن تكون تلك الحروب شهيرة وفارقة لدرجة أن يتم تخيرها للاستنساخ في صورة فيلم، الأمر يبدو مُربك بكل تأكيد، لكن الشيء الذي يجب أن تعرفوه أن تجسيد هذه النوعية من الأفلام للملاحم الحقيقية كان سببًا من أهم أسباب إقدام الجماهير عليها لمشاهدتها.
ميل البشر بطبيعتهم إلى مثل هذه النوعية من الأفلام
السبب الثاني الذي ربما يكون بديهيًا بالنسبة لأولئك الذي درسوا الطبيعة البشرية، أن البشر يُحبون الحرب، والتاريخ يشهد بكل تأكيد على هذه الحقيقة، فإياكم أن تعتقدوا أبدًا بأن كل هذه الحروب التي وقعت في عالمنا منذ بدايته وحتى الآن كانت جميعها حروب من أجل الطعام والشراب، حروب من أجل البقاء كما يُقال، بل كان أغلبها موجودًا بسبب هوس بعض البشر بالحرب ورغبتهم الفطرية في الدمار، وحتى أولئك الذين يدعون الفطرة السوية وأنهم غير قابلين أبدًا لمثل هذه الأمور فإنهم أيضًا سوف يجدون في أنفسهم فطرة مشاهدة تلك الحروب ولو على سبيل الخيال، صحيح أنك تشاهد الفيلم وتتيقن بأن من يموتون أمامك لا يموتون فعلًا لكنك تنغمس داخل العمل لدرجة تصديقك لهذا الأمر وتفاعلك معه.
عندما تكون في الشارع مثلًا ثم تسمع عن وجود شجار بين شخصين لا تعرفهم، في هذه الحالة العقل يقول إنه من الأفضل ألا يتطور هذا الشجار ويتأذى أي شخص، لكن الفطرة، وشيء ما في داخلك سوف يغضب ويشعر بعدم الرضا إذا لم تقع أي خسائر، هذه فطرتك ولا يُمكن تغييرها، ولهذا وجدت الأفلام الحربية لنفسها سببًا للبقاء والانتشار.
ندرة إنتاجها وبالتالي زيادة الطلب عليها
هناك علاقة تجاذب كبيرة بين الإقبال على الشيء وندرته، بمعنى أدق، طبيعة الناس وفطرتهم أنهم يميلون إلى الشيء النادر ويرون فيه أفضلية عن ذلك الذي يتوافر أمامهم باستمرار، يُمكننا بكل تأكيد تطبيق هذا المثال على أي شيء حولنا وسنرى حقيقة هذا الأمر ببساطة شديدة، حتى في العلاقات العاطفية، فإن انجذابك لشخص يجب أن يتناسب مع عدم انجذاب هذا الشخص لك وصعوبة الوصول له أو الحصول عليه، وفي الأفلام الحربية فإن ندرة إنتاجها وقلة إقبال المنتجين على خوض تجربة بمثل هذه التكلفة يجعل من الطبيعي أن يكون هناك عدد أقل من الأفلام التابعة لهذه النوعية في كل موسم من مواسم الأفلام، وبالتالي فإن البشر بطبيعتهم يجدون أنفسهم مُنجذبين للغاية لمشاهدتها.
الأفلام الأكثر إنتاجًا هي بكل تأكيد الأفلام الكوميدية، يليها أفلام الأكشن والإثارة والغموض والتشويق والدراما، وكل هذه النوعيات تتوافر بغزارة شديدة في كل موسم من مواسم الأفلام الشهيرة، والتي ربما تتواجد في العام على ثلاث فترات أو فترتين على الأقل، لذلك عندما تأتي الأفلام الحربية بندرتها هذه فإنها تُصبح محل طلب بلا شك.
تخليد هذه الملاحم واستخدامها كمواد تسجيلية
تؤدي الأفلام الحربية واحدة من المهام العظيمة التي تؤدي بالضرورة إلى إقبال الناس عليها وكثرة مشاهدتها، وتلك المهمة ببساطة هي تخليد الملحمة أو الحرب التي يتحدث عنها الفيلم، ففي الظروف العادية يكون من المستحيل بالطبع أن نقوم بتصوير الحرب بأكملها، يُمكن فعلًا أن تُلتقط بعض الصور والمقاطع الصغيرة لكن لا يُمكن أبدًا تصوير الحرب بأكملها ومتابعتها بالبث الحي مثلًا، ولذلك فإن الحل الأمثل كي يتم استقبال هذه الحروب وتدارسها من الأجيال القادمة أن يتم تسجيلها في الكتب، وهو أمر غير دقيق، أو يتم تخليدها في صورة واحدة من الأفلام الحربية، وهذا هو الأسلوب المُتبع بالفعل في الدول العظمى، فيكفي أن يلتزم صناع العمل بأحداث الحرب وسوف يخرج الفيلم وكأنه انعكاس قوي لها.
في العقد الأخير حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تخليد كافة الحروب التي خاضتها في خلال القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، ولذلك قامت بإنتاج الكثير من الأفلام عن هذه الحروب واستعانت خلالها بأفضل الممثلين والمخرجين، فالأمر ليس مجرد فيلم عادي يتم إنتاجه من أجل جني الأرباح منه بعد عرضه في السينمات، وإنما يتعلق الأمر أكثر بتراث وتاريخ بلد لا يُمكن تخليده إلا من خلال هذه الصورة، ومن هنا اكتسب هذه الأفلام أهميتها.
استخدام أسلحة ومعدات غير متوافرة بباقي الأفلام
لا ننسى كذلك أن نذكر سبب بارز جدًا من الأسباب التي تؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة نسب مشاهدة الأفلام الحربية عن غيرها من النوعيات الأخرى، وذلك السبب يتعلق باستخدام هذه الأفلام لمواد ومُعدات من المفترض أنها سيندر أو سيكون من الصعب جدًا وجود أي شبيه لها في الأفلام من النوعيات الأخرى، فمثلًا، من شبه المستحيل أن نرى دبابة في فيلم كوميدي أو تراجيدي أو دراما أو إثارة وتشويق، فمثل هذه النوعيات، وحتى لو كان الأكشن موجود فيها، فسوف نجد الأسلحة اليدوية بمختلف أنواعها على أقصى تقدير، بل إن حتى الأفلام المُتخصصة في تقديم الأكشن من الصعب جدًا أن نجد بها مشاهد تتعلق بالحروب المستخدمة فيها الدبابات والمدافع وتلك الأسلحة الثقيلة كما يُطلق عليها.
الأسلحة الثقيلة عندما لا تكون موجودة سوى في هذه النوعية من الأفلام فإنه من الطبيعي تمامًا أن يُقبل الناس على مشاهدتها واغتنام الفرصة التي ربما لن تتكرر كثيرًا، فبعض الناس يعيشون ويموتون دون أن يدخلوا أي ثكنة عسكرية أو يروا تلك الأسلحة في الواقع، ولهذا فإنهم يدركون جيدًا أن فرصتهم الوحيدة تكمن في مشاهدة الأفلام الحربية، وهذا ما يُفسر بكل تأكيد ارتفاع نسب المشاهدة لهذه النوعية وإقبال الناس الشديد عليها.
اختيار ممثلين من الصف الأول في الأفلام الحربية غالبًا
سبب آخر قد لا يلحظ البعض وجوده لكنه موجود بشدة للتعبير عن قوة الأفلام الحربية وقوة إقبال الناس عليها، وذلك السبب في الواقع يتعلق بمجموعة الممثلين الذين يشاركون في الفيلم، أو بطولة الفيلم بالمعنى الأدق، فمن الممكن في أي فيلم من أي نوعية أن تجد فريق تمثيل متوسط يحتوي على ممثلين من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة المتوسطة وآخرين من الذين لا يملكون قدرات تمثيلية، لكن في الأفلام الحربية يصعب جدًا تواجد هذا الأمر، إذ أن الممثلين الموجودين في فريق عمل هذا الفيلم يكونون غالبًا من نجوم الصف الأول، والذين بإمكانهم أصلًا القيام بفيلم خاص لكل واحد منهم، لكن هذه طبيعة تلك النوعية من الأفلام، أن يكون فريق التمثيل كله مؤهل تأهيلًا كاملًا لهذا العمل.
في الظروف الطبيعية يرفض بعض الممثلين المشاركة في الفيلم إذا ما كان هناك عدد كبير من النجوم الذين يهددون وجودهم ووضعهم داخل الفيلم، أو بمعنى أدق، الذين يتسببون في حصولهم على دور أقل، لكن في الأفلام الحربية لا يكون هذا الأمر موجودًا، إذ أنها أفلام نادرة الإنتاج كما قلنا من قبل، وربما لا يقوم الممثل أصلًا طوال تاريخه التمثيلي بالمشاركة في أكثر من فيلم أو اثنين حربيين، لذلك فإن رفض هذه الفرصة يُمكن اعتباره ضرب من الغباء.
مساهمة الجهات الرسمية وغير الرسمية فيها
طبعًا بلا شك الجميع يبحث عن ذلك العمل المتكامل التي تتوافر فيه كل عناصر النجاح الممكنة، ويُمكننا القول بكل ثقة أن هذا الأمر يتوفر في الأفلام الحربية لسبب بسيط جدًا، وهو أن الجهات الرسمية وغير الرسمية، الجميع بلا استثناء، يُشارك في هذا الفيلم ويسعى لنجاحه بكل السُبل الممكنة، فمن أكثر الأفلام التي تُشرف عليها الحكومات الأفلام الحربية لأنها تتعلق طبعًا بتاريخ البلد وليست مجرد فيلم عادي يتم إنتاجه من أجل حفنة من الأموال أو ضمان المشاركة في شباك التذاكر، فكما ذكرنا، أغلب من يشاركون في هذه النوعية من الأفلام لا يستهدفون مثل هذه الأمور، وإنما يكون هدفهم الأول والرئيسي أن يُسجلوا في التاريخ ويُخلدوا من خلال عمل قومي كهذا، عمومًا، عندما يتشابك الجميع ويتكاتف من أجل إخراج عمل حربي قوي فإنه من الطبيعي بكل تأكيد أن يحظى بنسبة مشاهدة عالية للغاية.
إشراف الجهات الرسمية أو الحكومية قد يصل في بعض الأحيان إلى المشاركة بالأسلحة الثقيلة، والتي أغلبها أصلًا لا يُسمح باستخدامه في التصوير السينمائي، وأيضًا يُمكن إرسال كتائب من الجيش للمشاركة في الفيلم من أجل تزايد نسبة مصداقيته، وقد حدث هذا الأمر بالفعل مع بعض الأفلام العالمية الشهيرة، حيث كان الجيش الظاهر في الفيلم حقيقي والأسلحة المستخدمة كذلك حقيقية، وكأننا نتحدث عن حرب حقيقية كذلك.