أي مُشجع جيد لكرة القدم بالتأكيد سوف يكون دوري أبطال أوروبا بالنسبة له أقوى وأعرق مسابقات الكرة المُقامة في أوروبا والعالم بأكمله، ربما يُفضل تلك المسابقة أيضًا على مسابقة لا خلاف على أهميتها مثل كأس العالم، لكن أهمية البطولات لا تنبع بالتأكيد من نطاقها الواسع أو شمولها لكل مكان في العالم، وإنما تنبع في المقام الأول من قوة الفرق التي تُشارك بها، وفي عالم كرة القدم من المستحيل أن نجد بطولة تفوق كأس أبطال أوروبا، فالبداهة تقول أننا بما أننا نتحدث عن أبطال أوروبا فنحن بهذه الطريقة نتحدث عن أبطال أفضل قارة تلعب الكرة في العالم بأكمله، عمومًا، في السطور القليلة المُقبلة سوف نضع النقاط على الأحرف ونُبين لكم الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اعتبار تلك المسابقة الأعظم على الإطلاق في عالم كرة القدم، فهي بنا نبدأ سريعًا.
مشاركة أقوى أندية العالم في البطولة
السبب الأول والبديهي الذي جعل بطولة دوري أبطال أوروبا تحظى بكل هذه الشهرة وتُعتبر من أهم مسابقات الكرة في العالم أن تلك البطولة يُشارك فيها بلا مُبالغة أقوى أندية العالم، وهذه في الواقع أمر بديهي لأن البطولة أصلًا تُنظم في قارة أوروبا والتي تُعتبر واحدة من أهم القارات التي تُمارس الكرة في كل أنحاء المعمورة، فإذا أردنا مثلًا ترتيب الدوريات من حيث القوة في العالم فسنجد أن الدوريات الخمس الكُبرى تتبع في الأصل هذه القارة، لذلك من البديهي والمنطقي تمامًا أن تكون أقوى الأندية موجودة بها، وعندما تشارك تلك الأندية القوية في البطولة فإنها تُعطي لها ثقلًا هائلًا، ولهذا قلنا أن من ضمن أسباب شهرة وتفوق هذه البطولة وجود هذه الأندية فيها.
هذه الأندية الكبرى التي نتحدث عنها لها نماذج كثيرة، فهناك مثلًا برشلونة وريال مدريد من إسبانيا، وهناك ميلان ورما من إيطاليا، ومانشستر وليفربول من إنجلترا، وباريس سان جيرمان من فرنسا، والقائمة تطول لتشمل الكثير من الأندية الهامة العملاقة التي يُمكن اعتبار إنكار قوتها نوع من العمى الفعلي، فكل نادٍ من هذه الأندية المذكورة يمتلك ملايين المُتابعين في كل مكان بالعالم، وحتى في الوطن العربي نفسه، تخيلوا إذًا أن تلك الأندية المحبوبة تلعب في بطولةٍ ما، ألن يُعطيها ذلك الثِقل الذي نتحدث عنه؟ بالطبع سيحدث ذلك.
متابعة جماهيرية هائلة من كل أنحاء العالم
أيضًا ما يجعل بطولة دوري أبطال أوروبا بكل هذه القوة أن جماهير الكرة في كل أنحاء العالم تتابع هذه البطولة، ويُمكننا بكل بساطة اعتبار هذا الأمر سببًا ونتيجة في نفس الوقت، إذا أن البطولة المُنطلقة قبل أكثر من خمسين عام وجدت مع بداية الألفية الثالثة مُتابعة غير مسبوقة من قبل جماهير الكرة في كل مكان بالعالم، وهذا الأمر لا يتعلق فقط بدول أوروبا نفسها، وإنما الدول التي يتم تصنيفها على أنها دول نامية، فمهما كان المستوى المادي أو الاقتصادي فإن حب الكرة لا يتوقف عند أي حد، والواقع أن البث التلفزيوني المُسهل قد ساهم كذلك في تأدية هذا الأمر على أكمل وجهٍ لدرجة أن المباراة النهائية لهذه البطولة في عام 2017 تمت متابعتها من أعداد من المشاهدين تزيد عن المليار شخص!
جماهير الكرة لا تتابع البطولة فقط، وإنما تقوم أيضًا بتأييدها اقتصاديًا بصورة غير مُباشرة على الأغلب، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة القابلية لاستمرار هذه البطولة وتنظيم دورات جديدة منها أكثر قوة من سابقتها، وهذا ما يُفسر بكل تأكيد منحنى القوة التصاعدي الذي يأخذه دوري الأبطال منذ بدايته وحتى الآن.
رصد مكافآت خيالية لأصحاب المراكز الأولى
كذلك لا جدال على أن المكافآت الخيالية التي يتم رصدها في هذه المسابقة سبب كبير من أسباب شهرتها وكونها المسابقة الأهم والأفضل في العالم بلا منازع، فمن الممكن جدًا أن يصل المبلغ الكلي الذي يحصل عليه الفريق الفائز إلى مئتي مليون دولار، وهو مبلغ خيالي بكل تأكيد يجعلنا نقف مع أنفسنا ونفكر قليلًا حول تلك المسابقة التي تُعطي الفائز بها هذا المبلغ الكبير، وكيف أنها بناءً على ذلك تُحقق مبالغ هائلة، فبالطبع أنت لن تنفق مثل هذه المبالغ كجوائز إذا لم تكن تمتلك أصلًا ما يُعادل هذه الجوائز من أرباح، وقد رأينا جميعًا كيف أن المسابقة تحظى بتمويل هائل يبدأ من المباريات نفسها وينتهي بتسليم الجوائز بقيمتها المرتفعة التي نتحدث عنها الآن.
هناك إحصائية تقول إن الجوائز المادية التي يحصل عليها الفريق الفائز ببطولة دوري أبطال أوروبا تعادل ميزانية عشر دول من دول العالم الثاني، لكن الأكثر دهشة بكل تأكيد أن جوائز المسابقة ككل، والتي تشمل الصعود من دور المجموعات وتخطي مراحل الإقصاء، تُعادل ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وهذا ما يأخذنا إلى التفكير في تلك النظرية التي تعتبر كرة القدم وحش مُخيف سيكتسح السوق التجاري بحلول نهاية هذا القرن على الأكثر.
بيع حقوق البث بمبالغ فلكية بكل مكان في العالم
نأتي الآن لنقطة تجارية أخرى تجعل من بطولة دوري أبطال أوروبا بطولة مهمة لا غنى عنها، وهي النقطة التي تتعلق بمسألة البث التلفزيوني، فلكي نقول أصلًا أن دوري الأبطال بطولة ناجحة علينا أن نُشاهد ردود أفعال الجماهير عليه، ولكي نشاهد ردود الأفعال هذه علينا أن نوفر للجماهير مشاهدة المباريات، وهو ما يأخذنا إلى النقطة المُتعلقة ببث المباريات، فالأمر ليس سهلًا أبدًا كما يظن البعض، صحيح أن البطولة تذاع في كل مكان في العالم لكن في بداية البطولة يتم عمل مزاد علني وتتنافس القنوات التلفزيونية في أخذ حقوق البطولة واحتكارها في منطقة معينة، حيث يُصبح الناقلين للبطولة في العالم مثلًا ست محطات تلفزيونية تُغطي كل مكان بالعالم، وكل محطة تدفع المليارات من أجل ذلك.
عندما تحدثنا عن جوائز دوري أبطال أوروبا قلنا إنها مبالغ فيها بشكلٍ كبير، هذا صحيح ولكننا لم نُعر أبدًا أي اهتمام للعوائد قبل أن نتحقق مما يتم إنفاقه، ففي النهاية مُنظمي هذه البطولة ليسوا مجانين كي يُلقوا بأموالهم هباءً، فبالطبع هم يعرفون أنهم لن ينفقوا أكثر من نصف ما يأتيهم، وهذا ما يأخذنا إلى أرقام فلكية كأرباح، بكل تأكيد يعجز اللسان عن نطقها لأنها ستبدو ميزانية عالم كامل وليس مجرد لعبة تمارس بكرة جلدة لا يتجاوز سعرها العشر دولارات.
تفوق دوري أبطال أوروبا على بطولة كأس العالم
الأمر التالي الفارق جدًا بكل تأكيد في اعتبار بطولة دوري أبطال أوروبا أهم بطولة في العالم هو أنها أصبحت تتفوق في السنوات الأخيرة على البطولة التي من المفترض ألا يتفوق أحد عليها، بطولة كأس العالم، والذي تُنظم كل أربع سنوات وتضم كل منتخبات العالم بعد صراع طويل من التصفيات، والمنطق هنا يقول أن بطولة كهذه تمتلك تلك المؤهلات سوف تتفوق بلا شك على أي بطولة أخرى، وخصوصًا لو كانت بطولة قارية من المفترض أنها تهم أهل قارة معينة، بيد أن الواقع يأتي مُخالفًا تمامًا لكل هذه التكهنات والافتراضات، فقد أثبتت بطولة دوري الأبطال أنها البطولة الأقرب لكل مُحبي الكرة في العالم، أقرب حتى من البطولة الأولى للأمم في عالم كرة القدم، بطولة كأس العالم.
تفضيل جماهير كرة القدم لبطولة دوري الأبطال على كأس العالم نابع من كون هذه البطولة تمتلك منافسة أكبر، كما أنها تُلعب كل عام وتتغير خريطة الفائزين بها بشكل شبه دائم، وأيضًا تحتوي على عدد أكبر من المباريات وبالتالي جرعة أكثر من المتعة، كما أن عالم الكرة الآن بات لا يعترف بالمسافات والعوائق فيما يخص الانتماء والتشجيع، فنادي مثل برشلونة يُمكن تشجيعه من أي مُحب للكرة في العالم وليس فقط الإسبان، وهكذا الحال مع بقية الأندية العالمية.
يفوز صاحبها غالبًا بكأس العالم للأندية
هناك بطولة تُقام في نهاية كل عام، وتحديدًا في ديسمبر، تحمل اسم كأس العالم للأندية، هذه البطولة عندما تُقام فإنها تضم الفائز ببطولة دوري الأبطال في كل قارة، فمثلًا في إفريقيا يكون المشارك في هذه البطولة هو الفائز بدوري أبطال إفريقيا، وفي أسيا يكون المشارك هو الفائز ببطولة دوري أبطال أسيا، وهكذا في باقي القارات، ثم تتجمع كل هذه الفرق في النهاية وتقوم بالتنافس فيما بينها على فائز ببطولة كأس العالم للأندية، بالإضافة كذلك إلى فريق من الدولة المنظمة للبطولة، عمومًا، مشاركة الفائز بدوري أبطال أوروبا في كأس العالم للأندية سبب لا يجعل منها البطولة الأهم، فهذا أمر منطقي بكل تأكيد ويحدث في باقي القارات، وإنما الأمر المميز أن الفائز بهذه البطولة عادةً ما يحصد في النهاية لقب كأس العالم للأندية، ولكي نكون دقيقين، يحدث هذا الأمر بنسبة تزيد عن الثمانين بالمئة.
خلال العقد ونصف الماضيين تم تنظيف بطولة كأس العالم للأندية أكثر من أربعة عشر مرة، فازت فرق أوروبا، والتي فازت أصلًا بدوري أبطال أوروبا قبل المشاركة في هذه البطولة، بعشر مرات، بينما بقية الفرق من باقي القارات حظيت بلقب البطولة أربع مرات فقط، وهذا ما يجعلنا نقف أمام عظمة بطولة دوري أبطال أوروبا وأهميتها، حيث أن الفريق الفائز به غالبًا ما يضمن بطولة هامة مثل كأس العالم للأندية.
الفائز بها هو أفضل فريق في العالم بأكمله
هناك أمر معنوي آخر لكنه يُعتبر بلا شك سبب قوي من أسباب اعتبار دوري أبطال أوروبا البطولة الأقوى والأهم في العالم بأكمله، وذلك السبب يتعلق بما يتضمنه الفوز بهذه البطولة من اعتبار الفريق الفائز بأنه الفريق الأفضل عالميًا بلا منازع، فمثلًا، تُنظم قارة أسيا وقارة إفريقيا، وكل القارات الأخرى عمومًا، بطولات في دوري الأبطال، لكن بالرغم من ذلك نجد أن بطل أوروبا وحده هو من يُطلق عليه لقب الأفضل ويُصبح هناك شبه اعتراف من العالم بأكمله بأن هذا الفريق هو الأفضل على الإطلاق في مجال كرة القدم.
يرجع سبب اعتبار الفائز بهذه البطولة بأنه الأفضل عالميًا إلى كون قارة أوروبا أصلًا هي القارة الأفضل في عالم كرة القدم، وبالتالي فإن أفضل فريق بها سيكون بالتأكيد الفريق الأفضل في العالم بأكمله، وغالبًا ما يفوز بالبطولة فريق تابع لبلد من البلاد الخمس الكبرى في الكرة، وذلك مثل إيطاليا أو إسبانيا أو إنجلترا أو فرنسا أو ألمانيا، فتقريبًا هذه البلدان الخمس تحتوي على أكثر من نصف ألقاب هذه البطولة، وتحديدًا في القرن الحادي والعشرين.