طبعًا لا خلاف على أن الزواج واحدة من أعظم سنن الحياة، لكن زواج الأقارب الذي تفشى بشكلٍ كبير خلق ما يُمكن تسميته بنقطة الخلاف الكبيرة، فالبعض يرى أن الزواج من هذه النوعية يُعتبر أمر جيد، وأصحاب هذا الرأي غالبًا هم الأهل، والبعض الآخر يرى أن تلك الظاهرة في الزواج واحدة من أهم لعنات البشرية، وربما تكون وجهة النظر هذه نابعة من الأزواج أنفسهم، ولهذا نرى بعض المناوشات التي يُمكن تسميتها حقيقةً بالصراعات، تلك الصراعات تجعل من الطبيعي طرح سؤال منطقي وهام يتعلق بالأسباب التي أدت كلا الطرفين المذكورين حاليًا إلى أخذ ذلك الاتجاه في رأيهم بالنسبة لمسألة زواج الأقارب، سؤالٌ يستحق أن نُخصص عنه بقية سطور هذا المقال من أجل الخروج بإجابة شافية كافية، فلماذا يا تُرى يحدث ذلك التفاوت في الآراء حول موضوع زواج الأقارب؟ الإجابة تجدونها فيما هو قادم.
لأن الأهل يُفضلون من يعرفونهم وينتمون إليهم
بكل تأكيد يُفضل الأهالي زواج الأقارب لأنهم يعرفون هؤلاء الأقارب وينتمون إليهم، لذلك يُمكن القول أنهم يثقون تمام الثقة في هؤلاء الأقارب والقدرة على التكيف معهم بعد الزواج، وهذا ما لن يُضمن حدوثه في حالة الزواج من غير الأقارب، أو على الأقل تقدير النتائج لن تكون بنفس المستوى، فعندما يتزوج الأقارب من بعضهم، من وجهة نظر الأهالي طبعًا، سوف يكون الشخص المُضاف حديثًا من العائلة أيضًا، وبالتالي فهو يعرف كيف تسير الأمور داخل هذه العائلة وما هي أهم عاداتهم وتقاليدهم، أجل، فالعادات والتقاليد قد تختلف من عائلة إلى أخرى، وفكرة دخول فرد من خارج العائلة تعني أن مسألة الالتزام بهذه العادات لن تكون مضمونة، وهذا ما لا يُحبذه الأهل.
بعض الأهالي يعتبرون العائلة مثل الجسم، هذا الجسم لا يُمكن أن يستخدم عضو آخر بخلاف الأعضاء الخاصة به، وفي حالة حدوث هذا الأمر فإن الجسم لن يعمل كما هي طبيعته، عمومًا، نحن بالتأكيد لا نتفق مع وجهة النظر، هذه الأزواج أنفسهم لا يتفقون معها لسبب نقيض لهذا السبب تمامًا.
لأن الزوجين يبحثان عن الجديد ولا يُفضلان من يعرفونهم
على النقيض تمامًا نجد أن الأزواج لا يُفضلون زواج الأقارب لأنهم في الأصل لا يُريدون التزوج بمن يعرفونهم، بمن قضوا معهم أغلب سنوات حياتهم وشاهدوهم منذ طفولتهم، فالإنسان بشكل عام يتعامل مع الزواج على أنه رحلة جديدة يقوم بخوضها، ومغامرة يستكشف فيها كل جديد، فإذا كان سيتزوج من شخص يعرفه أصلًا فإن هذه المغامرة بالتالي لن يكون لها وجود، ولهذا تحدث عملية الكره التام لزواج الأقارب، أو الأغلبية يفعلون ذلك كي نكون دقيقين فيما نقوله، فإذا افترضنا مثلًا أننا سنسأل عشرة أزواج عن رأيهم في الزواج من هذه الجهة فإن ثمانية أزواج منهم على الأقل سوف يرفضون هذا الأمر شكلًا ومضمونًا، بينما قد يوافق عليه زوجين مثلًا دون أن يكون لديهم اقتناع كامل به.
بحث الإنسان عن كل جديد وغريب عليه لا يتعلق بالزواج فقط، وإنما كل شئون الحياة بشكلٍ عام، لكن الزواج واحدة من أهم الأمور الحياتية التي يسعى الإنسان فيها إلى تطبيق هذا المبدأ، ولنفترض مثلًا أنك قررت الارتباط بأحد أقاربك، هل ستكون لديك فرصة بالحديث عن طفولة قريبتك هذه أو ما تُفضله أو تكرهه وما تُريده وما لا تُريده؟ بالطبع لا، والسبب ببساطة أنك تعرف كل هذا مُسبقًا، تخيلوا كم ستكون الحياة مملة بهذا الشكل!
زواج الأقارب رغبةً في تقليل نفقات الزواج قدر الإمكان
نفقات الزواج واحدة من أهم الكوابيس التي تواجه الأشخاص عند الزواج، حيث أنها غالبًا ما تقود إلى إفشال الزواج أو على الأقل تكبيد المتزوجين ديون كثيرة تظل معهم منذ بداية الحياة الزوجية، ولكي يُمكن مواجهة هذا الأمر نحن في حاجة إلى وضع استراتيجية معينة تُسهم في تقليل النفقات قدر الإمكان، وقد تمكن الأهالي فعلًا من إيجاد ذلك الحل من خلال مسألة زواج الأقارب التي نتحدث عنها، حيث أن الأهالي يرون أنهم عندما يناسبون أقاربهم ويتزوجون منهم فمن المنطقي أنهم لن يطلبوا تلك الطلبات التي يطلبها الآخرين، والذين هم ليسوا من العائلة، ثم إن أقاربهم لن يعترضوا أبدًا على الأشياء التي يجلبونها خلال ترتيبات الزفاف سواء كانت قليلة أم كثيرة، وذلك لأنهم في النهاية أقارب.
نفقات الزواج كذلك تُقلل من خلال جلب مقدار قليل من الذهب وعدم الإسراف في الفرح أو أي مُناسبة، حيث أن الجميع بم أنهم أقارب فلن يُطالبوا بأشياء مُكلفة أو صعبة التلبية، والحقيقة أن وجهة النظر هذه قد تبدو صحيحة إذا نظرنا لها بعين العقل، فبالفعل هذا ما يحدث عندما يتزوج الناس من أقاربهم أو الأشخاص الذين يعرفونهم.
رغبةً في توطيد العلاقات الأسرية أكثر
تقوم الحياة في الأساس على العلاقات بمختلف أنواعها، ومن أسمى هذه العلاقات علاقة الزواج التي نتحدث عنها، لذلك فإنك إذا ما كنت ترغب في توسيع العلاقة الخاصة بك فسوف تتجه بكل تأكيد إلى الأشخاص الذين تعرفهم لكي تكون معهم رابط أسري جميل، أما إذا كنت ترغب بالأساس في توطيد العلاقات الموجودة بالفعل فإنك ستضطر للجوء إلى زواج الأقارب كي تُحسن تلك العلاقة الموجودة أساسًا، وكلنا يعرف ما يحدث في بعض الأماكن عندما تكون هناك مشكلة بين بيتين في عائلة واحدة فإنه عادةً ما يتم اللجوء إلى تزويج فرد من هذا البيت بفرد من البيت الآخر، وبتلك الطريقة يُضمن زوال هذه العداوة، لأن الزواج كما ذكرنا من قبل هو أقوى رابط يُمكن من خلاله ربط الأشخاص ببعضهم البعض.
العلاقات الأسرية عندما توطد، وذلك من وجهة نظر الأهالي طبعًا، فسوف يزيد الحب وتقل المشاكل في العائلة بأكملها، وبالتالي سوف تكون عائلة مُتحدة وجسد واحد جاهز لمواجهة أي مُشكلة تتعرض لها العائلة من أي عائلة أو كيان آخر، وبهذه الصورة فسوف يبدو الزواج هو اللبنة التي تم بناء هذا الحب عليها، عمومًا، كل هذا كما ذكرنا من وجهة نظر الأهالي، أما الأزواج فلا تشغلهم وحدة العائلة أو وحدة العالم نفسه، وإنما يشغلهم أنفسهم بالمقام الأول بالتأكيد.
تجنبًا للأمراض التي تنشأ عن زواج الأقارب
ثمة سبب آخر يجعل الأزواج، أو الشباب بالمعنى الأدق، يرفضون فكرة زواج الأقارب هذه جملة وتفصيلًا، وهذا السبب يتعلق بالأمراض التي غالبًا ما تُصيب الأشخاص الذين يتزاوجون من نسب قريب منهم، نسب يؤدي حسبما تقول الدراسات إلى أمراض وراثية خطيرة، والحقيقة أن الأهالي ربما لا يدركون ذلك بسبب عدم اطلاعهم ودرايتهم بالأمور الطبية والعلمية، بينما الأزواج أو الشباب يعرفون ذلك قبل الزواج من خلال اطلاعهم ورحلتهم في التعليم، ولذلك فإنهم يرفضون خوض هذه التجربة والمحافظة على ذريتهم القادمة من الأمراض التي قد تؤرقهم لبقية حياتهم بسبب كان من الممكن تفاديه حال رفض فكرة زواج الأقارب.