أحلام اليقظة Day Dreams هي حالة تنتاب جميع البشر وتتمثل في تخيلهم لطبيعة حياتهم إذا أضيفت إليها بعض العوامل المرغوبة أو اختفت منها بعض المظاهر المرفوضة، ينظر الغالبية إلى ذلك الأمر باعتباره حالة طبيعية لا ضرر منها وهي كذلك بالفعل، لكن إذا زاد الأمر عن حده فإنها تصبح في تلك الحالة بمثابة ناقوس خطر، وقد تنتج عنها آثاراً تدميرية وتقود الشخص إلى عواقب وخيمة.
أسباب أحلام اليقظة ومخاطرها على الإنسان :
أحلام اليقظة ليست دائماً حالة طبيعية بل في كثير من الأحيان تكون مصدر تهديد للاستقرار النفسي وتؤدي على المدى البعيد إلى ما لا يُحمد عُقباه، لهذا يحذر خبراء الطب النفسي دائماً من الاستسلام لتلك الأحلام بشكل تام.
أولاً : مسببات أحلام اليقظة :
أجريت العديد من الدراسات النفسية حول حالات أحلام اليقظة المرضية أو المزمنة، في محاولة من العلماء للتوصل إلى العوامل الرئيسية التي تؤدي إليها وشملت نتائج تلك الدراسات ما يلي:
تنامي مشاعر الإحباط :
أثبتت العديد من الدراسات النفسية التي تناولت مشكلات أحلام اليقظة المرضية أو المزمنة أن الفشل في تحقيق الأهداف يعد المُسبب الرئيسي لتلك الحالة التي تصيب الكثيرين حول العالم، حيث يرى خبراء طب النفس أن تلك الأحلام -أو الأوهام إن تحرينا الدقة- ما هي إلا إحدى الوسائل التي يتبعها الشخص للهروب من الواقع المؤلم.
حين يخوض الإنسان أي تجربة حياتية من أي نوع وينتهي الأمر بالفشل تتملكه مشاعر الحزن والإحباط والتي تسبب له ألماً نفسياً شديداً، وفي تلك الحالة قد يلجأ البعض لا إرادياً إلى تسكين تلك الآلام من خلال الانسياق وراء أحلام اليقظة والتي تشبه العيش في عالم افتراضي، وهذا لا يعني أن الشخص الذي يمارس هذا الفعل يعاني من خللاً عقلياً يخلط بين الواقع والوهم، بل أنه يكون مدركاً تماماً أن أحلامه مجرد أحلام ولكنه يحاول إرضاء نفسه بها ومن ثم فإن الاستمرار بها يزيد من درجة رفضه لواقعه وقد يؤدي هذا إلى تفاقم الوضع وتعرضه لأزمات نفسية حقيقية مثل نوبات الاكتئاب وغيرها.
العجز عن التأقلم مع الواقع المحيط :
يرى خبراء التنمية البشرية أن الرفض هو الدافع الرئيسي لاتجاه الأشخاص إلى أحلام اليقظة الوهمية، سواء كان رفض الواقع نابعاً من خوض تجارب فاشلة كما ذكرنا سابقاً أو ناتج عن انعدام قدرة الفرد على التأقلم مع الأجواء أو الأشخاص المحيطة به.
إذا كان الشخص يشعر بعدم الراحة فيما يخص وظيفته أو شريك حياته أو عائلته بشكل عام فإن ذلك يدفعه تلقائياً إلى تخيل وضع حياته إذا خلت من العوامل التي تسبب له الضيق والإزعاج، ومع مرور الوقت وتكرار الأمر يتحول ذلك التخيل إلى إحدى حالات أحلام اليقظة المرضية. المشكلة الحقيقية تظهر حين يبدأ الشخص في الاستسلام لتلك الأوهام ومن ثم يكف عن مواجهة مشكلاته مما يعني أنها سوف تبقى قائمة وتزيد من حجم الضغوط النفسية والعصبية الواقعة عليه.
انعدام الثقة بالنفس :
تعتبر أحلام اليقظة هي الملاذ الذي يتوجه إليه كل شخص عديم الثقة بالنفس مُحبطاً لذاته، حيث أن هؤلاء يعجزون عادة عن اتخاذ خطوة حقيقية في مسيرتهم العملية أو الشخصية، مثل أن يعجز عن مصارحة شخص آخر بمشاعر الحب التي يكنها له والتي من المفترض أن تتوج في الحالات الطبيعية بإتمام الزواج، أو عجزه عن اتخاذ خطوات حقيقية نحو أحلامه المهنية المحققة لطموحاته.
يهرب هؤلاء الأشخاص عادة إلى أحلام اليقظة التي غالباً ما تكون عبارة عن النقيض التام للحياة الواقعية التي يعيشونها، إن كان الشخص فاشلاً في عمله فإنه يتخيل ذاته في قمة النجاح، إن كان عاجزاً عن التواصل مع من يحب يتخيل نفسه متزوجاً إياه. المشكلة هنا أن تلك الأحلام تعيق الشخص عن اتخاذ أي خطوة فعلية في العالم الواقعي ومن ثم فإن الأوضاع تبقى على ما هي عليه والعوامل المسببة للألم النفسي لا تزوال وبالتالي تزداد شدتها وتتفاقم مع مرور الوقت.
الفئة العمرية :
أشارت العديد من الدراسات إلى أن ظاهرة أحلام اليقظة ترتبط بشكل رئيسي بالفئة العمرية التي يمر بها الشخص، وقد رأى الباحثون أن الشباب في مرحلة المراهقة هم الأكثر عرضة لتلك الحالة من البالغين، نظراً لأنهم يكونوا مفعمين بالحماس ويمتلكون كماً كبيراً من الأحلام والطموحات.
يؤكد الخبراء أن مراودة هذا النوع من الأحلام للأشخاص في هذه المرحلة العمرية أمر طبيعي وآمن بل ويمكن اعتباره إيجابياً أيضاً، لكن بشرط أن يكون خاضعاً لسيطرة الإنسان وألا يكون نابعاً من أي أزمة نفسية قد مر بها، وفي تلك الحالة تنتقل الأحلام من النمط العادي إلى النمط المرضي الذي يستوجب تلقي رعاية نفسية متخصصة.
ثانياً : مخاطر أحلام اليقظة :
نظرياً لا تؤثر أحلام اليقظة على الصحة الجسمانية للإنسان ولذلك يعتقد الكثيرين أن لا ضرر منها، لكن الحقيقة المثبتة علمياً أن تلك الأحلام المرضية قد يكون لها تأثير سلبي بالغ على الصحة النفسية للإنسان وقد يتفاقم الأمر إلى حدوث بعض الانحرافات السلوكية، من أمثلة ذلك:
الاكتئاب المزمن :
حالة التضارب التي يعيشها المريض ما بين حياته الافتراضية التي تصورها له أحلامه وبين الواقع الذي يعيشه تنعكس بشكل سلبي على حالته النفسية والمزاجية، ومع مرور الوقت قد ينتج عن ذلك إصابته بإحدى حالات الاكتئاب المزمن الذي يتطلب خضوعه لعلاج نفسي متخصص أو إيداعه داخل إحدى المصحات، خاصة أن حالات الاكتئاب المزمن قد تتفاقم إلى مخاطر قد تصل في بعض الأحيان إلى الإقدام على الانتحار!
الإدمان :
ذهبت بعض الدراسات إلى اعتبار أحلام اليقظة أحد العوامل غير المباشرة المؤدية إلى الإدمان باختلاف أنواعه ودرجات خطورته، ابتداءً من الإدمان على التدخين وصولاً إلى إدمان المخدرات على اختلاف أنواعها. لا تعد تلك الحالة –أي الأحلام الوهمية- سبباً رئيسياً في الإدمان لكنها تسبب ضيق النفس وتدفع الإنسان إلى العزلة والانطواء وجميعها عوامل قد تقود في نهاية المطاف إلى وقوع الإنسان في هذا الفخ المميت.
السلوكيات العدائية :
تعمل أحلام اليقظة على توسعة الفجوة بين الإنسان وواقعه المحيط وتزيد من درجة عجزه عن التأقلم معه، مما يجعله سريع الاستثارة وقد تطرأ عليه -نتيجة لذلك- بعض التغيرات السلوكية، مثل أن يتسم سلوكه بالفظاظة ويأخذ منحى عدوانياً تجاه الآخرين سواء لفظياً أو فعلياً، وتلك الحالة في أغلب الأحيان لا تكون إلا مجرد بداية لسلسلة طويلة من الأزمات والإخفاقات الحياتية التي تزيد الأمور تعقيداً.
ثالثاً : الفرق بين التفكير وأحلام اليقظة :
يقول العلماء أن هناك خلطاً كبيراً بين وظيفة التفكير السوي Thinking وبين أحلام اليقظة Day Dream لدى البعض، لكن الحقيقة أن كل منهما يختلف عن الآخر شكلاً ومضموناً، حيث أن التفكير البشري السوي يتمثل في توارد مجموعة من الأفكار الهدف منها إحداث تأثير أو تغير في مجريات الأمور، أما أحلام اليقظة ما هي إلا مجموعة أوهام تراود الشخص الهدف منها هو الهرب من الواقع المحيط دون تولد أي نية لدى صاحبها لتغييره أو التأثير به.
خاتمة :
أحلام اليقظة -لدى الشباب بالأخص- قد تكون أحد عوامل الدفع نحو المضي قدماً بالحياة واتخاذ خطوات فعلية لتحقيق تلك الأحلام وتحويلها إلى حقيقة، أما إذا زادت عن حدها واستسلم الشخص لها بصورة كاملة فإنها في تلك الحالة تصبح أحد العوامل التي تعيق مسيرته وقد تقود إلى أمراض نفسية حقيقية لذا يجب في تلك الحالة التوجه إلى الأطباء والحصول على استشارة متخصصة.