مما لا شك فيه أن الحارس الدولي المصري عصام الحضري يأتي على رأس قائمة أفضل الحراس الذين مروا بتاريخ مصر، فلا أحد اقترب حتى مجرد الاقتراب من إنجازات الحضري خاصةً من العام 2005 وحتى العام 2010، ففي هذه الفترة قام عصام الحضري بفعل كل شيء تقريبًا، ونقصد بكل شيء كل شيء حرفيًا، من بطولات قارية مع المنتخب وبطولات قارية ومحلية مع الأندية، حتى أن البعض قد بدأ ينسى أن الحضري قد تجاوز سن الأربعين بسبب أدائه المُدهش وقدرته على الاستمرار في العطاء حتى وقتنا الحالي، وكما ذكرنا من البداية لا يمتلك الحضري أية مُنافسين يقتربون من أداءه وإنجازاته الكثيرة، لكن على رغم من ذلك لا يزال الجيل الجديد، وتحديدًا مواليد 2005 فيما فوق، لا يعرفون بعد ما قدمه الحضري ويندهشون من كونه الأفضل في التاريخ مصر وهو يلعب الآن في نادي سعودي مغمور بعض الشيء، ولهذا، دعونا في السطور القادمة نُجيب على هؤلاء ونذكر أهم الأسباب التي تجعل منه الأفضل تاريخيًا.
القدرة على الاستمرار في الملاعب حتى الآن
ليس سهلًا بالمرة أن تُمارس كرة القدم بعد سن الثلاثين، فبعد أن تتجاوز عتبة ذلك السن فإن البعض سوف يبدأ في الهمز واللمز عليك، خاصةً إذا كنت لاعب محترف تمتلك وزن كبير، ففي هذه الحالة سوف تُطالب باستمرار بأن تتخلى عن حياتك الرياضية وتترك المجال للشباب، أضف إلى ذلك مُعاناة أشد إذ كنت تتحدث عن لاعب في مصر، لكن على عكس كل ذلك فإن عصاب الحضري، وعلى الرغم من تجاوزه سن الأربعة والأربعين عام، إلا أنه لا يزال حتى الآن قادرًا على العطاء في الملعب كأي لاعب آخر شاب، بل إن البعض يقول أنه أفضل من بعض الحراس الشباب الذين لم يتجاوزا سن الخامسة والعشرين، أي نصف عمر الحضري تقريبًا، تخيلوا كم هو مُدهش ما يفعله هذا الرجل!
بعد أن تجاوز الحضري سن الثلاثين، وتحديدًا مع مطلع الألفية الثالثة، ظن البعض أن الحضري يستعد لوضع الفوطة مثل المحاربين المخذولين والبدء في سلك طريق آخر بخلاف ممارسة الكرة، طريق آخر قد يكون التدريب أو الإعلام أو أي شيء آخر لا يستنزف عرق رجل تجاوز الثلاثين من عمره، لكن على العكس تمامًا، بدأت إنجازات الحضري في هذا الوقت لتدل على أنه فعلًا حارس كبير، لكنه ليس كبير سن، وإنما كبير مكانة وتاريخ.
الحصول على العديد من البطولات مع الأندية والمنتخبات
المعيار الذي يُقاس عليه أغلب اللاعبين هو البطولات، تمامًا مثلما هو الحال مع الممثلين الذين تُقاس جودتهم من خلال الجوائز التي يحصلون عليها، يُقال هذا المُمثل بارع لأنه حصل على جائزة الأوسكار عن أفلام كذا وكذا، أما في الرياضة، وتحديدًا في اللاعبين، يُمكنك أن تقول هذا لاعب جيد وهذا لاعب سيء من خلال البطولات التي حظي عليها، وإذا وجهنا دفتنا نحو الحارس الدولي عصام الحضري فسنجد أنه قد حصل على عدد كبير جدًا من البطولات مع الأندية والمنتخبات، تلك البطولات متنوعة وتشمل تقريبًا كل ما يتواجد على الساحة من بطولات مثل الدوري والكأس والسوبر ودوري أبطال أفريقيا والسوبر الأفريقي، ومع مصر حصل الحضري كذلك على بطولة الأمم الأفريقية أكثر من مرة.
لم يكن عصام الحضري يحصل على هذه البطولات التي نتحدث عنها بشكل شرفي، بمعنى أنه هناك بعض اللاعبين الذين يلعبون بشكل غير دائم أو يجلسون على مقاعد البدلاء دائمًا ثم في النهاية يحصلون على لقب البطولة عندما يحصل عليها الفريق، وهذا بالتأكيد حقهم، لكنهم لا يستطيعون التفاخر بهذه البطولات، في حين أن عصام الحضري قد شارك مُشاركة فعالة للغاية مع الأندية والمنتخبات التي لعب بها وكان سببًا مباشرًا من أسباب الحصول على البطولات.
قيادة المنتخب المصري نحو الإنجاز التاريخي الأعظم
في الحقيقة عندما يتم تصنيف لاعب على أنه جيد أو سيء فلا يُنظر إلى النادي الذي يلعب به، ففي النهاية المستوى الذي يظهر منه هو ما يُحدد جودته، لكن عندما يكون ذلك اللاعب يؤدي بشكل جيد مع منتخب بلاده يبدو الأمر مُختلفًا تمامًا، حيث أن شرف تمثيل البلاد يجعل منه لاعبًا عظيمًا، وهذا يتضح أكثر مع تاريخ عصام الحضري الذي قاد المُنتخب إلى تحقيق إنجاز تاريخي ربما لا يستطيع أي لاعب تكراره فيما بعد، أو يُمكننا القول على الأقل أنه لم يصل أحد إلى هذا الإنجاز حتى الآن، وذلك الإنجاز كان ببساطة قيادة المنتخب للفوز ببطولة الأمم الأفريقية لثلاث مرات مُتتالية، وهي البطولة الأعظم في قارة أفريقيا بكل تأكيد، وربما في التصنيف الثالث أو الرابع بين بطولات المنتخبات العالمية.
عصام الحضري وقف في عرين منتخب بلاده طوال الدورات الثلاث التي حظي المنتخب بلقبها، وكان في كل مباراة يمنع الكثير من الأهداف التي من الطبيعي أن تدخل في أي حارس آخر، وطبعًا في حالة دخولها كانت ستُخرج المنتخب من البطولة مبكرًا، لكن الحضري كان حاضرًا وبقوة لمنع ذلك، وربما هذا ما كان واضحًا بشدة في المباراة النهائية ببطولة الأمم الأفريقية 2006، تلك المباراة التي حملها الحضري وحده على عاتقه، ولكل هذا يُعتبر الحضري الحارس الأعظم في تاريخ مصر، والذي بالتأكيد يعج بالحراس الرائعين، لكن الحضري أعظمهم على الإطلاق.
اللعب لأكبر ثلاثة أندية في مصر
غالبية اللاعبين العظماء يلعبون طوال مسيرتهم بعالم كرة القدم في فريق واحد فقط ويصنعون معه المجد، لكن عصام الحضري من أجل التأكيد على أحقيته بلقب أفضل وأعظم حارس في تاريخ مصر قام باللعب بقمصان الثلاث فرق الكُبرى في تاريخ مصر منذ قديم الأزل، وهم بالتأكيد النادي الأهلي ونادي زمالك ونادي الإسماعيلي، فهذه الفرق الثلاث حُلم لأي لاعب أن يلعب في إحداها، لكن الحضري لم يكتفي بأقل من اللعب في الثلاثة معًا، وطبعًا لعب الحضري في فرق أخرى بمصر والدوري السعودي والدوري السويسري كذلك، لكننا هنا نتحدث عن الأندية الأكبر خلال هذه المسيرة الحافلة بالتألق، وطبعًا ليس هنا أكبر من هذه الأندية الثلاث التي ذكرناها الآن.
عندما بدأ عصام الحضري احترافه لكرة القدم لعب أولًا في صفوف النادي الأهلي قادمًا من أحد الأندية الصغيرة في كفر الشيخ، وهناك استمر الحضري لأكثر من عقد حقق فيه الكثير والكثير من البطولات ومنه ذهب إلى المنتخب الوطني وحقق البطولات كذلك، لكن عندما انتقل إلى أندية الزمالك والإسماعيلي وبقية الأندية الأخرى في مصر والسعودية لم يُحقق أي بطولات، بمعنى أدق، لقد صنع تاريخه بالكامل في النادي الأهلي، وهذا لا يُقلل منه بكل تأكيد.
الحصول على لقب أفضل حارس في أفريقيا أكثر من مرة
بعيدًا عن البطولات والألقاب التي حصل عصام الحضري عليها مع الفرق والمنتخبات فإنه كذلك كان يمتلك بعض الإنجازات والألقاب الشخصية التي تتعلق بعصام الحضري فقط، وتلك الألقاب كانت على الأغلب تتعلق بالأفضل في أفريقيا ومصر، فعلى مستوى المنتخبات، وخلال البطولات الثلاث التي أُقيمت من عام 2006 وحتى عام 2010، حصل الحضري على لقب الحارس الأفضل في أفريقيا ثلاث مرات مُتتالية، ومع النادي الأهلي، وخلال مشاركة النادي في بطولة أفريقيا للأندية وحصوله على لقبها أكثر من مرة، حصل الحضري كذلك على لقب الحارس الأفضل في أفريقيا، ناهيكم عن المرات الكثيرة التي حصل عليها من مصر كأفضل حارس في الدوري المصري.
حصول اللاعب على مثل هذه الألقاب لا يجعل اعتباره للأفضل مجرد آراء أو اجتهادات أو وجهات نظر، وإنما أمر واقع لا يُمكن التشكيك فيه، كما أن المنافسة تكون قوية مع العديد من الحراس الجيدين، والتميز في مثل هذه الظروف لا يعني فقط أنك حارس جيد، وإنما يدل كذلك على أنك الجيد الأفضل بين كل الجيدين الآخرين، ولكي نكون أكثر توضيحًا، حراسة الحضري لعرين المنتخب طوال العقد ونصف الماضيين أكبر دليل على أنه لا يوجد حارس مصري أفضل منه.
قدوة للحراس الشباب بالرغم من منافستهم معه
تجاوز عصام الحضري حاجز الأربعين عام منذ فترة طويلة لكنها ما زال حتى الآن موجود في ملاعب الساحرة المُستديرة، وطبعًا هناك حراس يلعبون الآن وبالكاد يتجاوزن حاجز العشرين ربيعًا، إنهم إذًا يمتلكون نصف عمره تقريبًا، ولكنهم على الرغم من ذلك منافسين له، وعلى الرغم من أنهم ينافسونه في الأندية والمنتخبات إلا أنه لم يجرؤ أحد على النظر للحضري سوى كمُعلم يُمكن الاستفادة منه والتشبع بخبراته الطويلة في ملاعب الساحرة المُستديرة، وهذا الأمر يُمكن تطبيقه في كافة الأندية التي لعب فيها الحضري طوال مسيرته الاحترافية، وربما تظنون أن الأمر عادي أو ليس مُلفت بالمرة، لكنه في الحقيقة يدعو إلى الدهشة الحقيقية لأننا عندما نُريد التعلم من شخص وأخذه كقدوة لا نختار أبدًا منافسين له.
براعة عصام الحضري وقدراته الكثيرة أزالت حاجز المنافسة بينه وبين الحراس الشباب الذين يلعبون معه في نفس الفريق، فتجد الواحد منهم غير خجل أبدًا من الظهور على شاشات التلفاز والتصريح علانيةً بأن مثله الأعلى في الملاعب هو الحضري، بينما هو منافس له ويلعب معه في نفس النادي، ولمن يُمعن النظر في هذه الظاهرة سوف يُدرك حقًا المعنى الذي نقصده ولماذا يُعتبر ذلك الرجل أعظم حارس في تاريخ مصر.
تأدية عصام الحضري أعظم مباراة في تاريخ كأس العالم للقارات
هل تعلمون ما هي أعظم مباراة تمت في كأس العالم للقارات على مدار تاريخها؟ إنها مباراة مصر وإيطاليا التي أُقيمت في عام 2010، لكن هل تعرفون لماذا تُعتبر تلك المباراة الأعظم على الإطلاق؟ ببساطة لأن ما حدث فيها لن يتكرر مرة أخرى، سواء فوز مصر بالمباراة أو ما فعله عصام الحضري من معجزات وأدى إلى استحقاقه عن جدارة لقب أفضل حارس في تاريخ مصر، ففي تلك المباراة تقدم المنتخب المصري بهدف مبكر سجله لاعب الإسماعيلي محمد حمص، والذي بالمناسبة كتب أكثر من ثلاثة أرباع تاريخه في هذه المباراة فقط.
بعد ذلك الهدف انقلبت الأمور تمامًا وهاجم المنتخب الإيطالي بكل ما يمتلك من قوة، كان ثمة إعصار حقيقي يضرب المنتخب المصري، وكان صاحب العبء الأكبر هو الدفاع الذي قام بمباراة بطولية، لكن كل هذا لا يُقارن بما فعله عصام الحضري في هذه المباراة، حيث يقال إنها قد منع ما يقرب من عشرة أهداف مؤكدين، هذه الأهداف العشرة كانت كفيلة بتسبيب نتيجة فضيحة للمنتخب، لكن الحضري كان موجود ومنع حدوث ذلك في مباراة تاريخية، وهذا سبب آخر لكونه الحارس الأفضل في تاريخ مصر.