من أكثر الأشياء المُحيرة في عالم الرياضة بشكلٍ عام أن لعبة شهيرة مثل لعبة الإسكواش لم تنضم حتى الآن إلى منافسات الألعاب الأولمبية التي تُنظم كل أربع سنوات وتُعتبر بلا شك أحد أهم الأحداث الرياضية في العالم إذ لم تكن الأهم على الإطلاق بالمساواة مع كأس العالم، فتلك البطولة يُشاهدها العالم بأكمله نظرًا لتعدد الألعاب الموجودة بها في المقام الأول وكذلك بسبب مشاركة أكثر من تسعين بالمئة من دول العالم بها، فطبعًا ليس من المعقول ألا تُجيد الدولة أي لُعبة من الألعاب الكثيرة التي تتنافس في الأولمبياد، لكن المُثير حقًا أنه من بين تلك الألعاب الكثيرة ليس هناك وجود للعبة شهيرة وتحظى بحفاوة بالغة مثل الإسكواش، تلك اللعبة التي بدأت قبل أكثر من مئة عام وتم تطويرها من أجل دخول الأولمبياد لكنها لم تدخل في نهاية المطاف، فلماذا يا تُرى؟ هذا هو السؤال الذي سنبدأ بالإجابة عليه سويًا، وبلا شك أهم أسباب ذلك الأمر هو عدم مطابقة اللعبة لبعض قواعد اللجنة الأولمبية.
عدم مطابقة اللعبة لبعض قواعد اللجنة الأولمبية
تُشرف على بطولة الأولمبياد التي يتم تنظيمها كل أربع سنوات لجنة من الخبراء والرياضيين والمُنظمين، تلك اللجنة في الحقيقة هي من تُحدد الألعاب التي يُمكنها دخول المُعترك الأولمبي والألعاب التي لا يُمكنها ذلك، وغالبًا ما يتم الأمر خلال مدة طويلة لأن القرار لا يكون صعبًا بالمرة، والحقيقة أن عشاق لعبة الإسكواش والممارسين لها في كل مكان في العالم تقريبًا يُنادون منذ بداية القرن الحادي والعشرين بضم اللعبة إلى ذلك الحدث الرياضي الهام، وبالرغم من ذلك تأتيهم الإجابة بعدم الانتهاء من دراسة القرار بعد وأن الأمر ربما يأخذ وقتًا أطول، ومع أن الطموحات والآمال تبدو مرتُفعة وتُشير إلى احتمالية دخول اللعبة في الأولمبياد القادمة 2020 إلا أنه لا شيء يُمكن تأكيده حتى الآن.
قواعد الأولمبياد وُضعت منذ بداية البطولة قبل وقتٍ طويل، لكن هذا لا يعني بالتأكيد أنها قانون إلهي لا يُمكن تغييره، وإنما بالفعل ثمة بعض القواعد التي تتغير في كل دورة، ولذلك بطمح القائمون على الإسكواش أن يستمر تغير هذه القواعد حتى يأتي الوقت التي تُصبح فيه اللعبة صالحة للدخول إلى هذا المُعترك الذي يتم ترقبه بكل حماس، لكن متى يا تُرى سيحل الوقت؟ لا أحد يعرف، الشيء الوحيد المعروف أن الإسكواش حتى الآن ليست لُعبة أولمبية.
عدم وجود انتشار جغرافي أولمبي للعبة
تشترط الأولمبياد من أجل دخول أي لعبة إليها أن يكون لها انتشار جغرافي أولمبي، هكذا يُعرف في كل مكان في العالم ومن خلاله تمكنت الألعاب الموجودة في الأولمبياد حاليًا من دخولها، ذلك الانتشار ببساطة يشترط تواجد اللعبة في أكثر من سبعين دولة وممارستها من قِبل رجال هذه الدول، أما بالنسبة للإناث فالعدد المطلوب هو أربعين دولة فقط، بمعنى أنه إذا حدث وقامت أكثر من سبعين دولة بممارسة اللعبة داخل أراضيها بذكورها وإناثها فإن المُحصلة النهائية ستكون دخولها الأولمبياد، لكن هذا لم يحدث حتى الآن ونحن نتكلم في عام 2018 وقبل عامين فقط من أولمبياد 2020 التي يتوقع الكثيرون أنه مع قدومها سوف يكون نِصاب الدول الحاضنة للعبة قد اكتمل ويُمكن المشاركة بعدها في البطولة.
يشمل الانتشار الجغرافي نوع آخر من الانتشار على المستوى القاري هذه المرة، حيثُ يشترط وجود لعبة الإسكواش في عدد من القارات يزيد عن الأربعة من بين السبع قارات الموجودة في العالم، وهذا أيضًا أمر قريب جدًا وشبه مُتحقق، حيثُ تمارس اللعبة الآن في قارات أفريقيا وأسيا وأوروبا وأمريكا، لكن فقط ما ينقص أن يتم تسجيل اتحادات اللعبة بهذه القارات في الاتحاد الدولي حتى تُصبح المشاركات رسمية، وهو أمر ممكن جدًا بكل تأكيد.
تصنيف البعض لها بأنها لعبة عقلية
أيضًا من ضمن الأسباب التي تؤخر انضمام لعبة الإسكواش إلى الألعاب الأولمبية أن البعض ما زال يُصنفها على أنها لعبة عقلية، هذا البعض في الحقيقة تابع للجنة الأولمبية التي بيديها إدخال اللعبة إلى المُعترك الأولمبي أو عدم إدخالها، ولكي نُوضح الأمر، من قواعد وشروط أي لعبة كي تُصبح أولمبية فيما بعد أن تكون غير مُستخدمة للعقل، وهنا قد يقول البعض منكم أن أي لعبة في العالم تابعة بشكل أو بآخر للعقل، بل إن العقل مسئول بشكل مباشر عن أي فعل يقوم به الإنسان، لكن هنا المنظمين قالوا بأنه ما ليس مسموحًا به فقط الألعاب التي تعتمد بشكل كلي على العقل، ومثال ذلك لعبة الشطرنج مثلًا، فهي ليست أولمبية لأنها تواجه نفس المُشكلة، وهي الاعتماد الكلي على العقل ومخالفة الشرط الرئيسي.
اعتبار لعبة الإسكواش لعبة عقلية نابع من تحكم اللعب بالكرة وقيامه بالكثير من المسائل العقلية من أجل تحديد اتجاه الكرة، تمامًا مثلما يفعل لاعب الشطرنج، وقانون الألعاب الأولمبية منذ نشأتها أنها تسعى كل السعي إلى إظهار القوة البدنية والتفوق الجسماني للاعب، ولهذا يتم رفض السباقات التي تدخل فيها السيارات أو أي مُحركات أخرى، ففي الأولمبياد سلاحك الوحيد والأول هو جسمك، وأي شيء آخر ينزع عن اللعبة صفة الأولمبياد.
عدم تمتع اللعبة بالشعبية الكافية
لكي نكون صريحين، فإن أي رياضة في نهاية المطاف لم تعد تُلعب في وقتنا الحالي لأي سبب بخلاف الاستثمار، فلقد طغى ذلك الداء على كل شيء وأصبح له صبغة تجارية لدرجة أن بعض الألعاب قد تُلغى فقط لعدم وجود جماهير لها، وطبعًا لعبة الإسكواش من ضمن تلك الألعاب التي لا تحظى بالشعبية الجارفة، ولا نقول هنا أنها لا تحظى بالشعبية من الأساس، وإنما فقط تلك الشعبية الجارفة التي تجعل الجماهير تدفع الأموال من أجل الذهاب لمشاهدتها داخل الملاعب أو حتى الجلوس أمامها عند وجودها على التلفاز وتفويت ألعاب أخرى، ففي النهاية هي ليست ضمن الأولويات أو الألعاب الجاذبة مثل كرة القدم أو كرة السلة أو كرة اليد، أو حتى الكرة الطائرة التي يظن البعض أنها لا تمتلك أي شعبية.
تحديد شعبية اللعبة يكون من خلال البطولات التي تُقام بها، فمثلًا اللعبة الشعبية الأولى في العالم هي كرة القدم، وإذا أردت أسبابًا فلتجمع إذا استطعت عدد دوريات كرة القدم التي تُقام في العالم بشكل سنوي، إنها بلا مُبالغة أعداد لا تُحصى، حتى تلك الدول التي ينام مواطنوها بلا عشاء تمارس كرة القدم ولهم دوريات مُتابعة من الشعب، وكذلك الحال في لعبة كرة السلة بالولايات المتحدة الأمريكية مثلًا، لكن الإسكواش عدد بطولاته معدودة على أصابع اليد الواحدة ولا يتزاحم الناس على ملاعب اللعبة من أجل مشاهدتها، إجمالًا، لا تحظى تلك اللعبة أبدًا بالشعبية الكافية للأولمبياد.
ندرة الدول الكُبرى البارعة في هذه اللعبة
لكي نكون صريحين وصادقين مع أنفسنا دعونا نتفق على أمرٍ هام، وهو أن ما يؤهل أي لعبة ويجعلها شهيرة وشعبية وقابلة للاعتراف بها في حدث رياضي هام وكبير مثل الأولمبياد أن تكون تلك اللعبة تحت ظل أحد الدول الكبيرة، وأن تكون كذلك بارعة فيها، وهذا لا يتوافر أبدًا مع لعبة الإسكواش، فعلى سبيل المفاجأة، الدولة المُصنفة رقم واحد على العالم في هذه اللعبة والتي يفوز لاعبيها بكل البطولات العالمية هي مصر، أجل كما سمعتم تمامًا، مصر هي أفضل من لعب الإسكواش في العالم، وهذا ليس مجرد كلام مُرسل وإنما معلومات موثقة بالبطولات والتصنيفات العالمية، فيكفي أن نقول مثلًا بأن اللاعبين الخمس الأكثر إجادة للعبة حسب التصنيف الدولي مصريون!
عندما كانت البرازيل قديمًا تلعب الكرة الأفضل في العالم لم يكن الجميع يولي اهتمامًا باللعبة، صحيح أن الجميع يحب كرة القدم لكن لم يكن هناك شغف تجاه متابعة البطولات الخاصة بها، لكن ذلك الوضع قد تغير مع دخول الدول العظمى في الصورة، ونعني بذلك تحديدًا إنجلترا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا، فهذه الدول عندما برعت في كرة القدم نجحت في تسليط الأضواء على اللعبة واكتساح العالم بها، وهذا ما لم تنجح فيه لعبة الإسكواش حتى الآن.
صعوبة ممارسة اللعبة لدى الكثيرين
أغلب الألعاب التي تتم مارستها داخل الأولمبياد عندما نُشاهدها في التلفاز نقول بلا تردد أننا قادرين بسهولة على لعبها، فمن منا لا يُمكنه الركض أو السباحة أو القفز؟ كلها أشياء بسيطة يُمكننا تعلمها، أو على الأقل يُمكننا إقناع أنفسنا بأننا سنتعلمها، لكن فيما يتعلق بلعبة مثل لعبة الإسكواش فإن الأمور سوف تبدو نظريًا صعبة بعض الشيء، حيث أنك عندما تُشاهدها في المرة الأولى سوف تظهر عليك علامات اندهاشٍ واضحة، ستسأل نفسك، ما الذي يحدث الآن بالضبط؟ وما الهدف من هذه الكرة التي يتم قذفها في الحائط والاستمتاع بعودها إلى مضرب اللاعب مرة أخرى؟ ما الذي يحدث ولماذا يحدث وكيف أصلًا يحدث، ببساطة أكثر لن تكون قادرًا على استيعاب الأمر في بدايته.
بعد مرة أو مرتين ربما تتعرف على الإسكواش أكثر، لكن الشيء المؤكد أنك لن تُبدي أي رغبة في ممارسة هذه اللعبة، أولًا لصعوبتها وثانيًا لعدم الإلمام بكافة جوانبها، وهنا نظر الاتحاد الأولمبي في الأمر فوجد أنه من غير المنطقي أن تُمارس لعبة في كيان كبير مثل الأولمبياد ولا يكون الجماهير مُلمين بكافة تفاصيلها، لا يكونون مدركين لما يُشاهدونه وما الذي ينتظرون حدوثه بعكس الكثير من الألعاب الأخرى التي تبدو واضحة المعالم لجميع المشاهدين.
متى سيتم ضم لعبة الإسكواش للأولمبياد؟
السؤال الوحيد الذي بقي من أجل الإجابة عليه هو السؤال الذي يبدو أكثر إلحاحًا في نهاية هذه السطور التي استعرضنا منذ بدايتها الأسباب التي أدت إلى عدم إدراج هذه اللعبة في الأولمبياد، ذلك السؤال يتعلق بالتوقيت الذي يُتوقع فيه انضمام اللعبة رسميًا لهذا الحدث الكبير، والحقيقة أنه لا شيء يبدو واضحًا حتى الآن، لكن كل التأكيدات التي خرجت خلال الفترة الماضية تؤكد على أن الأمر سيتم في هذه الدورة أو التي يليها على أقصى تقدير، حيث أن أغلب قواعد انضمام الألعاب إلى الأولمبياد بدأت في الحدوث، كما أن اتحادات الإسكواش في العالم بأكمله بدأت تبذل قصارى جهدها لتحريك الأمور إلى النهاية، ولذلك يُتوقع أن كل شيء سيتم في خلال السنوات العشر القادمة التي تحمل دورتين لهذه الألعاب العتيقة، عمومًا ليس بيدينا أي شيء سوى أن ننتظر ونرى، وطبعًا لا أحد يُمانع في زيادة رقعة الأولمبياد ببطولة أخرى، هذا بالتأكيد لن يضر أحدنا في شيء وإنما سيُفيد عشاق هذه اللعبة.