مما لا شك فيه أن أغلب البشر، إذ لم يكن كلهم، يفضلون دائمًا رواية القصص أو الاستماع إليها عندما يريدون الاطلاع على موضوع من الموضوعات، وفي نفس الوقت تراهم ينفرون من الموضوعات الجامدة التي لا تمتلك نفس القدر من التشويق والإثارة أثناء حكيها، وهذا إن دل فيدل على أن الناس يمتلكون طبيعة ميل خاصة نوع هذه النوعية من الأخبار، أجل، فكل موضوع يُقال لك بأي صيغة من الصيغ يُعتبر في النهاية خبر، المهم في النهاية هو تحديد نوع ذلك الخبر المُقال لك وهل هو جاذب لك لتُكمله وتتعرف أكثر عليه أم أنه مجرد خبر عادي لا يستحق منك كل هذا الاهتمام، عمومًا، في السنوات القليلة المُقبلة سوف نتعرف سويًا على الأسباب التي تجعل من الناس عشاق لرواية القصص ونافرين من أساليب أخرى للإخبار كالموضوعات الجامدة، ولتكن البداية مثلًا مع وجود عنصر الإثارة والتشويق المُحبب للبشر.
وجود عنصر الإثارة والتشويق المحبب للبشر
عندما تعرف خبرًا ما عن طريق قصة، أو بمعنى أدق تستمع إليها عن طريق أسلوب رواية القصص، فسوف تكون متشوقًا في كل دقيقة لمعرفة ما هو قادم إلى ذهنك وما سيمر من على مسامعك بعد لحظات، سوف تكون متشوقًا ومُثارًا كذلك، وهذا هو أكبر عنصر جذب يُمكن أن تشعر به في حياتك، حيث أن ذلك الأسلوب يرفع من نسبة أدرينالين المتعة الذي تسعى دائمًا في الحصول عليه في كافة الأمور التي تقوم بها، حتى عندما تقوم ببعض الأعمال الصالحة الخالصة لله فإنك كذلك تشعر ببعض المتعة وتلحظ ارتفاعًا في ذلك الأدرينالين، وهذا ما يحدث تمامًا مع أسلوب رواية القصص.
أسلوب رواية القصص من كثرة إثبات نجاحه لم يعد مُستخدمًا فقط في الحكي الذي يتم شفهيًا لأي موضوع من الموضوعات، بل أصبح يُستخدم كذلك في خلال عوالم مرئية ومكتوبة مثل الأفلام والكتب الروائية، فهذان النوعان من الأعمال الفنية يعتمدان في المقام الأول على أسلوب رواية القصص من أجل جذب المشاهد، ومن هذا يُمكننا الاستنتاج أن الجميع بدأ يُدرك قيمة هذا الأسلوب وقدرته على جذب في أي مكانٍ وزمان وبأي طريقة يُقدم من خلالها.
رواية القصص تخلق ارتباط قوي بينك وبين ما تسمعه
رواية القصص تُعطيك ميزة أخرى لن تحصل عليها غالبًا في أي طريقة أخرى يتم نقل الخبر إليك من خلالها، تلك الميزة تتعلق بالارتباط القوي الذي يُخلق بينك وبين الشخص الذي يسمع من الخبر بطريقة القص، وربما هذا ما يجعلك تُتابع فيلم أو رواية حتى آخره، فالشخص صاحب ذلك العمل ينجح منذ الوهلة الأولى بربطك من خلال أسلوبه، الأدهى من ذلك أن هذا الارتباط سيتطور، لن تكون مجرد مُستمع لما يُقال لك، وإنما ستتعلق بشدة ولن تُغادر حتى تعرف كيف انتهى الأمر ومن الذي انتصر، فكل شيء في هذه الحياة عبارة عن معركة صغيرة بها من ينتصر ومن ينهزم، وطبيعة البشر أنهم يرغبون بشدة في الاقتراب من هذه المعارك والتعرف عليها عن كثب.
أسلوب رواية القصص سيدفعك كذلك إلى التعاطف، الكره والحب، المساندة والتخلي، سيجعلك تتغير تمامًا حتى تشعر أنك قد أصبحت أحد أضلاع الخبر الذي يُقال لك، والحقيقة أن التوصل إلى هذا الأسلوب في الإخبار يُعد واحدة من الانتصارات الكبيرة التي سجلها الإنسان على نفسه قبل أي شيء آخر، حتى أنك قد تحكم على شخص كامل، وهل هو جيد أم سيء، فقط من خلال الطريقة التي يقوم بالتحدث من خلالها، وكم هو رائع لو كانت تلك الطريقة هي رواية القصص التي نتحدث عنها طوال السطور الماضية.
تخيل وقوع الأحداث فعلًا والبدء في التسليم بها
عندما تقع واقعة ما فإن الناس يبدؤون في التأثر والشعور ببعض المشاعر على الرغم من أن تلك الحادثة لم تحدث لهم، هل تعرفون لماذا يحدث ذلك؟ ببساطة لأنهم يشعرون بأنهم هم من تعرضوا لذلك الموقف وليس أحد آخر، طيب، هل تعرفون كيفية وصول ذلك الشعور إليهم؟ ببساطة أيضًا من خلال أسلوب رواية القصص الذي نتحدث عنه، فأي أسلوب آخر جامد في إلقاء الأخبار لن يُفيد الآخرين بشيء، أو هكذا سيشعرون، سيتركونك في منتصف الحديث وربما تتحدث لساعات وساعات ثم يأتون لك بكل برود ويسألونك عما كنت تتحدث عنه لأنهم لم يكونوا معك، في الواقع لقد كانوا معك بأجسادهم لكنك لم تستطع أسر عقولهم أيضًا، وهذا ما ينجح أسلوب رواية القصص في فعله بكل بساطة.
طريقة عرضك وسردك للقصة تكون الفيصل كذلك في تعلق الناس بك، فلا تعتقد أبدًا أن أي شخص سوف يشرع في سرد قصة سوف يجلس الناس ويستمعون له بكل حرص، هذا أمر خاطئ تمامًا، فالأسلوب وحده لن يُنصفك، وإنما قدراتك ومهاراتك الخاصة يجب أن تكون خير عون لك في هذه الظروف، وإذا نجحت فعلًا في تحقيق هذه المعادلة فإن عقل المستمع لك سوف يتخيل الحدث وكأنه يحدث أمامه، وسيقوم بالتسليم به حتى ولو لم يكن قد وقع بالفعل، وهذا ما تقوم الجهات الإعلامية بفعله الآن وينجحون من خلاله في تطبيق أهدافهم، الغير نبيلة بالطبع طالما ارتبطت بالكذب.
أسرع في الوصول إلى الذهن من الأساليب الأخرى
بعيدًا عن كل الأسباب السابقة التي تجعل من طريقة رواية القصص الطريقة المفضلة لدى الجميع نجد كذلك أنها أسرع في الوصول إلى الذهن من أي طريقة أخرى، بمعنى أدق يُمكننا القول إنها طريق مُختصر وسريع لا يُمكن لأحد سلكه، فالشخص الذي يبدأ في سرد قصة أمامك سوف يُدخلك في الحدث بصورة أسرع بكثير من ذلك الذي يسرد خبر جامد لا توجد أي إثارة فيه، وعلى ذكر الإثارة، فقد ذكرنا قبل قليل أن الإنسان يمتلك أدرينالين يُفرز الإثارة ويُشعره بالنشوة عند سماع القصص بطريقتها الرائعة، هذا صحيح وأضيفوا له أيضًا أن الإثارة هي أسرع طريق إلى الذهن، عندما تُريد السيطرة على عقل ما، مهما كانت قوته، فاسلك هذا الطريق ولن تندم أبدًا.
الأساليب الأخرى التي تواجه أسلوب رواية القصص لا تصمد أبدًا مهما كانت درجة الجدية المُستخدمة، بل دعونا نقول بصراحة أن البشر لا يُفضلون أبدًا الأشخاص الجادين أو الأخبار الجادة المباشرة، اعطهم قصة وسوف يعشقونها، اعطهم شخص يكذب عليهم ويجاملهم وسوف يعشقونه أيضًا، اعطهم كل ما يُريدونه في خلطة واحدة هي التي نتحدث عنها منذ بداية هذه الكلمات، وهي خلطة رواية القصص الساحرة، ولكي نوصل الأمر أكثر، دعونا نفترض مثلًا أن شخص ما أخبرك بأن المخدرات غير مفيدة، هل ستقنع؟ بالتأكيد لا، فهذا كلام مجرد، لكن إذا رأيت فيلمًا مثلًا يتحدث عن عاقبة السوء التي تنتظر الذين يُقدمون على المخدرات فسوف يكون ذلك الأسلوب أسرع في الوصول إلى ذهنك من الآخر، هذا هو الأمر باختصارٍ شديد.