الكثير من أفلام السينما الواقعية تحوز على تقدير واحترام النقاد. بل ويكون لها نصيب جيد جدًا من الجوائز. ولا سيما أن مثل هذه الأفلام تعبر عن الواقع الحقيقي للإنسان والمجتمع. دون مبالغات أو إضافات. ولكن على الرغم من ذلك تجد أن هناك الكثير من هذه الأفلام غير رائجة بالفعل بين المشاهدين، بل وغير مطلوبة في السينمات ويقتصر عرضها على المهرجانات والجوائز. فما هو السبب الذي يقلل من الانجذاب إلى هذا النوع من السينما. في حين أن هناك رواج لأنواع أخرى من الأفلام، مثل أفلام الجريمة والأساطير؟
قلة المؤثرات البصرية والصوتية
هذه النقطة مهمة جدًا في السينما الواقعية. حيث أن المخرج والسيناريست يريدون أن يقطفوا جزء من الحياة الواقعية اليومية. ويقومون بصياغتها في صورة فيلم كامل. ولذلك ليس هناك مبالغات في الإخراج. يكون الفيلم عادة مبني بطريقة كلية على الحدث الحركي والحوار فقط. ليس هناك صراع بين الخير والشر، ولو كان هناك فسيكون بطريقتنا العادية اليومية. وليس بالطريقة المعتادة مثل أفلام باتمان وجيمس بوند. الفيلم الواقعي لا يحتوي على عربات وأجهزة تنصت. بل هو يحكي قصة البشر العاديين. مما يفرض على الفيلم أن يكون خالي من المؤثرات البصرية الغريبة والجديدة. سواء مؤثرات بصرية أو مؤثرات صوتية. وتتميز أوروبا خصيصًا بقلة الموسيقى في أفلامها. بعكس السينما الأمريكية التي قد لا يخلو مشهد فيها من موسيقى تصويرية. والموسيقى عامل حفاز مهم في أي عمل فني، ولذلك خلو المشاهد من الموسيقى تجعل المشاهد يشعر بالملل. ولا سيما المُشاهد المعتاد على نوع الأفلام الأمريكية ذات المؤثرات الكثيرة.
الناس تريد الهروب من الواقع
جزء كبير من العمل الدرامي يذهب بالمُشاهد خارج عالم الواقع. بل وهنك الكثير من الناس تقصد السينما كنوع من أنواع الترفيه. فما بالك عندما يقرر شخص أن يشعر بالسعادة، ويفاجئ بفيلم واقعي عن الفقر أو عن الحياة في مجاعات أفريقيا. كل ما سيشعر به الشخص أنه اكتئب. ولا سيما لو الفيلم جيد. ولذلك الشريحة المهتمة بالأفلام الواقعية هم النقاد. وهذا لسبب وجيه لأن عمل النقاد الذين يقبضون من أجله المال، هو نقد الفيلم ومدى تعبيره عما يريده السيناريست والمخرج.
ولذلك الأفلام الواقعية تكون ممتعة لهؤلاء النقاد. لأنهم يشاهدونها من منطلق العمل. أما المشاهد العادي فهو يريد فيلم يبعث البهجة في نفسه. ولذلك الأفلام الكوميدية هي من أعلى الأفلام مشاهدة في جميع سينمات العالم. أيضًا أفلام الحركة والجريمة التي تجعل المشاهد مستثار ويشعر أنه داخل مغامرة حقيقية. كل هذا يغيب في الأفلام الواقعية التي تقدم الواقع كما هو. في حين أن معظم جمهور السينما يريد أن يهرب من الواقع في السينما.
العمق الواقعي غير رائج
الشريحة الأكبر من أي جمهور، غالبًا لا تكون شريحة عميقة وجدانيًا بل يكونون سطحيين. وهذا ليس عيب. لأن أغلب المشاهدين يبحثون عن الترفيه وليس عن العمق من وراء المشاهد أو زاوية الكاميرا أو عن الواقع الحقيقي للمجتمع. ببساطة الجمهور يريد أن يشعر أنه سعيد. ولذلك مسألة العمق لا تكون حافز في جعل الناس تدخل هذا الفيلم في السينما. ولكن هذا لا يمنع أن هناك نوع من الجمهور يحب هذا النوع من الأفلام. بل أن هناك جمهور لا يستمتع سوى بالأفلام الواقعية. ولكن الأغلبية يريد أفلام الحركة وأفلام الكوميديا السطحية. بل وفي السنين الأخيرة تربعت أفلام الأنيميشن على عرش السينمات وأصبحت الأعلى مشاهدة. سواء من الكبار أو الصغار. وهذا دليل أخر على أن الغرض الأساسي من السينما لدى أغلبية الجمهور هو المتعة وليس الفكرة.
الأحداث العادية ليست مثيرة
السينما الواقعية تعتمد على الأحداث اليومية. قد تكون هناك أحداث يومية مختلفة عند بعض الأشخاص وتكون فكرة جيدة لفيلم واقعي. ولكن في المطلق أغلبية المشاهد تكون وكأنها معادة من الحياة الواقعية. وهذا مقصود حتى يصل المُشاهد إلى مرحلة الشعور بأنه في مشكلة حقيقية أو أحداث حقيقية ليست أسطورية. ولكن المشكلة أن أحيانًا تكون أحداث الأفلام الواقعية عادية لدرجة أنها تسبب الملل. وتكون هذه رؤية مخرج. حيث أن المخرج قد يخرج مشهد لمدة ثلاثون أو أربعون ثانية لامرأة تغسل الأطباق فقط. رؤية المخرج هنا هو أنه يريد القول بأن هذا العمل ممل. وأن السيدة ليست مستمتعة. المخرج يريد أن يثبت للمُشاهد مدى حقيقة غسل الصحون كتفصيله صغيرة لك، ولكنها تأخذ حيز من حياة كل امرأة بصورة يومية. المشاهد العادي لن يفهم هذا، بل ربما يتهم المخرج بالملل. والحقيقة هنا هو أن الأمر ممل. والمخرج لن يشرح المشهد أثناء الفيلم. ولذلك يحدث دائمًا سوء فهم بين السينما الواقعية والمُشاهد العادي الغير مهتم بالسينما كصناعة، بل مهتم بها كنوع من أنواع الترفيه.
البشر لا يحبون الحقيقة
كُل أفلام السينما الواقعية غرضها الأساسي هو سرد الحقيقة الإنسانية. ولكن الواقع يقول لنا أن البشر لا يحبون الحقيقة. بل يهربون من الحقيقة في الأفلام. فكل شخص يشعر أنه مستنزف في عمله، يقرر أن يذهب هو وأصدقائه ليشاهدوا فيلم ترفيهي. وليس فيلم يتحدث عن حقيقة المجتمع. ولا سيما أن وسيلة الترفيه في حد ذاتها تعد هروب من الحقيقة المجتمعية.
حركة السينما الواقعية هادئة
الملل هو أكثر سلبيات السينما الواقعية انتشارًا. حيث أن المخرج يريد أن يعبر عن الحقيقة الاجتماعية. وهذا يأتي على حساب حركة المشاهد. فمعظم مشاهد السينما الواقعية رتيبة. تعتمد على زاوية الكاميرا، أو الحوار. بينما تكون سينما الحركة لاهثة. ولا سيما أفلام الأكشن. حيث أن مثل هذه الأفلام تحتوي على العديد من المطاردات. والاقتراب من الخطر والتعاطف مع البطل وكراهية الرجل الشرير. هناك تفاعلات بشرية تجعل المُشاهد لا يشعر بالوقت ويستمتع بالمغامرة. أيضًا أفلام الخيال العلمي. المُشاهد يدخل تجربة لعالم جديد. من الممكن أن يرى المريخ، أو مركبة فضائية، أو تنانين، وكلها أشياء مثيرة وجديدة. أما السينما الواقعية فهي تتكلم عن المجتمع البشري. لذلك لن تجد كل هذه الحركة والخيال والعوالم الجديدة. بل ستجد فقط مشاهد عادية.
المشاكل الاجتماعية لا تثير الجمهور
الجمهور لا يثار من المشاكل الاجتماعية. بل يريد الحركة والتنقلات من مكان لمكان. ولذلك السينما الواقعية لا تلقى الترحاب الدائم لدى المشاهدين. حيث أنهم يحاولون أن يجدوا ما يجعلهم يتابعون هذا الفيلم، ولا يجدون سوى مشكلة عادية قد تحدث لأي منهم. أيضًا بالنسبة لأشخاص معينين يكون الفيلم الواقعي أقل واقعية من الحقيقة. فمثلًا لو كان الفيلم يتكلم عن العشوائيات. فهناك أشخاص يعيشون في العشوائيات يعانون من مشاكل أكبر من التي يعرضها الفيلم الواقعي، مما يجعلهم ينظرون لهذا الفيلم بنظرة أنه لم يعرض الواقع بحق. وفي نفس الوقت غير ممتع.
أخيرًا السينما الواقعية لون مختلف وله وجوده وكيانه الخاص في صناعة السينما عمومًا. وله معجبيه الذين يقدرون هذا النوع ويعرفون كمية المعاناة سواء في التمثيل أو الإخراج، حتى يخرج الفيلم لهم بصورة واقعية.