الهنود الحمر ويعرفون أيضاً بأسماء الشعب الأحمر وسكان أمريكا الأصليون، هم القبائل والشعوب التي سكنت قارة أمريكا قبل أن يتم اكتشافها من قبل المستعمر الأوروبي، وقد تم تصوير تلك الشعوب في الثقافة الشعبية على أنهم قبائل غوغائية متوحشة تسكن الغابات تتربص بكل وافد وتبادر بمهاجمته، وقد ساهمت صناعة السينما بشكل كبير في رواج تلك الصورة الذهنية، إلا أن الحقيقة -التي يمكن تبينها من خلال دراسة التاريخ وجمع المعلومات من المصادر الموثوقة- على النقيض تماماً من ذلك، حيث أن تلك الهنود الحمر كانوا شعوباً مسالمة وشنت ضدهم واحدة من أبشع وأحقر حملات الإبادة في تاريخ البشرية من قبل الأوروبيين.
مظاهر بشاعة إبادة الهنود الحمر
تمت إبادة الهنود الحمر وفق خطة ممنهجة وضعها المستعمر الأوروبي بهدف واحد هو فرض السيطرة على أوطانهم والاستيلاء على أراضيهم، وينظر العديد من المؤرخين لتلك الواقعة باعتبارها الأكثر شناعة ووصمة عار في جبين البشرية، وذلك للأسباب التالية:
استضعاف الخصم
تم اكتشاف القارة الأمريكية في وقت متأخر نسبياً وأحد أسباب طمع المستعمر الأوروبي في الاستيلاء عليها يرجع إلى استضعاف قوة سكانها، حيث رأى أن الهنود الحمر -السكان الأصليين- قوماً مسالمون يعيشون حياة بدائية منعزلة عن المجتمع الحضري، والأهم من ذلك أنهم لا يملكون جيشاً نظامياً ولا أدنى خبرة في المجال العسكري.
أدرك المستعمر الأوروبي أن حربه ضد الهنود الحمر ستكون من أسهل ما يكون ولن يتطلب الأمر وقتاً أو جهداً؛ إذ أن أوروبا في تلك الفترة كانت قد خاضت بالفعل عشرات الحروب وتطورت نظم تسليح جيوشها بصورة كبيرة، ومن ثم يمكن القول بأن حرب إبادة الشعب الأحمر لم تتسم بأي درجة من التكافؤ ونتيجتها كانت محسومة قبل أن تبدأ، والأدهى أن الجانب الأضعف كان هو صاحب الحق الشرعي في الأرض.
القتل مقابل المال
لم يكتف المستعمر الأوروبي بإخراج الهنود الحمر من أراضيهم وفرض السيطرة عليها بالقوة، بل أنه أراد القضاء على ذلك العرق بصورة تامة ونهائية، ومن ثم قام قادة الحرب بتشجيع المستوطنين الجدد للأراضي الأمريكية على قتل فلول الهنود الحمر وذلك عن طريق تقديم مكافآت مالية مقابل كل قتيل من الجانب الآخر.
تشير بعض المصادر التاريخية أن عدداً من الأوروبيين قد تفرغوا بصورة تامة لذلك الأمر وأصبح اقتناص الهنود الحمر شغلهم الشاغل دون تفرقة بين رجل أو امرأة أو حتى طفل، حتى أن بعض أصحاب الثروات من الأمريكيين الأوائل قد كونوا ثرواتهم من المكافآت التي حصلوا عليها نظير قتل الشعب الأحمر، وقد دام ذلك الأمر قرابة عشر سنوات قتل خلالها عشرات الألوف من أبناء الشعب الأحمر.
حرب من أجل الإبادة
شهد التاريخ الإنساني عدد كبير من الحروب التي نشبت بين الأمم المختلفة، وكانت دائماً تنتهي الحرب عند بلوغ المنتصر هدفه من الحرب والذي عادة ما يتمثل في فض نزاع حول الحدود السياسية بين الدول، أو فرض السيطرة على مساحة معينة من أراضي الدولة الأخرى بهدف التوسع العمراني أو تأمين الحدود أو الاستيلاء على الموارد والثروات الطبيعية.
لكن تلك القواعد لم يسر أي منها على الحرب التي دارت بين المستعمر الأوروبي وشعوب الهنود الحمر القاطنين لأراضي القارة الأمريكية، حيث أن الهجمات التي قام المعتدي بها لم تكن بهدف التوسع واكتساب الأرض وفرض النفوذ فحسب، بل كان الهدف الأول منها الإبادة التامة لهذه الأمة وإخلاء القارة منهم بالكامل، وبناء على ذلك فقد كانت فرق الجيش الأوروبي لا تهتم بأسر أو احتجاز الآخرين إنما كان هدفها قتل كل من تصادفه في طريقها وإحراق المخيمات لمنع أهلها من العودة إليها مرة أخرى ودفع الباقين منهم للتشرد في الغابات وأعالي الجبال.
الخدعة الأقذر والأكثر بشاعة
يخبرنا القول المأثور بأن “الحرب خدعة” وذلك صحيح بنسبة 100%، إلا أن كل شيء في الحياة له حد يقف عنده وحدود الحرب تتوقف عند الإبادة الجماعية، إلا أن المستعمر الأوروبي لم يترك حداً دون أن يتجاوزه في حربه الشعواء ضد الهنود الحمر ولجأ إلى حيلة تعتبر هي الأكثر بشاعة في التاريخ الإنساني.
بعد إعلان الهدنة اتفق الجانبين المتصارعين على اقتسام الأرض، وفي محاولة من الأوروبيين لإظهار حسن نواياهم قاموا بإهداء الشعب الأحمر بعض الملابس والأغطية وغيرها، لكن لم يدرك الهنود أن تلك المنسوجات قد تم جلبها من المناطق التي تفشت بها الأوبئة في قارة إفريقيا وأنها تحمل كماً هائلاً من الحشرات والمُمرضات المختلفة، حيث أن خطة الأوروبيين كانت تعتمد على ترك الأمراض تفتك بالسكان الأصليين وتقضي على المتبقي منهم بصورة تامة ونهائية.
استخدام السلاح البيولوجي
تتعدد أسباب الحروب في عصرنا الحالي وعلى الجانب الآخر تتعدد القواعد والضوابط الحاكمة لها، حيث أن هناك العديد من الثوابت التي لا يمكن المساس بها حتى في حالة اشتعال الحروب ومن بينها اللجوء إلى أسلحة الدمار الشامل التي تسبب إبادة جماعية مثل الأسلحة البيولوجية. رغم أن في زمن اكتشاف القارة الأمريكية لم يكن هناك قانونياً أو عرفاً يحرم استخدام ذلك النوع من الأسلحة إلا أنه في النهاية يعد من الأمور التي تخالف الفطرة الإنسانية وعدم القيام به لا يتطلب توفر مرسوماً رسمياً!
انتزعت الرحمة من قلوب الأوروبيين وعمدوا إلى استغلال كافة نقاط ضعف خصمهم، بما في ذلك عدم امتلاكه مناعة ضد بعض الأمراض التي لم يسبق وتعرض لها ومنها مرض الجدري، حيث أن الحرب الجرثومية السالف الإشارة إليها كانت سبباً مباشراً في حسم الحرب لصالح المستعمر حيث قضت على 80% تقريباً من الهنود الحمر
حفلات التعذيب الجماعية
كانت احتفالات المستعمر الأوروبي بكل انتصار يحققه لا تقل بشاعة عما كان يشنه من هجمات عسكرية على مخيمات الهنود الحمر ،حيث كانت أبرز مظاهر الاحتفال تتمثل في تعذيب من سقط أسيراً في أيديهم من الجانب الآخر، خاصة لو كان من طبقة النبلاء أو كبار القبائل.
كان المستعمر ينصب مشانقاً عملاقة لإعدام مجموعات كاملة من الشعب الأحمر قبل أن يقوم بإحراق الجثث في أجواء احتفالية، كما أن القادة كانوا يعدمون حرقاً عن طريق شويهم على نيران متوسطة الشدة حتى يلفظون أنفاسهم ببطء، هذا بخلاف العديد من طرق الإعدام الأخرى شديدة البشاعة، هذا علاوة على التمثيل بالجثث عن طريق السلخ وقطع الأطراف وغير ذلك.
حجم الخسائر البشرية
يعد أحد أبرز الأسباب التي دفعت المؤرخين لاعتبار حرب إبادة الهنود الحمر هي الأبشع في تاريخ البشرية، أنها تسببت في القضاء على عدد كبير من البشر خلال فترة زمنية وجيزة نسبياً، حيث قدر المؤرخين عدد الهنود الحمر وقت اشتعال الحرب بحوالي 112 مليون إنساناً مقسمون إلى 400 أمة أو قبيلة في ذلك الوقت، وخلال قرن واحد من الزمان انخفض ذلك العدد إلى 250,000 إنساناً فقط وفقاً لما تم نشره في عام 1900.
في الختام لا يسعنا إلا القول بأن الهجمات التي شنها المستعمر الأوروبي ضد سكان أمريكا الأصليين كانت بكل المقاييس واحدة من أبشع الحملات الحربية في التاريخ الإنساني ويمكن تبين ذلك بوضوح من خلال أعداد القتلى وحجم الخراب والتدمير الذي نتج عنها، ومن ثم فإنها ستظل دائماً وأبداً وصمة عار في جبين الإنسانية ودليلاً قاطعاً على هجمية ووحشية الإنسان مهما حاول أن يبدو متحضراً.