مما لا شك فيه أن وصول المولود الجديد يعني في نفس التوقيت أن ثمة فرحة قد وصلت، فرحة كبيرة جدًا على وجه التحديد، فمن ضمن أسباب الزواج في الأصل أن ينعم الأبوين بمولود جديد يكبر فيما بعد ويُصبح طفلًا وشابًا ورجلًا، إنه حب تكوين العائلة بلا شك، ذلك السياج الذي لا يُمكن لأي شخص اقتحامه إذا كان قويًا، وبالطبع وصول المولود حدث لا يمر بسهولة دون احتفاء وأفراح، فمهما اختلفت الحضارات والعادات والتقاليد والأماكن والأزمنة، يظل المولود الجديد له نفس الفرح ويُسبب نفس القدر من السعادة، هل سمعتم من قبل عن مولود جاء إلى هذا العالم ولم يتم الاحتفاء والترحيب به؟ بالتأكيد لا، ولكي نُثبت لكم ذلك دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على طرق الاحتفاء بالمولود الجديد في كل الثقافات ولماذا يحدث ذلك الاحتفاء، أو بمعنى أدق، ما هي أسبابه القوية التي تدفع الثقافات للاحتفاء؟
ما هو المولود الجديد؟
هو بالطبع سؤال ليس منطقي، فالجميع يعرف من هو المولود الجديد، لكننا هنا لا نتحدث عن كونه فقط ذلك الطفل الذي يأتي إلى الحياة بعد تسعة أشهر في بطن والدته، فهذا أمر بديهي ومعروف، نحن هنا نتحدث عن كون ذلك المولود أول فرحة حقيقية في حياة أي عائلة جديدة لا يزال طرفاها يعكفان على بناء العش المناسب لهما، عصفورين، يُحلقان كل صباح في هذا الكون ويرجعان في آخر الليل ليحتضنا بعضهما البعض، لكن ما إن يأتي المولود الجديد حتى يتغير كل شيء، وتتحول العصافير الصغيرة إلى أب وأم مُطالبين بقدر كبير من المسئولية من أجل تربية ذلك المولود المُنتظر.
فكرة المولود الجديد والولادة بشكل عام فكرة فطرية مزروعة في البشر، فسيدنا آدم والسيدة حواء كانا أول زوجين وكانا كذلك صاحبا أول مولود في تاريخ البشرية، بعد ذلك توالت المواليد بأعداد لا حصر لها، وفي كل اختلاف للزمان والمكان وحتى الكيفية التي جاء به ذلك المولود فإن شيء واحد فقط يبقى ثابتًا كما هو دون تغير، الفرحة بالمولود الجديد.
لماذا يتم الاحتفاء بالمولود الجديد؟
كما ذكرنا، كان الاحتفاء بوصول المولود الجديد هو الشيء الثابت منذ بداية الإنسان وحتى الآن، فمن الصعب جدًا استقبال طفل بدون البهجة والفرح، والحقيقة أن الأمر لا يتوقف على احتفال الأبوين فقط، وإنما كل العائلة والأقارب والأصدقاء كذلك، الجميع يجب أن يتذوق من كأس الفرحة بمناسبة موصول المولود الجديد، حتى أولئك الذين لن يروا المولود مرة أخرى يجب عليهم أن يسعدوا كذلك أو أن يلقوا من كأس السعادة من خلال الدعوة إلى الولائم أو تقديم الهدايا، لن نتحدث عن الطرق الآن، بل سنحاول في البداية الإجابة على سؤال هام جدًا بالنسبة للكثيرين، وهو ذلك الذي يتعلق بالأسباب التي تجعل الجميع بمختلف ثقافتهم يحتفلون بالمولود الجديد، وعلى رأس تلك الأسباب طبعًا شكر الله عز وجل.
شكر الله على نعمته
مما لا شك فيه أن المولود الجديد نعمة كبيرة من المولى عز وجل، والله قد عودنا أن نشكره على كل نعمة يُقدمها لنا، ولهذا فإن الآباء والعائلات دائمًا تحرص على إظهار ذلك الشكر في صورة احتفال كبير يتم دعوة الناس إليه وإطعامهم وإشرابهم وإسعادهم، الجميع يريد أن يعترف بفضل الله عليه وخاصةً إذا كان ذلك الفضل مولودًا جديدًا.
إعلام الناس بالأمر
مثلما هو الحال في الزواج، فبالرغم من كونه مشروع ويتم على سنة الله ورسوله إلا أن شرط الإعلام يظل قائمًا، وكذلك فإن المولود الجديد يجب أن يعرف الناس بوجوده من خلال الاحتفاء لا أن يُصدموا بوجوده فجأة، وحتى لو كانوا يعرفون بالحمل ويتوقعون وصول المولود قريبًا فليس هناك من أن يتم الاحتفاء ودعوتهم كي يتعرفوا على نوع المولود وشكله.
ترك ذكرى حسنة للمولود
عندما يكبر المولود الجديد ويبدأ في تذكر ما حدث له أثناء الاحتفاء أو السبوع كما يُطلقون عليه فإن بالتأكيد سوف يشعر بسعادة بالغة وسوف يظل محتفظًا بتلك الذكريات وخاصةً إذا تم توثيقها من خلال التقاط بعض الصور التذكارية، ولأننا لم نسمع من قبل عن طفل قد ولد دون احتفاء فلا نعرف بعد حالة الطفل الذي سيكبر ويُقال له أنه لم يتم الاحتفاء به وليس له أي ذكريات، لكن بالتأكيد الأمر لن يكون سهلًا عليه، فلماذا قد نجازف بأذية الطفل نفسيًا بهذه الطريقة!
التباهي أحيانا بحضور المولود
في أغلب الأحيان يكون المولود الجديد مصدر فخر وشرف بالنسبة لوالديه، يُفكرون في أنهم قد رزقوا بشيء من الله لم يُرزق به أحد غيرهم، وقد يكون التفاخر في الأصل بشكل المولود، إذا كان جميلًا مثلًا، أو بنوعه، إذا كان ذكرًا في بيئة من المعتاد أنها تُنجب الإناث فقط، كل هذه الأمور تكون بالنسبة للبعض مصدر للتباهي، ولا يُمكن طبعًا إظهار حالة الفخر والتباهي تلك سوى في حضور الناس، ولن يحضر الناس إلا عند الاحتفال بالمولود، ولهذا يُقام الحفل أو السبوع كما يُطلق عليه البعض، ومما سبق يتضح أن أسباب الاحتفال وجيهة بعض الشيء، لكن كيف يا تُرى يحدث الاحتفال؟
أغرب طرق الاحتفاء بالمولود الجديد
تحدثنا عن سبب الاحتفاء بالمولود الجديد واتفقنا أن كل مكان في العالم يحتفل بالمولود ويُقيم له الأفراح لعدة أسباب ذكرنا أبرزها، الآن يأتي دور البرهنة على ما نقول، حيث أننا في السطور القادمة سوف نقوم بذكر بعض طرق الاحتفاء في عدة أماكن بالعالم، وسوف نُركز على الاحتفالات الغريبة والغير مفهوم أغلبها، وعلى رأس تلك الاحتفالات تلك التي تحدث في واحدة من أكثر دول العالم تقدمًا، دولة اليابان.
المولود الجديد في اليابان
اتفقنا أن الاحتفاء بوصول المولود الجديد يتم من خلال الفرح، لكن في اليابان تحديدًا يجب أن يكون البكاء حاضرًا وبقوة، حيث يعتقد أصحاب العادات والتقاليد هناك أن بكاء الطفل عند مولده يُسهم في جعل كل أيام فرح وسرور وسعادة، كما أن ذلك الاحتفاء بتلك الطريقة يُسهم في طرد الأرواح الشريرة التي تكون غالبًا مُتربصة بالمولود ومُنتظرة لوصوله من أجل تلبسه، وبعيدًا عن البكاء فثمة أمور أخرى تحدث في الاحتفاء، منها مثلًا أن يتم قطع الحبل السري الموجود في جسم المولود ووضعه في علبة صغيرة والاحتفاظ به كنوع جميل من الذكريات، وغالبًا ما يأتي كل المدعون إلى الاحتفاء وهم يحملون هدية عبارة عن لعبة صغيرة ترتدي الزي التقليدي الرسمي، هذا هو الاحتفاء بالمولود الجديد في اليابان.
المولود الجديد والصين
لن نبتعد كثيرًا عن اليابان وإنما سنبقى في دولة قريبة منها ومن المفترض أنها تسير على دروبها، وهي دولة الصين، فتلك الدولة كذلك لا تخلو من الغرابة عند التفكير في الاحتفاء بالمولود، ولكن المتأثر الأكبر في ذلك الاحتفاء ليس الطفل وإنما أمه، حيث ثمة تقليد بأن يتم حبسها في مكانها أربعين يومًا ومنعها من الاختلاط بالآخرين مهما كان السبب، وإذا كان المولود فقيرًا فثمة تقليد مهم جدًا يحدث في يوم الاحتفاء، وهو أن يتم تجميع الأجزاء المتبقية من ملابس الأغنياء وحياكة لباس جديد للأطفال الفقراء معتقدين بذلك بأنه يُسهم في أن يُصبح الطفل سعيد الحظ، وطبعًا لا يخلو الأمر من الهدايا التي تُقدم للمولود ويكون أغلبها مُتأثرًا بالعادات والتقاليد الصينية المتوارثة.
المولود الجديد وماليزيا
ماليزيا كذلك تعرف الاحتفال بالمولود الجديد وبطرق غريبة وغير تقليدية، ففي يوم الاحتفاء يتم جلب الطفل وغسله بمواد معينة لضمان تقشير كل ما طاله في سابق الأيام من تأثير سلبي، حيث يكون الجسد غير نظيف من وجهة نظرهم، وطبعًا لا ينتهي الأمر عند حدود الطفل، وإنما يتم فعل نفس الشيء للأم، وفي هذا التوقيت يُصبح الزوج هو الخادم الرسمي للمنزل، بينما تكون الأم المرأة الأكثر دلالًا في العالم.
المولود الجديد والهند
أغرب احتفال بالمولود الجديد في حياتك هو ذلك الذي ستسمع بحدوثه في الهند، ففي تلك البلد المجنونة، وفي اليوم الذي من المفترض أن يحدث به الاحتفال بالمولود، يتم إلقاء الطفل المسكين من ارتفاع شديد بزعم أن ذلك سوف يؤثر في قوته وصلابته وسوف يجعله أكثر شجاعة، وطبعًا يكون هناك من ينتظر بالأسفل لالتقاط الطفل على ملاءة، والحقيقة أن بعض العقائد في الهند فقط هي من تستخدم طريقة الاحتفال الشرسة تلك مع المواليد وليس كل سكان الهند.
المولود الجديد وترينداد
في دولة صغيرة ليست شهيرة تُدعى ترينداد يتم الاحتفاء بالمولود الجديد بطريقة غريبة جدًا، وهي أن يتم وضع الكثير من الأموال في يده من كل زائر يزوره وكذلك والديه وأقربائه، وهذا الأمر يحدث اعتقادًا ممن يقومون به بأنه سوف يؤدي إلى أن يُصبح الطفل سعيدًا وغنيًا فيما بعد، والحقيقة أن ذلك النوع من الاحتفاء يلقى انتشارًا كبيرًا، لكن عادة ما يتم استرداد الأموال بعد أن يمسكه الطفل لفترة قصيرة، أي أنها لا تُترك له للأبد.
المولود الجديد وأفريقيا
من ضمن أغرب طرق الاحتفال بالمولود في العالم هو ما يحدث في بعض الدول الأفريقية، ففي تلك الدول تقوم الأم بجلب بعض الماء ووضعه في فمه دون بلع ثم إخراجه مرة أخرى، ومع تكوين مقدار كبير بهذه الكيفية يتم جلب المولود والقيام بتحميمه باستخدام ذلك الماء الذي بصقته الأم للتو، وطبعًا قد يعتقد البعض منكم أن ما نتحدث عنه أمر جنوني يُثير في النفس أشياء كثيرة على رأسها القرف، لكن الحقيقة أن من يقوم بهذا الأمر يعتقد اعتقادًا شديدًا بقدرته على ربط المودة بصورة كبيرة بين الأم وطفلها، وطبعًا أفريقيا الغريبة بطبعها لا تستدعي أبدًا اندهاشنا من أمر بسيط كهذا.
الاحتفال بالمولود عند العرب
المولود الجديد عند العرب لا تُفعل به تلك الأمور الغريبة التي تحدثنا عنها سابقًا، فالعرب مهما بلغ الأمر تجدهم في النهاية يُحكمون الدين والعقل، لذلك فإن الاحتفال بالمولود لديهم يكون من خلال تحديد يوم بعد الولادة، وغالبًا ما يكون بعدها بأسبوع، وفيه يتم دعوة الناس وإقامة مأدبة كبيرة، أي أن الاحتفال لديهم يكمن في إسعاد الناس وإطعامهم، والحقيقة أن الضيوف كذلك يُقدمون بعض الهدايا والتي قد تصل إلى أموال يتم إعطائها إلى الأم، فهي تكون خارجة من تكاليف كبيرة للولادة وفي حاجة إلى أموال من أجل قضاء الحاجات الأساسية للمولود.