الكاتبة غادة السمان، أو غادة أحمد السمان، ولدت عام 1942. تعتبر ضمن أشهر وأعرق الكاتبات النسويات في فترة الستينات والفترة التي تليها. لها العديد من الكتب والمقالات ومجموعات قصصية شهرية. أيضًا لها صيت كبير جدًا بين النساء المثقفات حيث يرينها أنها واحدة من أعظم الكاتبات العربيات. وأثبتت نفسها عن طريق فلسفتها العميقة عن الحب وقدرتها الكبيرة على صياغة القصص والروايات الرومانسية والفلسفية. ويتميز أسلوب غادة السمان بالوعي الحر والبعد عن التسليم للمعتقدات التي تخالف مبادئ الإنسان الداخلية. وقد صدر العديد من كتب النقد في كتابة غادة السمان وترجمت بلغات كثيرة وقد ترجمت الكثير من كتابتها إلى أكثر من 13 لغة حول العالم. كما لاقت كتب غادة السمان على الانتشار التجاري، تعد من أكثر الانتشارات لكاتبة عربية على الإطلاق. وتعد غادة حتى وقتنا هذا هي أشهر روائية وقصصية عربية في القرن العشرين.
حياة غادة السمان
حياة غادة السمان سبب رئيسي في إجابة سبب كونها قيمة أدبية، وهذا لأنها قد ولدت في دمشق عاصمة سوريا. ولدت لعائلة برجوازية. وكانت تربطها صلة قرابة مع الشاعر السوري الشهير نزار قباني. وكان والدها حاصل على الدكتوراه في السياسة والاقتصاد من جامعة السوربون في فرنسا. وكان وزيرًا للتعليم في سوريا لفترة ما. وكان والدها يعشق الأدب والرواية. وهي تأثرت جدًا به في مطلع حياتها. وبدأت تقرأ وتتعرف على الأدب العالمي والشعر من خلال والدها مما جعلها في عمر صغير امرأة متوهجة بالمعرفة واللباقة. وكان يدعمها في ذلك منصب والدها الذي أهلها بسهولة للقدرة على العمل في الصحافة من أوسع الأبواب. وما كان يميز غادة السمان هو قوة شخصيتها وتحديها للمجتمع السوري المحافظ في هذا الوقت عن طريق الكتابة الصريحة.
دراستها والوظائف التي شغلتها
ترجت غادة السمان من جامعة دمشق عام 1963 وحصلت على درجة الليسانس في الأدب الإنجليزي. ثم أكملت الدراسة الخاصة بها في الدراسات العليا وحازت على درجة الماجستير في مسرح اللامعقول من بيروت في الجامعة الأمريكية. بعدها أرادت غادة أن تثبت نفسها في مجال الصحافة آنذاك. وبالفعل عملت في صحافة كانت ضمن الأكثر شهرة في أبناء جيلها. وكان ذلك في بيروت حيث كانت لبنان في الستينات والسبعينات مركزًا عربيًا للثقافة والحرية. وكانت بيروت تضم أشهر دور النشر العربية التي كانت تعمل على طباعة وتوزيع الكتب الأدبية وترجمة الكتب الأجنبية. وظهر تأثر غادة السمان ببيروت في مجموعتها القصصية “لا بحر في بيروت” التي نشرت في عام 1965.
كتابات غادة السمان
لكن لم تكن هذه هي نهاية الرحلة بالنسبة لغادة، بل كانت البداية. حيث بعدها أخذت تتنقل في أوروبا وعواصم العالم، لتعمل كمراسلة صحفية. وكانت تقصد من عملها كمراسلة لا أن تصير صحفية شهيرة لأنها بالفعل كانت كذلك في عمر صغير. بل كانت تريد أن ترى العالم والثقافات المختلفة في كل العالم. كانت غادة مولعة بفكرة تعدد الثقافات. وظهر ذلك جدًا في مجموعتها القصصية الثالثة التي كتبتها ونشرت في عام 1966 وتدعى “ليل الغرباء”. وقد أظهرت هذه المجموعة نضجًا مختلفًا في شخصية غادة وأثنى عليها الكثير من النقاد في هذا الوقت، مثل الناقد الكبير محمود أمين. رغم أن توجها كان مخالفًا وطريقها السردي كان جديدًا في هذا الوقت.
ثم جاءت بعد هذا الوقت هزيمة 1967 التي هُزمت بها بعض البلدان العربية. صدمت غادة السمان صدمة كبيرة ورحلت إلى لندن بعدها. وكتبت مقال شهير لها يدعى “أحمل عاري إلى لندن” وكانت من القليلين الذين حذروا في هذا الوقت من إطلاق لفظ النكسة على خسارة هذه الحرب. نظرًا لما قد يسفر عنه هذا اللفظ في بث روح الانهزام لدى الشعب العربي. بعدها توقفت لفترة عن نشر الكتب والقصص وركزت أكثر على العمل في الصحافة الاجتماعية، مما أعطاها ثقل في شخصيتها كان واضحًا في أعمالها الأدبية التي كتبتها بعد هذه الفترة. وكان هذا في عام 1973 حيث أصدرت مجموعتها القصصية “رحيل المرافئ” الذي اعتبرها النقاد أفضل ما كتبته في القصص على الإطلاق. حيث قدمت في هذا العمل الواقع الغريب والمتناقض الذي يعيشه المثقف العربي في سلوكه وفكره. بعدها كتبت روايتها “بيروت 1975” التي صنعت منها اسمًا كبيرًا في عالم الأدب بفضل التنبؤ الغريب الذي أطلقته على لسان العرافة في الرواية، حين قالت “أرى الدم” وقد صدرت هذه الرواية عام 1974 أي قبل الحرب الأهلية في بيروت بعام كامل.
شعر غادة السمان
كتبت غادة السمان العديد من المجموعات الشعرية. وكانت البداية في عام 1973 بمجموعة تدعى “حب” طبع منها 9 طبعات. ثم عام 1976 تم نشر أشهر مجموعاته الشعرية التي تعيش حتى يومنا هذا باسم “أعلنت عليك الحب”، وفي عام 1987 نشرت “أشهد عكس الريح” وعام 1995 كتبت ونشرت “عاشقة في محبرة”. ثم العديد من المجموعات الأخرى مثل “الأبدية لحظة حب” و”الرقص مع البوم” و”الحبيب الافتراضي”.
غادة السمان وغسان كنفاني
قصة غسان كنفاني وغادة السمان كانت من أشهر قصص الحب الشهيرة في ستينيات القرن العشرين. ولكنها للأسف كانت فقط قصة حب لم تكلل بالزواج. وبدأت القصة منتصف ستينيات القرن العشرين. حيث كان هناك شاب فلسطيني يدعى غسان كنفاني. كان هذا الشاب متزوج من امرأة كندية وله منها طفلان. تعرف على الأديبة السورية غادة السمان معرفة عابرة جدًا في جامعة سوريا بدمشق. ولكنهما بعد ذلك التقيا في القاهرة وفي أحد الحفلات رأي غسان كنفاني غادة ثم اقترب منها وقال لها بيتًا من الشعر ليتغزل فيها. وشبهها بالطفلة التائهة وسط المكان الجديد.
ومن هذه اللحظة تكونت بينهما علاقة تواصل دائمة. وكانوا يلتقون في عدة دول عربية بحكم عملهم في الصحافة هم الاثنان. وبعد ذلك عرف الوسط الثقافي العربي قصة حبهم. كان غسان كنفاني معروف بأنه صحفي ثقيل الوزن في فلسطين وكان يقف دائمًا حائلًا بين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في هذا الوقت. كانوا هم الاثنان يخرجون ويرقصون سويًا ويتبادلون الحديث، ويذهبون تحت المطر كأنهم أطفال ليلعبوا سويًا. كل هذه التفاصيل أفصحت عنها غادة في عدة مقالات. وأيضًا تم نشر رسائل غسان كنفاني إلى غادة عام 1992 والتي نشرتها غادة نفسها وكان اسم الكتاب “رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان”. لكن حدث ما لا يحمد عقباه عندما أمر الموساد الإسرائيلي باغتيال غسان كنفاني وبالفعل تم تفجير سيارته وهو كان داخلها.
ختام
غادة السمان ما زالت حية ترزق ولكنها قليلة الظهور جدًا. وذلك لأجل موقف حدث معها في السبعينات حيث كانت في برنامج تلفزيوني واكتشفت أن المذيعة لم تقرأ شيئًا من أعمالها. ومن ثم قررت عدم الظهور في الوسائل الإعلامية. لكنها حتى الآن منتشرة في كل الأوساط الثقافية ليس بحضورها الشخصي ولكن بإرثها الذهبي، الذي قارنه الكثير من النقاد بالإرث الأدبي للكاتب العالمي نجيب محفوظ الذي حاز على نوبل.