ينظر الخبراء دائماً إلى تأثير التكنولوجيا باعتباره سلاحاً ذو حدين، حيث أن رغم مساهمة التكنولوجيا الحديثة في جعل الحياة المعاصرة أكثر رفاهية وسهولة مقارنة بالماضي، إلا أنها لم تخل في النهاية من الآثار السلبية والهدامة، حتى أن البعض رأى أن تأثير التكنولوجيا الحديثة على المجتمعات بالغ الخطورة.. ترى لماذا ؟ وما مظاهر ذلك التهديد الذي تشكله التكنولوجيا الحديثة؟
تأثير التكنولوجيا الحديثة على المجتمع :
أكدت العديد من الدراسات أن تأثير التكنولوجيا على المجتمع بالغ الخطورة وأوصت بضرورة البدء في البحث عن حلول بديلة للمساهمة في الحد من تلك الآثار السلبية والتي من أبرزها الآتي:
الحد من القدرات الإبداعية :
ينصح الخبراء والتربويين بضرورة تخفيض عدد ساعات استخدام الأطفال للوسائل التكنولوجية الحديثة على اختلاف أنواعها لأدنى حد ممكن، وذلك لما أثبتته نتائج الدراسات النفسية والاجتماعية المتناولة لـ تأثير التكنولوجيا على الفرد والمجتمع والتي أكدت أن استخدام التكنولوجيا الحديثة بكثرة وخاصة شبكة الإنترنت يؤثر بشكل سلبي على الأطفال، ويقتل بداخلهم القدرة على الابتكار والإبداع في المستقبل.
يرى الباحثون أن التكنولوجيا الحديثة -رغم أهميتها ومساهمتها في جعل الحياة المعاصرة أكثر سهولة ويسراً- إلا أنها كانت سبباً كذلك في تعود الإنسان على التواكل والتكاسل، حيث أصبح بمقدور أي شخص التوصل لأي شيء من خلال وهو جالس بمكانه ولن يتطلب الأمر أكثر من ضغط بضعة أزرار، وقد أدى ذلك إلى حبس القدرات الإبداعية لدى الأطفال.
ارتفاع معدلات البطالة :
هناك أسباب عديدة أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة بالدول العربية والعالم أجمع، لكن يمكن اعتبار تأثير التكنولوجيا السلبي أحد هذه الأسباب التي قادت إلى تفشي تلك الظاهرة؛ حيث أن صارت المؤسسات الصناعية الكبرى في مختلف دول العالم تعتمد بشكل أساسي على الأجهزة والآلات الحديثة فائقة التطور، ونتيجة لذلك قامت بالاستغناء عن عدد كبير من القوى العاملة الزائدة عن حاجتها، كما قلت فرص العمل بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة.
يتوقع العلماء أن تتفاقم الأوضاع ويزداد الأمر سوءاً خلال السنوات القليلة، حيث أصبحت الآلات في الوقت الحالي قادرة على أن تحل محل عشرات العاملين، وتشير بعض الدراسات أن في المستقبل القريب قد لا يحتاج أكبر المصانع إلا عشرات العاملين فقط خاصة مع ظهور عدداً من التقنيات الحديثة مؤخراً مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوت البناء وغيرها من التقنيات المتطورة المستخدمة في المجال الصناعي.
أحد مظاهر الإدمان السلوكي :
يرى أطباء النفس أن التأثير السلبي لمختلف أنواع الإدمان السلوكي لا يقل خطورة عن الإدمان التقليدي المتمثل في إدمان المخدرات أو إدمان الخمور وغيرها من المواد، ويعد إدمان الإنترنت هو النوع الأكثر انتشاراً من هذا النمط الإدماني ويعتبره الخبراء أحد أبرز مظاهر تأثير التكنولوجيا السلبي على حياة الأفراد والمجتمع ككل.
تحول العالم الافتراضي الخاص بشبكة الإنترنت وأبرز مظاهره مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بمثابة مهرباً، يتجه إليه الناس لتناسي المشكلات الحقيقية التي تواجههم في الحياة، كما أصبح ملجأً مثالياً للمدمنين الراغبين في الانعزال عن المجتمع، كما أن تلك المواقع -رغم ما لها من آثار إيجابية- أصبحت سبباً رئيسياً في إغفال نسبة كبيرة من البشر وخاصة من هم في عمر الطفولة أو مرحلة المراهقة لقيمة الوقت ولم يعد أحدهم ينجز شيئاً أو يستثمر وقته في عملاً مفيداً، كما أكدت الدراسات أن إدمان الإنترنت يؤدي إلى عدد كبير من الآثار السلبية النفسية والصحية وكذلك الاجتماعية.
ازدياد وتيرة العنف :
تفشي ظاهرة عدوانية الأطفال وكافة مظاهر العنف في المجتمعات خلال السنوات الأخيرة يعتبره العلماء أحد مظاهر تأثير التكنولوجيا السلبي أيضاً، حيث رأوا أن الإنترنت ساهم في نشر العديد من المواد المصورة التي تروج إلى سلوك العنف بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأبرز مثال على ذلك ألعاب الفيديو التي صارت مساهماً رئيسياً في تشكيل شخصية الأطفال ودرجة وعيهم، إلا أن أغلبها يحتوي على مشاهد عنف ودموية تؤثر على اتزانهم النفسي بصورة سلبية.
ينطبق على مقاطع الفيديو المختلفة المنتشرة على مواقع الإنترنت المختلفة ما ينطبق على ألعاب الفيديو، حيث أن بعضها يحتوي مشاهداً عنيفة أو مرعبة، علاوة على أن الإنترنت في الأساس ما هو إلا فراغ مطلق لا يمكن السيطرة عليه، لذلك ينصح الخبراء بضرورة إبقاء الأطفال تحت مراقبة الآباء عند استخدام الإنترنت للتأكد من أن المواد التي يشاهدونها تتناسب مع المرحلة العمرية التي يمرون بها.
زيادة العبء المادي :
ربما يكون رب الأسرة هو أكثر المتضررين من تأثير التكنولوجيا على المجتمع، حيث كشفت الدراسات أن التكنولوجيا كانت سبباً مباشراً في زيادة حجم الأعباء المادية الواقعة على عاتق الأسر بما في ذلك البسيطة منها، حيث تحولت الأجهزة الإلكترونية مع مرور السنوات من مجرد وسائل ترفيهة كمالية إلى عناصر أساسية لا يمكن لأي فرد أو منزل الاستغناء عنها بصورة كاملة.
أصبح كل بيت في الوقت الحالي مطالباً باقتناء جهاز كمبيوتر واحداً على أقل تقدير وكذلك تلفازاً، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل هناك العديد من الاشتراكات الشهرية المرتبطة بتلك الوسائل مثل اشتراكات خدمة الإنترنت والقنوات الفضائية المشفرة وغير ذلك، وجميعها أمور لا يمكن لأي عائلة -في الزمن المعاصر- الاستغناء عنها رغم انعدام وجودها في الماضي.
انتشار الأفكار المتطرفة والهدامة :
أكثر ما يميز عالم الافتراضي هو أنه خارج تماماً عن سيطرة الأفراد والمؤسسات والحكومات، وقد جعلت التكنولوجيا الحديقة لكل شخص في عالم منبراً خاصاً يمكنه من خلال الترويج لأفكاره أيا كان نوعها، وبغض النظر عن مدى اتساقها مع القيم والتعاليم الدينية السائدة في مجتمعه.
انتشرت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي الهادفة إلى استقطاب المراهقين، تلك الصفحات تروج إلى العديد من الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمعات العربية، منها ما يتخذ أقصى اليمين ويروج إلى الأفكار المتعصبة والمتطرفة الداعمة للإرهاب، ومنها ما يتخذ أقصى اليسار ويعمل على الترويج لأفكار غريبة مثل التضامن مع المثلية الجنسية على سبيل المثال ويعتبر ذلك أحد أبرز آثار التكنولوجيا الهدامة والتي تتطلب بذل جهداً مضاعفاً لفرض نظام رقابي من الأسر ومؤسسات الدولة لمنع نشر تلك الأفكار بين الأطفال والمراهقين.
تقليل التواصل الفعلي بين أفراد المجتمع :
امتد تأثير التكنولوجيا السلبي على حياة المجتمعات إلى حد التسبب في زيادة الشقاق وقطع الروابط الواصلة بين أبناء الأسرة الواحدة، وهو الاتهام الأكثر شيوعاً وانتشاراً الموجه إلى التكنولوجيا الحديثة من الخبراء وعلماء الاجتماع؛ حيث حلت المكالمات الهاتفية والرسائل الفورية عبر تطبيقات الهاتف المختلفة محل الزيارات العائلية التقليدية والتي كانت تتسم بدرجة كبيرة من الود والحرارة في اللقاء.
بدأ الآباء خلال السنوات الأخيرة يشكون عدم قدرتهم على التفاعل مع الأبناء أو الجلوس معهم أوقاتاً طويلة، حيث أن كل عضو في العائلة أصبح يمتلك هاتفاً ذكياً وبالتالي يمتلك عالماً افتراضياً خاصاً به وحده، يقضي أغلب ساعات يومه يطالعه عبر الشاشة، وهو الأمر الذي نسف مفاهيم الترابط والتماسك العائلي التي كان يعرفها العالم حتى أواخر التسعينات، وقد وصف بعض المفكرين والعلماء تلك الحالة بأنها نمطاً أسرياً جديداً جلبته التكنولوجيا، كما قال البعض بأن التكنولوجيا هدمت مشاعر الحب والإخلاص وساهمت في تبدل وعي الإنسان.