الحماس الدراسي هو حالة من التأهب والرغبة في الإنجاز تشمل الطلاب في بداية الأعوام الدراسية الجديدة، حيث يقومون ببناء آمال كبيرة ويتعهدون أمام أنفسهم بالإنجاز والالتزام بمذاكرة الدروس أول بأول دون تأجيل أو تكاسل، ورغم تلك الحالة من الأمور المحمودة إلا أنها في الغالب لا تدوم لفترات طويلة، ويبدأ الطالب في فقدان الحماس الدراسي بشكل تدريجي خلال بضعة أسابيع ومن ثم تعلو أصوات الشكوى من الملل وعبء استذكار المواد وصعوبة المناهج وغير ذلك.. فترى لماذا يفقد الطلاب حماستهم تجاه الدراسة سريعاً؟ وما أبرز العوامل التي تقود إلى ذلك؟
أسباب فقدان الحماس الدراسي سريعاً :
حدد الخبراء مجموعة من العوامل رأوا أنها تمثل الأسباب الرئيسية لفقدان الطلاب الحماس الدراسي خلال أسابيع قليلة على عكس المتوقع، ومن أبرزها ما يلي:
الانعزال عن العالم الخارجي
يكون حماس بعض الطلاب في ذروته في بداية الأعوام الدراسية وقد يتخذ في غمرة ذلك الحماس بعض القرارات التي يعتقد أنها صحيحة وتساعده بصورة أكبر على إنجاز المهام بينما هي في واقع الأمر على النقيض من ذلك وقد تقود بعد فترة زمنية قصيرة إلى فقدان الطالب لذلك الحماس الدراسي الزائف وتؤدي في النهاية إلى نتائج معاكسة للمأمول والمتوقع.
يبالغ بعض الطلاب في عملية الانعزال عن العالم الخارجي حيث ينقطعون عن الأصدقاء ويغلقون حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وقد يتوقفون عن استخدام الإنترنت ومشاهدة التلفاز بشكل كامل، وقد تبدو تلك التصرفات جيدة في ظاهرها وتساعد الطالب على التركيز بصورة أكبر وتكريس وقته كاملاً للمذاكرة وإنجاز المهام الواقعة على عاتقه، إلا أنها في الحقيقة تتنافى مع طبيعة البشر وغالباً ما تكون المبالغة في العزلة سبباً في شعور الطالب بشيء من الضجر في ظل غياب كافة مظاهر المرح عن حياته ومن ثم ينظر إلى عملية الدراسة باعتبارها عبئاً واقعاً على عاتقه ويفقد حماسه إليها.
الانقطاع عن ممارسة الهوايات
يمنع بعض الآباء أطفالهم من ممارسة الهوايات والأنشطة المحببة إليهم -على اختلاف أنواعها- خلال فترات الدراسة، اعتقاداً منهم بأن ذلك يساعد الطالب على التركيز بدرجة أكبر على إنجاز مهامه الدراسية وتحقيق التفوق المأمول، بل إن بعضهم يبالغ في الأمر إلى حد التحقير من تلك الأنشطة ويصفها بأنها مجرد إلهاء عديم القيمة والفائدة.
تشير الدراسات العلمية أن ذلك السلوك خاطئ شكلاً وموضوعاً ولا يجد نفعاً وقد يقود إلى نتائج سلبية عديدة، حيث أنه يدفع الطلاب -خاصة صغار السن- إلى النظر للمدرسة باعتبارها سجناً أو عائقاً يحول بينهم وبين هواياتهم المفضلة، وبالطبع ذلك يفقدهم الحماس الدراسي وبالتبعية يحققون نتائج دون المتوقع، هذا إلى جانب إن مزاولة الأنشطة المختلفة مثل ممارسة الرياضة أو أي نشاط فني آخر يساعد على تنشيط العقل وتحفيز القدرات العقلية والإدراكية لدى الإنسان وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على معدلات التحصيل العلمي وفقاً لما أثبتته الدراسات العلمية.
عدم تحديد الهدف المستقبلي
تزداد حماسة الإنسان ويبذل قدر أكبر من المجهود إذا عرف قيمة ما يفعله، وبناء على ذلك يمكن اعتبار إغفال الطالب لقيمة وأهمية التعليم أحد أسباب انطفاء شعلة الحماس الدراسي سريعاً والنظر إلى العملية التعليمية باعتبارها عبئاً يرغب في الخلاص منه اليوم قبل الغد، ولعل ذلك هو سبب تفوق طلاب الدراسات العليا مقارنة بطلاب مرحلة التعليم الأساسي، حيث أن النوع الأول عادة ما يقبلون على الدراسة بمحض إرادتهم لعلمهم بقيمتها وأهميتها ودورها في تحسين أوضاعهم على كافة المستويات.
الطلاب المتفوقون ليسوا بالضرورة أكثر ذكاءً من الطلاب الذين يحرزون نتائج دراسية منخفضة نوعاً، إنما قد يكون الفرق الوحيد بينهما هو أن المجموعة الأولى تمتلك أهدافاً واضحة تسعى إلى تحقيقها أما المجموعة الثانية فهي تتعلم من أجل التعلم فقط، ولهذا فهم الأكثر عرضة لفقدان الحماس الدراسي وتقليل عدد الساعات المخصصة للمذاكرة، ولذلك ينصح الخبراء الطلاب -وخاصة طلاب المرحلة الثانوية- بضرورة تحديد أهدافهم المستقبلية بدقة حيث أن ذلك يساعدهم على الاحتفاظ بحماسهم ويمكنهم من تحقيق نتائج أفضل.
عدم الاعتماد على خطة واضحة
تأتي العشوائية وغياب الرؤية الواضحة دائماً على رأس العوامل المؤدية إلى الفشل في تحقيق الأهداف أيا كانت طبيعتها، فالإنسان كي يتمكن من إنجاز أي من الأمور الشخصية أو المهنية يحتاج إلى العمل وفق خطة واضحة المعالم، وبناء على ذلك يمكن اعتبار غياب الخطة المنظمة لعملية الاستذكار أحد العوامل المسببة لحالة فقدان الحماس الدراسي لدى بعض الطلاب في المراحل التعليمية المختلفة.
غياب خطة المذاكرة يقود الطالب إلى التخبط والتشتت بين المواد الدراسية المختلفة، والنتيجة الحتمية المترتبة على ذلك هي بذل مزيد من الجهد وفي ذات الوقت تحصيل كم أقل من المعلومات، واستمرار تلك الحالة يتسبب في شعور الطالب بشيء من عدم الرضا عن نفسه وقد يبدأ في التشكك بقدراته ويفقد الأمل ويفقد معه الحماس الدراسي الذي بدأ به المرحلة التعليمية الجديدة؛ لذلك يوصي الخبراء في مجال التربية والتعليم بضرورة وضع خطة مذاكرة واضحة تتضمن تقسيم المناهج التعليمية -خاصة الكبيرة منها- إلى دروس صغيرة فذلك من شأنه أن يسهل المهمة على الطالب ويمنحه إحساساً بالإنجاز.
اتباع نمط واحد للدراسة
يؤدي التكرار إلى الملل الذي بدوره يؤدي إلى فقدان الشخص حماسته تجاه أي شيء بما في ذلك عملية التعلم والدراسة، ولذلك من النصائح المقدمة من الخبراء للطلاب من أجل الحفاظ على الحماس الدراسي متوهج ضرورة العمل على إيجاد طرق مختلفة ومبتكرة للمذاكرة والاعتماد على وسائط مختلفة.
اتباع نمط واحد في المذاكرة يفقد تأثيره مع مرور الوقت ويجعل الطالب يضجر منه ويفقده حماسته، لذلك يفضل الحرص على تغيير مكان المذاكرة من وقت لآخر أو الاتجاه إلى المذاكرة ضمن مجموعة -إذا كان من المعتاد المذاكرة بشكل فردي- وكذلك الوسائط التعليمية نفسها يفضل تغييرها من وقت لآخر، وبدلاً من الاعتماد الكامل على الكتب والمذكرات التقليدية يمكن الاستفادة من الوسائط الحاسوبية المصورة والأكثر تطوراً، فهذا كله يبعد شبح الملل عن الطالب ويساعده في الحفاظ على حماسته.
اختيار التخصص الدراسي غير المناسب
يرى الخبراء التربويون أن اختيار التخصص الدراسي الخاطئ الذي لا يتناسب مع ميول الطالب وقدراته العقلية والإدراكية أحد الأسباب الرئيسية التي تقود إلى فقدان الحماس الدراسي مع مرور الوقت، بل والأدهى من ذلك أن هذا العامل قد يؤدي إلى فشل الطالب بشكل كامل وعجزه عن إحراز أي تقدم.
تشير الإحصاءات إلى أن مستوى التحصيل الدراسي ينخفض بنسبة كبيرة لدى طلاب الجامعة في الدول العربية على الرغم من تفوقهم في المراحل التعليمية الأخرى، والسر في ذلك يرجع إلى اختيار التخصص الجامعي الخاطئ الذي لا يلائم ميول الطالب ولا يتناسب مع قدراته، الأمر نفسه ينطبق على مرحلة التعليم الثانوي حيث أن أبرز أسباب فشل بعض الطلاب في تلك المرحلة يرجع إلى التحاقهم بالقسم الدراسي الذي لا يناسبهم سواء كان الأدبي أو العلمي، حيث أن التخصص الخاطئ يزيد العبء على الطالب ويعيق قدرته على الاستيعاب ويشعره بالإحباط ونتيجة لذلك يفقد الحماس الدراسي سريعاً وبالتالي تتراجع معدلات التحصيل العلمي لديه.