مهاتير محمد هو سياسي ماليزي تولى منصب رئاسة الوزراء في 1974م واستمر به حتى عام 2003م، تعرف فترة ولايته بأنها الأفضل في التاريخ الماليزي المعاصر كما منحه الشعب لقب مؤسس ماليزيا الحديثة ورغم تخليه عن السلطة إلا أن مهاتير محمد لا يزال حتى اليوم واحد من أكثر السياسيين شعبية في ماليزيا والعالم.. ترى لماذا ؟ وما الإسهامات التي قدمها فأكسبته تلك الشعبية ومنحته تلك الألقاب؟
لماذا مهاتير محمد هو مؤسس ماليزيا الحديثة :
استحق الدكتور مهاتير محمد عن جدارة أن يحمل لقب رائد النهضة الماليزية وذلك بفضل ما شهدته البلاد من طفرة في مختلف القطاعات خلال فترة توليه المسؤولية، ومن أبرزها الآتي:
مهاتير محمد والنهضة التعليمية :
تكمن أهمية التعليم ونشر الوعي والثقافة في كونهم الركيزة الأساسية لأي مشروع تنموي شامل يهدف إلى الارتقاء بالأمم، وقد كان مهاتير محمد يعي تماماً تلك الحقيقة ولذلك كان تطوير التعليم على رأس أولوياته منذ دخوله المعترك السياسي للمرة الأولى في عام 1968م وتقلده أول مناصبه الرسمية وهو منصب رئيس المجلس الأعلى للتعليم.
دأب مهاتير محمد على الارتقاء بمستوى المنظومة التعليمية عن طريق زيادة عدد المدارس وتطوير المناهج وإعادة تأهيل المعلمين، وكانت ثمرة تلك المجهودات تعيينه في منصب وزير التعليم في ماليزيا ابتداءً من عام 1974م، حيث استكمل مشروعه التنموي في قطاع التعليم إلى أن وضع ماليزيا في مصاف مجموعة دول العالم المتقدمة في هذا المجال.
مهاتير محمد والتنمية الاقتصادية :
معدلات تقدم وارتقاء الدول يقاس بشكل رئيسي من خلال مؤشر التنمية الاقتصادية الخاص بها، لذلك كان ملف الاقتصاد أول الملفات التي فتحها مهاتير محمد فور توليه منصب نائب رئيس الوزراء في عام 1976م، حيث أعد مشروعاً تنموياً يضمن تعدد الموارد الاقتصادية في البلاد وكيفية استغلالها في تحقيق نهضة شاملة في مختلف القطاعات، ومع توليه منصب رئيس الوزراء دخل ذلك المشروع حيز التنفيذ الفعلي.
نجح مهاتير محمد في الارتقاء بالجانب الاقتصادي في ماليزيا خلال فترة توليه رئاسة الوزراء التي امتدت لنحو 20 عاماً، تمكن خلالها من رفع ماليزيا إلى المرتبة الثامنة والعشرين ضمن تصنيف الاقتصاديات الأقوى على مستوى العالم حسب تقييم البنك الدولي، وقد انعكس ذلك بصورة إيجابية على مختلف قطاعات الدولة.
تأثير سياسة مهاتير محمد على حياة الأفراد :
لا يمكن القول بأن سياسات الدولة ناجحة إلا إذا انعكست بشكل إيجابي على حياة المواطن العادي وأشعره بالتحسن، والدليل الأكبر على نجاح برامج مهاتير محمد التنموية مساهمتها في خفض نسبة الفقر في ماليزيا إلى 5% في عام 2002م بعد أن كانت تسجل 51% في عقد السبعينيات، ويذكر أن التجربة الماليزية تدرس حالياً في كبرى جامعات العالم كما تم الاستفادة منها في مكافحة ظاهرة البطالة بالدول العربية وعدد من دول العالم الغربي.
سياسة عدم الانسياق :
شعبية مهاتير محمد الطاغية في دولة ماليزيا بشكل خاص وفي العالم الإسلامي بوجه عام، لا ترجع فقط لما حققه من إنجازات اقتصادية مكنته من الارتقاء بدولته إلى مصاف الدول المتقدمة فحسب، بل أن توجهاته السياسية أيضاً لعبت دوراً بارزاً في تكوين تلك الشعبية الكاسحة، حيث أنه يعد من القادة القلائل ممن لم ينساقوا وراء سياسات الدول العظمى في العالم.
اشتهر مهاتير محمد -خلال فترة ولايته- بمعاداته للسياسات الغربية، كما أنه أعلن ذلك في العديد من المواقف والفعاليات الدولية، حيث قام في عام 2003م بوصف الأنجلو ساكسونيين في أوروبا بالمجرمين وأنهم أحد أسباب الحروب نظراً لتأييدهم للطغاة وممارسات الإبادة الجماعية، كما أنه في موقف آخر اتهم الجماعات اليهودية بالتدخل في سياسات العديد من الدول وقال إنهم يديرون العالم في الخفاء ووصفهم في نهاية خطابه بالعصابات، هذا كله بالإضافة إلى رفض دولة ماليزيا الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني –إسرائيل- ولا يزال ذلك القرار معمول به حتى اليوم، وقد لاقت تلك التصريحات والسياسات تأيداً وترحيباً من عِدة شعوب في منطقة الشرق الأوسط.
مهاتير محمد ومواجهة الأزمات الاقتصادية :
في أواخر عقد التسعينيات وتحديداً في عام 1997م تعرضت قارة آسيا لأزمة اقتصادية طاحنة عرفت إعلامياً وتاريخياً بأسم الأزمة المالية الآسيوية، وقد تسببت تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية في انهيار دول كاملة مثل تايلاند التي سجلت عملتها الرسمية البات أدنى مستوى في البورصة وأسواق العملات أمام الدولار الأمريكي والعديد من العملات الغربية، وفي تلك الفترة لجأ النسبة الأكبر من حكام الدول الآسيوية إلى الحلول الاقتصادية التقليدية في مثل هذه الحالات والمتمثلة في الاقتراض من صندوق النقد الدولي.
قال مهاتير محمد أن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي يفقد بلاده استقلالها، حيث أن ذلك يعني تدخل الصندوق في سياسات البلاد الاقتصادية وفرض العديد من الشروط عليها، مما قد يؤدي إلى عرقلة مسيرتها نحو التقدم والازدهار، وبناء على ذلك قرر التعافي من تلك الأزمة بصورة منفردة اعتماداً على الموارد المالية المتوفرة لديه وتمكن بالفعل من تجاوز الأزمة من خلال تنشيط القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية في البلاد.
رؤية مهاتير محمد المستقبلية :
من أبرز أسباب تراجع بعض الدول وخاصة دول العالم الثالث في قارة إفريقيا ونسبة كبيرة من الدول العربية هو عدم وجود رؤية شاملة أو خطة ثابتة يسير عليها القادة المتعاقبين، إنما كل قائد يأتي يعمل بشكل منفرداً ويحاول تطبيق برنامجه الخاص.
كان مهاتير محمد يعي أن تحقيق النهضة الحقيقية يتطلب تضافر جهود الجميع، وأن يبدأ كل شخص من حيث انتهى سابقيه وصولاً إلى قمة التقدم والازدهار، لذلك البرامج والمشروعات التنموية التي وضعت في عهد مهاتير لم تكن مقتصرة على فترة توليه المسؤولية فحسب، بل تضمنت رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه ماليزيا بحلول عام 2020م ولا يزال ذلك البرنامج قيد التنفيذ حالياً رغم تخلي مهاتير محمد عن السلطة.
مآخذ السياسيين على سياسات مهاتير محمد :
في عالم السياسة لا يمكن -بأي حال- أن تُجمع مختلف الآراء على شخص بعينه مهما بلغت شعبيته، بناء على ذلك فقد كان من الطبيعي أن يكون لـ مهاتير محمد بعض المعارضين والخصوم السياسيين، إلا أن هؤلاء لا ينكرون الإنجاز الذي حققه مهاتير محمد خلال فترة توليه منصب رئاسة الوزراء، ولكنهم في ذات الوقت يتهمونه بقمع الحريات وتراجع الديمقراطية خلال فترة حكمه.
واجه مهاتير محمد -ولا يزال- اتهامات من معارضيه بأنه مارس قماً تجاه قوى المعارضة خلال فترة ولايته، وكانت قوى الإسلام السياسي أكثر الجماعات التي عانت من القمع خلال تلك الفترة، والأدهى من ذلك أن البعض يروا إنه في بعض الفترات استقوى بقوى خارجية متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إحكام سيطرته على المعارضة والاستمرار في المنصب.
كذلك انتقد البعض انحياز مهاتير محمد إلى إثنية الملايو التي كان ينتمي إليها في الأساس، حيث كانوا هم المفضلين لديه طوال سنوات حكمه ونالوا العديد من الامتيازات وتم وضعهم في مختلف المناصب القيادية شديدة الحساسية في البلاد، في حين تم تهميش الأقليات وفئات المجتمع الأخرى مما يعد إهداراً لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي يعد ركيزة أساسية من ركائز الحياة الديمقراطية.