غزة مؤتة والتي تعرف أيضاً باسم سرية مؤتة هي إحدى المعارك الإسلامية التي جرت في العام الثامن بحساب التقويم الهجري الموافق لعام 629 بالتوقيم الميلادي، ودارت معاركها بين الجيش المسلم في مواجهة ملك بصرى وأعوانه من الجيش البيزنطي، وتعد تلك الغزوة -أي غزوة مؤتة – نقطة تحول في تاريخ الحروب الإسلامية وفقاً لما توافق عليه المؤرخون، فترى لماذا؟ وما الأثر الذي تحقق من خلالها؟
تأثير غزوة مؤتة
أهمية الأحداث التاريخية تنبع من أهمية النتائج التي جاءت مترتبة عليه، لذلك تعتبر غزوة مؤتة أحد أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي والعربي نظراً لما كان لها من تأثير قوي فيما تلاها من أحداث، ومن أهم النتائج التي ترتبت على تلك الموقعة ما يلي:
تضخيم جيش المسلمين
من العوامل التي تجعل من غزوة مؤتة نقطة فارقة في التاريخ الإسلامي، هو أنها كانت سبباً في تطوير الجيش وزيادة عدد أفراده وعتاده، حيث أن عدد أفراد الجيش في تلك الغزوة بلغ قرابة ثلاثة آلاف فرد مقاتل ما بين جنود وفرسان وقادة، وبذلك يكون جيش مؤتة هو الأكبر في تاريخ غزوات الرسول عليه السلام بعد الجيش الذي خاض معارك غزوة الخندق.
الحفاظ على مكانة جيش المسلمين
كانت غزوة مؤتة سبباً مباشراً فيما حققه جيش المسلمين من انتصارات لاحقة، حيث أن نتائج تلك الموقعة وما أظهره الجيش الإسلامي خلالها من قدرات عسكرية سبباً في إرهاب خصومه وإعلاء شأنه، وكانت نتيجة غزوة مؤتة بمثابة إعلان عن ميلاد قوى عظمى في شبه الجزيرة العربية لا يستهان بها ولا تستهين بثأرها لدى الخصوم.
حيث أن السبب الرئيسي في اندلاع المعركة بين المسلمين والروم مقتل الصحابي الحارث بن عمبر الأزدي الذي أبعثه الرسول الأمي عليه الصلاة والسلام برسالة إلى ملك بصرى فقتله، فتحرك جيش المسلمين إلى هناك من أجل الثأر لرجل واحد، ولم يكن ذلك من بين أسباب الحروب المعروفة آنذاك حيث كانت تشن الحروب فقط لأسباب دنيئة مثل الطمع في ثروات الدول الأخرى أو لتوسعة رقعة البلاد على حساب الدول المستضعفة.
تبدل موازين القوى
أحدثت غزوة مؤتة انقلاباً في موازين القوى في خريطة العالم القديم بصفة عامة وفي محيط شبه جزيرة العرب على وجه الخصوص، حيث أن انتصر فيها الجانب الذي كان من المتوقع أن يُهزم وهُزم من كان من المتوقع أن ينتصر، حيث أن المسلمون في تلك الفترة كانوا أقل عدداً وتسليحاً وخبرة من خصومهم وهم دولة الغساسنة والامبراطورية البيزنطية.
إلا أن المعارك انتهت لصالح جيش المسلمين الذي أنزل هزيمة ساحقة بخصومه على الرغم من قلة عتاده، الأمر الذي شكل ضربة قاضية لأسطورة البيزنطيين المزعومة القائلة بأنهم القوى العسكرية الأكبر التي لا تقهر.
نقلة في تاريخ التخطيط العسكري
عند دراسة التاريخ لابد من التوقف أمام غزوة مؤتة باعتبارها نقطة تحول في التاريخ العسكري، حيث أنها كانت دليل حي على أن التخطيط العسكري يفوق في أهميته مستوى التسليح وعدد أفراد الجيش، حيث تمكن الجيش المسلم من تحقيق النصر اعتماداً على التخطيط الجيد على الرغم من التفاوت الرهيب بينه وبين جيش العدو في عدد الأفراد ومستوى التسليح، حيث أن عدد المسلمون كان يُقدر بنحو 3 آلاف جندي تقريباً بينما كان قوام الجيش البيزنطي يقدر بعشرات الألوف، كما أن مستوى تسليح الجيش الإسلامي كان يقل كثيراً عن مستوى عتاد جيش العدو.
ميلاد القادة الجدد
من بين النتائج الغير مباشرة لـ غزوة مؤتة أنها أظهرت قدرات عدد كبير من العسكريين المسلمين، الذين تقلدوا المناصب القيادية داخل الجيش الإسلامي فيما بعد، وعلى رأس هؤلاء الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، الذي تولى قيادة الجيش في أعقاب استشهاد القائد الثالث عبد الله بن رواحة، واستطاع أن يمسك بزمام الأمور ويدير المعركة لصالحه ويحقق النصر.
أظهر خالد بن الوليد خلال تلك المعركة حنكة عسكرية غير مسبوقة، وكان انتصاره في معارك مؤتة من الأسباب المباشرة لحمله لقب سيف الله المسلول، كما أنه منذ ذلك الحين أصبح واحد من أبرز قادة الجيش الإسلامي وكان سبباً مباشراً فيما تحقق من انتصارات فيما بعد.