لوحة العشاء الأخير هي اللوحة التي أبدعها الإيطالي ليوناردو دا فنشي وهو نفسه رسام لوحة الموناليزا الشهيرة، رُسمت لوحة العشاء الأخير على جدار غرفة الطعام بدير السيدة مريم في ميلانو. بدأ ليوناردو دا فنشي العمل على تلك اللوحة في عام 1495م واستغرقت منه وقتاً طويلاً نظراً لاهتمامه بتفاصيلها، وكذلك بسبب أبعادها الكبيرة والتي تقدر بقرابة تسعة أمتار طولاً وأربعة أمتار ونصف المتر عرضاً.
سر شهرة لوحة العشاء الأخير فنياً :
لوحة العشاء الأخير تعد من التراث الإنساني وشهرتها الحقيقية نتجت عن تميزها الفني وليس عن ارتباطها بحدث هام يخص الديانة المسيحية، ولهذا فهي تعد إحدى أهم وأبرز إبداعات الإيطالي ليوناردو دا فنشي، ومن بين العوامل التي كفلت لتلك اللوحة التميز ما يلي:
الاهتمام بالتفاصيل :
اهتم ليوناردو دا فنشي عن رسم لوحة العشاء الأخير بأدق التفاصيل، فخرجت اللوحة في أورع صورها يُخيل للناظر إليها بإنها نابضة بالحياة وإنه يقف أمام أشخاص حقيقين، فحتى الأشياء الموجودة على الطاولة التي أمام الشخصيات اهتم بأدق تفاصيلها، بما في ذلك زخارف الكؤوس وأرجل الطاولة والظلال وزخارف الجدران وغيرها، ويُعد الاهتمام بالتفاصيل من العوامل المميزة لأسلوب ليوناردو دا فنشي بصفة عامة، ولكنه كان أكثر وضوحاً في إبداعه للوحة العشاء الأخير والتي تُعد إحدى أشهر إبداعاته وإحدى أشهر اللوحات في التاريخ بصفة عامة.
إبراز الانفعالات :
ثاني الأمور المميزة لـ لوحة العشاء الأخير تتمثل في اهتمام ليوناردو دا فنشي بتخليص شخصيات اللوحة من الجمود، ولهذا فقد اهتم بإبراز انفعالاتهم ونعومة حركتهم، فتبدو اللوحة في النهاية وكأنها صورة التقطت بواسطة كاميرا فوتوغرافية، بسبب الحركة والديناميكية الواضحة في الشخصيات جميعها، فبالجانب الأيمن نجد ثلاث شخصيات من تلاميذ المسيح هم يعقوب بن حلفا وبرتلماوس وأندراوس يشكلون مجموعة معاً وكأنهم يتشاورون فيما سمعوه، بينما أندراوس يسأل الشخص الذي بجانبه بدهشة واضعاً يده على كتفه.
الدلالات والرمزيات :
اهتم ليوناردو دا فنشي كثيراً بعنصر الدلالة الرمزية في عمله الفني بصفة عامة و لوحة العشاء الأخير على وجه الخصوص، فنلاحظ في تلك اللوحة غياب الكأس عن مائدة السيد المسيح، وقد كان عنصراً هاماً في كافة اللوحات التي تصور لحظة إعلان المسيح عن خيانة أحد تلاميذه، وهو ما أدى إلى إسقاط التفسيرات القائلة بأن لوحة العشاء الأخير هي تصور لمشهد الإعلان، وكان ذلك سبباً في القول بإنها تصور لحظة طرح التساؤل وإخبار المسيح تلاميذه بإنه ثمة خائن بينهم وهذا التفسير يتوافق بشكل أكبر مع انفعالاتهم البادية في اللوحة. أيضاً من ضمن الدلالات الرمزية التي تتضمنها تلك اللوحة أي لوحة العشاء الأخير كيس النقود، والذي يمكن رؤيته بوضوح في يد يهوذا الإسخريوطي كأنه ثمن خيانته الذي تلقاه، أو إن دا فنشي يريد القول بإن نفسه الملوثة منجذبة دائماً إلى النقود فيحرص دوماً على إبقاءها بالقرب منه.
مبدأ الثلاثية :
قد يرى البعض إن تلك إحدى أوجه الدلالة الرمزية المستخدمة في لوحة العشاء الأخير ،ولكن بسبب البراعة في اختيارها وتنفيذها وتضمينها العمل الفني عادة ما تأتي في نقطة منفصلة، فقد صمم دا فنشي اللوحة على مبدأ الثلاثية مستوحي ذلك من مبدأ الإيمان في الدين المسيحي والذي يعتمد على الثالثوث، فترى إنه قسم شخصيات لوحته إلى ثلاث مجموعات، أيضاً النوافذ الظاهرة في الخلفية عددها ثلاثة مع إضافة ثلاثة أبواب بكل جانب.
في النهاية تجدر الإشارة إلى أن لوحة العشاء الأخير تعد إحدى أشهر لوحات عصر النهضة وفي التاريخ بصفة عامة، والأسلوب الفني المستخدم أثر في كثير من المبدعين بمختلف المجالات الفنية، ففي الأعمال الأدبية والروايات استغلت لوحة العشاء الأخير مرات أبرزها رواية هيكل الرؤيا وكذلك رواية شيفرة دا فنشي للكاتب دان براون، وكذلك منظور اللوحة نفسه استخدم مرات عديدة في كدرات السينما والأعمال الدرامية التلفزيونية خاصة في المشاهد التي تتضمن كشف الخيانة.