محمد فريد هو اسم لابد من التوقف أمامه عند دراسة التاريخ، ذلك البطل المصري الذي عَلّم العالم إن النضال ليس فقط بالسلاح، فنشر الوعي قد يكون له أثر أشد وأقوى من طلقات الرصاص، والوسائل السلمية قد تكون أشد قسوة على المحتل من القنابل. اختصاراً فإن إنجازات محمد فريد جعلته يستحق وبجدارة أن يكون أحد أبرز رموز الحركة الوطنية المصرية، فما هي إنجازاته؟ وما الدور الذي لعبه في دعم القضايا الوطنية؟
إنجازات محمد فريد :
محمد فريد هو مناضل من طراز فريد، والإنجازات التي يحفل بها تاريخه تشهد على ذلك، ومن أهمها الآتي:
التعليم والوعي :
كفاح محمد فريد لم يكن دوماً بصورة تقليدية ومباشرة، فمناداته بحق مصر في الحصول على الاستقلال وجلاء القوات البريطانية المحتلة، لم يكن فقط من خلال التظاهرات والخطب الرنانة، بل إن محمد فريد كان صاحب نظرة مستقبلية ثاقبة، وكان يعي تماماً إن أهدافه لن تتحقق إلا على المدى البعيد، وربما هو نفسه لم يحيا حتى يشهد تحقيقها، ولهذا حرص على إعداد الأجيال المقبلة من الثائرين والمناضلين، وكان يعي إن الأمم لا تقوم إلا على أساس من العلم والوعي، فتكفل بإقامة مجموعة من المدارس الليلية بالمناطق الشعبية بوسط القاهرة، وهي تشبه بنسبة كبيرة فصول محو الأمية في زمننا الحالي، فمن خلال تلك المدارس حرص فريد ورفاقه على تنمية وعي وثقافة الكبار، وكذا وفروا فرصة تعليم مجانية لغير القادرين من الفقراء، وبجانب الدروس التقليدية لمختلف فروع العلم، كان يُعرف فريد عامة الناس بحقوقهم وقضايا وطنهم، ويوضح لهم حقيقة الوضع السياسي المصري ومدى ضرورة التصدي للمحتل البريطاني.
حركة النقابات :
كان محمد فريد أول من أرسى قواعد حركة النقابات في مصر، وبفضله تم إنشاء أول نقابة للعمال وكان ذلك في عام 1909م، ومن خلال تلك المؤسسات النقابية بات لكل عامل من يدافع عنه وينادي بحقوقه، كما إنها ساهمت في تكتيل ابناء الوطن الواحد وجعلهم أكثر ترابطاً، وهو ما ساعده بنسبة كبيرة في القيام بخطوته التالية، والتي تمثلت في الاتجاه إلى الحياة السياسية والضغط على السرايا والإنجليز، من خلال تنظيم المظاهرات والاحتجاج على القوانين الظالمة، التي تمنح الشرعية للمحتل وتسلب حقوق ابناء الشعب المصري.
الدعوة إلى مقاطعة الحكومة :
من اللطمات القوية التي وجهها محمد فريد إلى وجه الإنجليز، هو إنه قد دعا الوطنيين والشرفاء من ابناء الوطن المصري، بمقاطعة تشكيل الحكومة ورفض تولي أي منصب وزاري بها، وكذا طالب من هم في المنصب بالفعل بتقدم استقالتهم منه، وإعلان أسبابها للعالم أجمع، وهو غياب الدستور عن الساحة السياسية المصرية، ورفض السرايا والإنجليز إقرار بنوده والعمل به، وكان واثقاً إن حالة الفراغ السياسي التي ستنتج عن استقالة الوزراء، ورفض أي من المصريين أن يحل محلهم، ستجبر الخديو على الانصياع لرغبات الحركة الوطنية المصرية ويقر الدستور المنظم للحياة السياسية.
المطالبة بالدستور :
كان محمد فريد أبرز الداعين إلى ضرورة إقرار دستور منظماً للواقع السياسي المصري، وفي سبيل ذلك حرر توكيلات وطالب من الشعب توقيعها، ونجحت هذه الحملة نجاحاً كبيراً، وبالفعل قدم للخديو 45 ألف توقيعاً كدفعة أولى، ثم قدم له عدة دفعات أخرى من هذه التوكيلات أعدادها تقارب عدد توكيلات الدفعة الأولى.
المظاهرات المنظمة :
أيضاً محمد فريد هو قائد أول مظاهرة منظمة في التاريخ المصري، صحيح إن التظاهرات لم تختف من شوارع محافظات مصر بالكامل، وخاصة المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، منذ إعلان مصر مستعمرة بريطانيا وحتى إتمام الجلاء على يد جمال عبد الناصر والضباط الأحرار، إلا إن المظاهرات قبل محمد فريد كانت تتسم الفوضى والعشوائية، فكان كل مجموعة من الغاضبين يتجمعون معاً، ومن ثم يجوبون الشوارع بلا وجهة محددة، ومن ثم كان يسهل الإيقاع بهم من قبل المحتل البريطاني فيعتقلون من يعتقلون ويقتلون من يقتلون، ولكن محمد فريد جعل خصص مكاناً واحداً لتجمع المتظاهرين وهو حديقة الجزيرة، فكان يتجمع بها عشرات الآلاف من المصريين، ثم يتحرك هذا الحشد الضخم المتكاتف إلى قلب العاصمة منادين بمطالبهم.