المنهج الديكارتي هو أحد أساليب التفكير والتحليل الشهيرة بمجال الفلسفة، والتي استمدت مُسماها من الفيلسوف الفرنسي الشهير رينيه ديكارت، والذي يعد أحد أبرز الفلاسفة في التاريخ، وشهرته ومكانته تضاهي ما بلغه فلاسفة اليونان القدامى من مكانة مثل أفلاطون وسقراط وأرسطو، وكان المنهج الديكارتي الذي أسسه ديكارت ووضع قواعده وأحكامه، سبباً في منحه لقب أبو الفلسفة الحديثة واعتباره زعيماً للنزعة العقلانية، إذ أن منهجه في التفكير جاءت قواعده معتمدة على استخدام العقل دون سواه في التوصل إلى الحقائق، والتمكن من حل جميع القضايا الفكرية والفلسفية.. فما هي سمات المنهج الديكارتي وما قواعده التي تجعله من أهم أساليب التفكير، وأكثرها تأثيراً في الفلسفة الحديثة والمعاصرة؟
قواعد وخطوات المنهج الديكارتي :
أثر المنهج الديكارتي وأهميته في معالجة القضايا الفلسفية، لا يتسنى لنا معرفته إلا بالتطرق إلى قواعد وخطوات هذا المنهج، أو بمعنى أوضح استعراض الطرق أو الآليات، التي يمكن من خلالها تطبيق المنهج الديكارتي في التفكير، واستخدامه في حل القضايا الفلسفية والاطروحات العقلية المعقدة والبسيطة، وتلك الخطوات أو الوصايا التي جاء بها ديكارت هي:
اليقين من الحدس :
وفقاً لقواعد المنهج الديكارتي فإن اعتماد الإنسان يجب أن يكون على حدسه العقلي، فبعد استعراض ديكارت لمفاهيم علوم الفلسفة، أيقن من أن الحقيقة الكاملة لا وجود لها إلا بالعقل البشري، ولهذا لا يجب الحصول عليها من مصادر خارجية أو التعرف عليها من خلالها، وبحسب المنهج الديكارتي فإن الفكرة كي يتم اعتبارها فكرة حقيقية، فلابد أن تكون وليدة فكرة بديهية ومضت في ذهن الإنسان وتوصل لها من خلال تفكيره العقلي.
البداهة والخلاص من القيود :
أولى الأسس أو القواعد التي يقوم عليها المنهج الديكارتي في التفكير، هي قاعدة “البداهة” وفقاً لما أورده الفرنسي رينيه ديكارت بكتابته، والتي تنص على ضرورة التجرد من الأفكار المسبقة، أي إن الإنسان عليه التخلي عن كافة المعلومات أو النظريات التي يعرفها عن أمر ما، فوفقاً لقواعد المنهج الديكارتي فإن معلوماتنا السابقة والتي نعتبرها بمثابة مسلمات، ما هي سوى قيود تغل العقل البشري وتعوقه عن التفكير، ولهذا فإن الخطوة الأولى تتمثل في تحرير العقل من تلك القيود.
تقسيم المشكلات وتبسيطها :
الخطوة أو القاعدة الثانية للتفكير السليم بحسب المنهج الديكارتي ،تتمثل في عدم استعراض المشكلات التي تعترض التفكير في صورتها الكاملة، إذ أن ذلك يعيق التفكير وفقاً لقواعد المنطق الصحيحة، وإنما أوصى المنهج الديكارتي بضرورة تقسيم تلك المشكلة طالما كان ذلك ممكناً، ويرى ديكارت إن ذلك التقسيم يحول المشكلة إلى أبسط صورها، ومن ثم يسهل على العقل البشري التعامل معها، وتحليلها بشكل تام وعلى الوجه الأكمل.
التركيب التدريجي للأفكار :
إعادة تركيب الأفكار هو القاعدة الثالثة التي جاء بها المنهج الديكارتي ،فهو يؤمن بإن حل المعضلة العقلية يكون للمعضلة بصفة عامة، وإن تقسيمها ما هو إلا وسيلة تسهل عملية التحليل لنتمكن من الوصول إلى النتائج، وبعد إجراء ذلك التبسيط على الإنسان أن يقوم بإعادة ترتيب أفكاره، على أن يكون ذلك بشكل تدريجي من الأبسط إلى الأعقد، ومن ثم يمكنه التوصل إلى الحلول المثلى لكل جزء من أجزاء المشكلة العقلية، بدءً بأبسطها ووصولاً إلى أعقدها وأشدها صعوبة، وبنهاية تلك المرحلة يكون الإنسان باستخدام العقل قد تمكن من حل المشكلة بشكل كامل.
المراجعة ثم المراجعة :
المنهج الديكارتي قائم في الأساس على رفض الاعتراف بالمُسلمات، ومن ثم فإنه يرفض اعتبار النتائج التي يتم التوصل إليها باستخدام قواعده، نتائج مُسلم بصدقها وصحتها، ولهذا فإن الخطوة الأخيرة من خطوات العمل بـ المنهج الديكارتي ،تتمثل في ضرورة إجراء عِدة مراجعات لتلك النتيجة، وذلك ليس شكاً في صحة النتائج التي تم التوصل إليها بواسطة العقل، بقدر ما هو وسيلة للتأكد من عدم إغفال الشخص لأي شيء عند قيامه بالمراحل التحليلية السابقة.