يوم عرفة هو أحد أكبر احتفالين لدى أهل الإسلام، فالعيدين الرئيسيين في الدين الإسلامي هما عيد الفطر وعيد الأضحى، وذلك الأخير الذي تؤدى خلاله فريضة الحج، والتي تستهل مناسكها بالوقوف بعرفة ولهذا عُرف يومها بـ يوم عرفة ،ويُعبر عنه المسلمون بالمصطلح الشائع “يوم الوقفة”، ونرى إن غالبية المسلمين يحرصون على الصوم في هذا اليوم، على الرغم من إن صوم عرفة ليس فرضاً كما هو الحال بالنسبة لصوم رمضان، إذاً فلماذا هذا الحرص الشديد على صومه والتقرب إلى الله خلاله؟، وما هو قدر يوم عرفة وما فضله؟
يوم عرفة .. القدر والفضل :
يوم عرفة هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة بحسب التقويم الهجري، وإن لذلك اليوم قدر عظيم وفضل أعظم، فما قدره وما فضله؟
أولاً : قدر يوم عرفة :
إن يوم عرفة له مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، وذلك ليس فقط لإن مراسم أداء فريضة الحج تبدأ خلاله، فهذا هو السبب الأكثر شيوعاً وشهرة، لكن هناك أسباب أخرى وأحداث جرت بهذا اليوم، جعلت له هذه المكانة العظيمة في الشريعة الإسلامية ونفوس المسلم، ومنها:
أ) أقسم الله عز وجل به :
هل هناك تشريف ليوم أكثر من أن يكون قسماً يذكره الله عز وعلا بالقرآن الكريم؟!، بالتأكيد لا، وبالتأكيد أيضاً إن يوم عرفة قد نال ذلك الشرف، وقد ورد ذكر يوم عرفة كقسم ضمن آيات القرآن الكريم في موضعين، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم الأمور، ومن ذلك نتبين كيف عَظم المولى عز وعلا من قدر ذلك اليوم، وهو سبب كاف تماماً لنصومه ونتقرب إلى الله خلاله، ومواضع القسم بـ يوم عرفة في القرآن الكريم هي :
- سورة البروج : ورد ضمن مُحكم آيات السورة الكريمة قوله تعالى “وشاهد ومشهود”، وبلغنا من أحاديث الرسول الأمي خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام، ما معناه إن اليوم الموعود هو يوم القيام والشاهد هو يوم الجمعة واليوم المشهود هو يوم عرفة ،وذلك الحديث قد قد روي عن الإمام الترمزي.
- سورة الفجر : ذكر في سورة الفجر “الشفع والتر” فما هما؟.. وفقاً لما قال به ابن عباس رضي الله عنه، فإن يوم الشفع هو يوم الأضحى أي أول أيام العيد، أما الوتر فهو اليوم الذي يسبقه أي يوم عرفة ،ووافقه في ذلك القول كل من الضحَّاك وعكرمة.
ب) يوم إتمام الدين :
التقى أحد الرجال اليهود بالصاحبي الجليل وخليفة المسلمين عمر بن الخطاب، فقال له بإن أنتم -ويقصد المسلمين- لديكم آية في كتابكم القرآن، لو كانت نزلت فينا لاتخذنا من يومها ومكانها عيداً، وأما الآية القرآنية التي كان يشير الرجل إليها هي “اليوم أتممت عليكم دينكم”، وقد فطِن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المكان والزمان، فإن الآية الكريمة قد نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة وعلى جبل عرفة، ومن الأمور التي تزيد هذا اليوم فضلاً وترفعه قدراً، إن المولى عز وجل قد اختاره من بين أيامه جميعها، ليكون اليوم الذي يتم فيه الدين ويختتم فيه رسالة نبيه ورسول محمد عليه الصلاة والسلام، أليس هذا سبب كافي للاحتفال بـ يوم عرفة ،بجانب إنه اليوم الذي تؤدى به فريضة الركن الخامس من أركان الإسلام، وهي فريضة الحج إلى البيت؟!
ثانياً : فضل يوم عرفة :
لماذا يحرص غالبية أهل الإسلام على صوم يوم عرفة ؟.. أهذا فقط لمكانته في نفوسنا وعظيم قدره في شريعتنا الدينية، الإجابة المُدلل عليها بما ورد بأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام هي “لا”، فإن صوم يوم عرفة له فضل عظيم، وهو فرصة للتقرب إلى الله عز وجل وطلب مغرفته عما ظلمنا به أنفسنا، ومن أفضال وفوائد صوم يوم عرفة ما يلي:
أ) يكفر عامين :
الخطأ من الصفات الأصيلة الراسخة في النفوس البشرية، فلا يوجد على وجه الأرض إنسان لا يخطئ أو يرتكب ذنباً، ولكن هذا ليس نهاية المطاف، فعلى كل إنسان السعي إلى التكفير عن هذه الذنوب وطلب المغفرة من الرحيم الغفار، ومن هذا المنطلق يعد يوم عرفة فرصة عظيمة لتكفير الذنب، فمن أفضال هذا اليوم العظيم إن الصيام به يكفر ذنوب عامين، السنة التي سبقته والسنة التي ستلحق به، وما يدلنا على ذلك هو حديث أشرف الخلق أجمعين، فحين سُئل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن فضل صيام عرفة، قال إنه يكفر ذنوب السنة الماضية والباقية، وحين سًئل عن فضل يوم عشوراء وصيامه قال إنه يكفر سيئات السنة الماضية عليه، مما يعني إن فضل يوم عرفة يفوق فضل يوم عشوراء، وقد روي الحديثين الإمام مسلم في صحيحه.
وقد اتفق العلماء والمفسرين على أن التكفير هنا، هو مقتصر على السيئات والذنوب التي نرتكبها في غفلاتنا، ولكن الأمر لا يتعلق بالذنوب الكبائر، إذ أن الكبائر لا يكفرها صوم يوم عرفة أو صوم رمضان أو أية اجتهادات بالعبادات، فالكبائر بحسب إجماع العلماء لا تُكفّر إلا بالتوبة النصوحة عنها.
ب) العمل الصالح الأحب إلى الله :
أن نقوم بالأعمال الصالحة فهذا أمر له أجر حسن، وأما أن نقوم بها كما يحب الله ويرضى فهذا أمر آخر وله أجر أفضل، وهناك بضعة أيام تأتي على المسلم كل عام يفضل القيام خلالها بصالح الأعمال، ومن بينها بل ويمكن القول على رأسها يوم عرفة ،وذلك وفقاً لما ورد إلينا عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، في حديثه الشريف القائل فيه ما مفاده إن الأعمال الصالحة الأحب إلى الله، هي الأعمال الصالحة التي تكون خلال الأيام عشر، والأيام العشر المقصودة بالحديث هي الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، التي تختتم بـ يوم عرفة يوم البدء في أداء مناسك الحج.
ج) يوم العتق :
من فضائل شهر رمضان وخاصة الأيام العشر الآواخر منه، هو إنهم أيام العتق من النار، ولكن على كل مسلم أيضاً أن يسعى لنيل هذا الفضل في يوم عرفة ،فمن بين فضائله إن الله عز وجل يعتق فيه الرقاب من النيران، ويتغمد عباده من رحمهم فيغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، ويتوب على كل من تاب إليه، وهذا منصوص عليه بحيث الرسول عليه الصلاة والسلام، والذي ورد في صحيح الإمام مسلم، برواية عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، إذ قالت إنها سمعت النبي الكريم يقول واصفاً يوم عرفة ،بإنه أكثر الأيام التي يعتق الله فيها عباده من النار، مما يعني إن يوم عرفة هو فرصة ذهبية لكل مسلم، لينال رضا الله فيغفر له ذنوبه وينقيه من سيئاته ويقبل توبته ويعتقه من عذاب جهنم، وهي فرصة ثمينة لا يهدرها سوى الغافل والجاهل.
ولكن هنا تجدر الإشارة إلى وجوب الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى العتق، فالإنسان كي يصل إلى تلك المكانة وينال العتق، وأولى صور الطاعة والعبادات في يوم عرفة التي يجب العمل بها، هي صيامه مع إخلاص النية في ذلك إلى وجه الله تعالى، مع الحرص على ممارسة العبادات الأخرى، مثل الإكثار من التسبيح وذكر الله في يوم عرفة ،وتلاوة ما تيسر من سور القرآن الكريم، وهذه الممارسات لا يجب أبداً أن تكون ظاهرية فقط، بل يجب أن يكون الباطن متفق مع الظاهر، أي إن سلوك المؤمن يجب أن يكون متماشياً مع عباداته في ذلك اليوم، فيسيطر على الغضب ويكظمه ولا يسب ولا يكذب ولا يغتاب… ألخ.