موسى عليه السلام هو أحد الأنبياء التي يؤمن بهم المسلمون، وهو في الشريعة الإسلامية أحد أولي العزم من الانبياء، وقصة موسى عليه السلام وتوجهه إلى فرعون، ودعوته له ولقومه بأن يترك عبادة الاوثان ويتوجه إلى الله الواحد الأحد، هي واحدة من أشهر قصص الأنبياء، وجميعنا نعرف تفاصيلها التي وردت في النصوص القرآنية، وكنيته أو اللقب الذي يعرف به هذا النبي هو كليم الله، فترى لماذا يحمل هذا اللقب وما دلالته وأسبابه؟
كليم الله موسى عليه السلام :
كليم الله هو اللقب الذي عُرف،وألقاب الأنبياء حق، ولم تكن تطلق عليهم أو يعرفون بها من دون أسباب، والسؤال هنا: ما الأسباب التي جعلت موسى عليه السلام يلقب “كليم الله”؟..
نبي المعجزات والتكريم :
حين نقرأ في قصص الأنبياء لننال العبرة والموعظة، فإننا سنجد إن كل نبي من أنبياء الله عليهم السلام جميعاً، كان له معجزة على الأقل، أو ربما إن هذا ما ورد إلينا بالذكر الحيكم، أما نبي الله موسى عليه السلام فقد كان له العديد من المعجزات، والتي وردت جميعها ضمن آيات القرآن الحكيم، فهو – موسى عليه السلام – من تحدى جبروت سحرة فرعون، فكان انتصاره عليه بإذن الله وعونه، فتبدلت عصاته حية ضخمة التهمت صغار ثعابين حبالهم، وكانت يده في جيبه فأخرجها فإذا بها بيضاء أي مضيئة للناظرين، والمعجزة الأكبر كانت في شق البحر لـ موسى عليه السلام ومن اتبعه، لينجيهم الله – عز وجل – بذلك من فرعون وجنوده، ويغرق الظالمين.. ويرى البعض إن تكليم الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام هو حدث بذات القائمة، بينما في الواقع إن هذا التكليم ليس بمعجزة، إنما هو نوع من تكريم الله عز وجل لنبيه الذي اصطفاه.
كلمه تكليماً :
بحسب الشريعة الإسلامية وفقاً لما ورد صراحة بنصوص القرآن، وما جاء بأحاديث الرسول الأمي محمد عليه الصلاة والسلام، فإن موسى عليه السلام هو النبي الذي خصه الله تعالى بالتحدث إليه، وهو تكريم عظيم لم يحظ به أي من الأنبياء قبله، وقد يرى البعض إن خالقنا عز وعلا قد حدث الكثيرين من خلقه، وهذا صحيح، لكن الكلام هنا لا يقصد به الإيحاء أو رسالة أنزلت إليه مع الملائكة، إنما يقصد بلفظ “تكليماً” إنه كان كلاماً مباشراً، أي أن الله قد أنزل صوته إلى نبيه موسى عليه السلام ،فسمعه وأجابه من خلال حديث مباشر بينهما، ولهذا يلقب النبي موسى عليه السلام بلقب كليم الله
تكرار الواقعة :
تكليم الله تعالى وإن كان لمرة واحدة لهو شرف عظيم وتكريم جم، وكان سيكون كفيل بحمل النبي موسى عليه السلام للقب كليم الله، لكن الله أراد أن يمنح عبده المخلص موسى عليه السلام تكريم أعظم، فتكررت واقعة تحدثه مع الله بشكل مباشر، ولم يكن تكليم الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام ،يرتبط بمواقع محددة من الأرض أو بتوقيتات معينة، إنما كان يرتبط بالأحداث فقط، فأثناء سعي موسى عليه السلام في تبليغ رسالته، كلما وقع حدث احتاج فيه عون الله ومساندته، بعث له صوته فيبلغه بما عليه فعله، فيرشده أو يأمره أو ينهيه أو يطمئن قلبه ويبشر بقرب الفرج، وقد كلم الله موسى عليه السلام لأول مرة على أرض مصر، وبالتحديد على أرض سيناء في الوادي المقدس طوى الذي ذكر بالقرآن الكريم، فما كانت تفاصيلها؟
التكليم الأول :
الهجرة النبوية لم تكن هي الهجرة الوحيدة في قصص أنبياء الله، فعدد كبير منهم ولد ببقعة من الأرض وفي مرحلة ما هاجر إلى أخرى، هذا يتضح من رحلة سيدنا إبراهيم الخليل مع زوجته وابنه، ورحلة السيدة مريم العذراء مع رضيعها المسيح، وكذلك قصة موسى عليه السلام تضمنت هجرته هو وزوجته، وخلال هجرتهما وعند مرورهما بقرب الوادي طوى، رأى موسى عليه السلام نار مقادة على بعد، فترك أهله وتوجه إليها منفرداً، وهناك تنزل عليه صوت الله عز وجل فلم يجزع أو يخف، إذ أنزل الله عز وجل في قلبه السكينة، وأمره بخلع نعليه كونه يخطو فوق الوادي المقدس، وأمره بأن يستمع بما يوحي إليه، وهو إنه الله الذي لا إله إلا هو وأمره بعبادته وإقامة الصلاة لذكره، وقد وردت واقعة التكليم الأولى هذه في القرآن في سورة طه، ومن هنا كانت بداية تكليف موسى عليه السلام بدعوة قومه إلى عبادة الواحد الأحد، والتوجه إلى فرعون الذي طغى ليقول له قولاً ليناً.
هل موسى عليه السلام تكلم ؟
كلم الله موسى عليه السلام كما ذكرنا، فهل كان الأمر قاصر على هذا، أي إن موسى كان يسمع ما يأمره به الله عز وجل فقط؟، أم إنه كان تكليماً مكتملاً أي يتضمن سؤال وإجابة وتبادل عبارات؟.. نعم الشق الثاني من السؤال هو الصحيح، فتكريم موسى عليه السلام لم يكن فقط في سماعه لصوت الخالق، إنما كان في إجابته عليه، وقد ورد في الآيات ما يوضح ذلك، فقد طلب موسى عليه السلام من الله أن يرسل معه هارون، وفي آية أخرى نجد موسى عليه السلام يعدد منافع عصاته، فيقول -محدثاً الله عز وجل- إنه يتكأ عليها ويهش بها على غنمه، وفي موضع آخر تحدث موسى عليه السلام طالباً من الله أن يسمح له برؤيته، لكن غاية موسى عليه السلام لم تتحقق وسمع الله لكنه لم يره.
موسى عليه السلام سمع ولم ير :
جدير بالذكر هنا أن موسى عليه السلام رغم تكرار كلامه مع الله، إلا إنه لم يره أبداً، وهذا وفقاًً لما ورد من قصة النبي موسى بالقرآن الكريم، فقد طلب موسى عليه السلام من ربه أن يتجلى له، إلا أن الله عز وجل عوضاً عن ذلك تجلى على أحد الجبال، فتصدع الجبل وانهار وصار “دكا”، وهو التعبير البليغ الذي وصف به حال الجبل في القرآن، وهو مصطلح في اللغة العربية يدل على تفتت الجبل وانهياره التام، ومن هذا نستنبط مدى رحمة الله تعالي بعباده بصفة عامة، وعبده موسى عليه السلام على وجه الخصوص، فإن كان الجبل الصخري لم يحتمل تجلي الله عز وجل وحدث به ما حدث، فكيف كان سيكون حال البشر؟!
موسى عليه السلام في القرآن :
قصة سيدنا موسى عليه السلام وقصته مع فرعون، وتكليمه لله عز وعلا الذي هو محل موضوعنا اليوم، كل ذلك كلام مثبت لا يمكن التشكيك فيه ولا يحتمل التأويل، فقد ورد ذكر كل ذلك ضمن آيات كتاب الله القرآن الكريم، فـ موسى عليه السلام هو أكثر شخصية ذكرت في القرآن، وقد تكرر ذكره فيه بعدد 136 مرة، بحسب ما أورده المفسرين وعلماء الدين في كتبهم ودراساتهم، وتلك الـ136 مرة جاءت موزعة على 16 مقطعاً من الآيات القرأنية، كانت موزعة على عدد كبير من سور القرآن، وتلك المواضع التي اشتملت على ذكر موسى عليه السلام ،تناولت قصة نبي الله منذ ميلاده وحتى إتمامه لرسالته، وما بين هذا وذاك من أحداث كثيرة وعديدة، ومنها المرات التي شُرف فيها النبي موسى عليه السلام بأن يتكلم مع الله بدون وسيط، فلا شك إنه كان الأحق باللقب هذا من بين الأنبياء، فمحمد عليه الصلاة والسلام هو الحبيب، وإبراهيم عليه السلام هو الخليل، و موسى عليه السلام هو الكليم.