ألعاب الفيديو صارت جزءاً رئيسياً من حياتنا اليومية، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو مغيب، فالدليل الأكبر على انتشار ألعاب الفيديو ،ورواجها في أوساط الشباب وخاصة من هم في مرحلة المراهقة، هو تضاعف أعداد صالات الألعاب الإلكترونية خلال السنوات الماضية، هذا بجانب ما تسجله المؤشرات من أرباح تحققها الشركات المنتجة لـ ألعاب الفيديو ،والتي تُقدر بمليارات الدولارات سنوياً، وتقريباً في كل يوم يمر علينا يتم إصدار لعبة جديدة من هذه الألعاب، بل ويتم استثمار نجاحها في إنتاج أجزاء مسلسلة من اللعبة الواحدة.. فهلا توقفنا قليلاً أمام هذه الظاهرة وتأملناها بشئ من التمعن، ونظرنا في الآثار التي قد تنتج عن ممارستها، يجب علينا ذلك، فـ ألعاب الفيديو -طبقاً للدراسات- أشد خطورة مما كنا نتصور.
ألعاب الفيديو وخطورتها على الأطفال :
الإلهاء عن الدراسة وممارسة الرياضة المفيدة للجسم والعقل، هو كامل الضرر الذي يراه أغلب الآباء في ألعاب الفيديو ،لكن الدراسات التي تناولت الآثار المحتملة لها، أثبتت أن مخاطرها تفوق ذلك بمراحل، وإنها ذات تأثير مدمر على سلوكيات الطفل وصحته النفسية، ومن أمثلة تلك المخاطر المحتملة لها ما يلي:
الإدمان :
هل تخشى أن يتعرض ابنك في مراهقته إلى الإدمان؟ وتحرص على توعيته دوماً حول مخاطر المخدرات والخمر وما يماثلها؟، ربما آن الأوان لضم ألعاب الفيديو ضمن قائمة المخاطر، فهذا ما أثبتته مجموعة الدراسات الأمريكية المتناولة لمخاطر ألعاب الفيديو ،والتي أكدت على أن أكثر من 90% من الشباب والمراهقين، وخاصة الفئة العمرية المتراوحة ما بين 7 : 17 عاماً، يقضون أغلب أوقات يومهم في ممارسة تلك الألعاب، حتى أن بعض التقارير وصفتها بمسمى “الوالدين البديلين”، بعدما أثبتت درساتهم إن الوقت الذي يقضيه الأطفال في ممارسة ألعاب الفيديو ،يفوق الوقت الذي يقضيونه في صحبة أحد الوالدين، بل والأدهى إن رغبتهم في الأول تفوق رغبتهم في الثاني.. وخطر ألعاب الفيديو يماثل في كثير من جوانبه خطر الإدمان التقليدي، فهي ذات تأثير سلبي على الصحة البدنية، المتمثلة في إرهاق العين، وكذا إحداث آلام الظهر نتيجة الجلوس بوضع ثابت لفترات طويلة، ولكن هذا التأثير لا يكاد يذكر إذا تمت مقارنته بالنمط الآخر من الأضرار، والمتمثل في المخاطر السلوكية لـ ألعاب الفيديو ،ومن بينها إهدار الوقت وفقدان الإحساس بقيمته، والإلهاء عن الأمور الهامة مثل الدراسة والعمل.
الخطر الأخلاقي :
كل القيم والأخلاق التي تسعى إلى غرسها في طفلك، قد تنهار جميعها بسبب مجموعة من ألعاب الفيديو ..نعم هذه الحقيقة التي ينكرها البعض ويجهلها الغالبية، فبينما يهتم الآباء بتشفير بعض القنوات الفضائية، التي تقوم ببث محتوى إعلامي لا يتناسب مع أطفالهم، ولكن كثيراً ما يغفلوا عن أن بعض ألعاب الفيديو قد تقدم محتوى مماثل، ولهذا يجب مراقبة أنواع الألعاب التي يحضرها أطفالهم إلى المنزل، ولعل المثال الأوضح على هذا النوع من ألعاب الفيديو ،تلك اللعبة التي لن نتمكن من تدوين اسمها هنا، والمتاحة بشكل مجاني على شبكة الإنترنت، والتي تقدمها إحدى راقصات التعري، واللعبة هنا ليست ذات طابع إباحي بل إنها تعتمد عليها اعتماداً كلياً، فالمهمة المطالب اللاعب بها هي دفع الراقصة إلى خلع أكبر قدر من الملابس، وذلك بإحرازه عدد معين من التصويبات الناجحة بالكرات..
بلغت خطورة المحتوى الذي تقدمه ألعاب الفيديو ،والذي كثيراً ما يكون مخالفاً للأخلاقيات والشرائع الدينية، إن مجلس الشيوخ الأمريكي خصص إحدى جلساته لمناقشة الأمر، وكان ذلك خلال عامي 1992 و1993م، وانتهت هذه المناقشات إلى إصدار مجموعة قوانين منظمة لإنتاج ألعاب الفيديو ،أهمها منحهم مهلة للشركات ألعاب الفيديو مدتها عام واحد، ليقوموا باستحداث نظام يمكن من خلاله تقييم الألعاب، وبالفعل تم إقرار مشروع نظام ESRB المعمول به حتى اليوم، وهو عبارة عن لجنة مختصة بنظر إصدارات ألعاب الفيديو ،ومن ثم تحديد الفئات العمرية التي تتلائم معها.
تعلم السلبية :
عندما نتعرض إلى الصعاب والمشكلات والعقبات والعراقيل في الحياة، فالسبيل الوحيد إلى تخطيها والتغلب عليها هو مواجتها، ولكن ممارس ألعاب الفيدديو ،أو بمعنى أدق مدمن ممارسة مثل هذه الألعاب، يكون لديه حل آخر يعتبره أفضل من تكبد عناء المواجهة، ألا وهو الانسحاب من الواقع إلى عالمه الافتراضي، ذلك العالم الذي هو فارض سيطرته عليه، يتحكم بكل كبيرة وصغيرة من خلال ضغط مجموعة أزرار، وهذا الحديث ليس مجرد كلاماً مرسلاً، بل هو نتيجة مجموعة من الدراسات التي تناولت تأثير ألعاب الفيديو على الصحة النفسية، والتي أكدت على إنها شديدة الجاذبية بالنسبة للأطفال والمراهقين، حتى إنها تسلبهم من واقعهم إلى عالمها الافتراضي، ثم يتحول ذلك من وسيلة للتسلية إلى وسيلة للهروب، والأمر هنا بالغ الخطورة خاصة بالنسبة للأطفال في مرحلة التعليم الابتدائي، إذ أن معالم شخصياتهم تكون غير واضحة، وتكوينها من خلال مجموعة ألعاب الفيديو هو بالتأكيد أمر غير محمود.
تحفيز الميول العدوانية :
حين طرحنا سؤال لماذا يصبح الطفل عدوانياً ؟، جاءت ألعاب الفيديو وأفلام السينما على رأس قائمة المسببات، بل أن أطباء النفس يعدونهما من أخطر العوامل، التي تقود إلى عدوانية الأطفال، وذلك ناتج عن الفطرة التي يكون عليها الإنسان خلال مرحلة الطفولة المتأخرة، فالطفل خلال هذه المرحلة يكون لديه ولع بتقليد كل ما يراه، وللآسف فإن النسبة الغالبة من ألعاب الفيديو تعتمد على الإثارة، التي تعد من أقوى عوامل الجذب، أي أن كلما ارتفعت معدلات مشاهد العنف الدموية باللعبة، كلما ارتفعت أسهمها وتضاعفت أعداد النسخ المباعة منها.. خطورة ذلك الأمر دفعت بعض الدول إلى مقاومته، إذ تم حظر مجموعة من هذه الألعاب من قبل بعض الحكومات، التي اعتبرت تداولها وبيعها جريمة يعاقب عليها القانون.. ومن أشهر الألعاب التي تم حظرها بمجموعة من الدولة، لعبة Grand theft auto أو كما تعرف لعبة جاتا، والتي تتيح للاعب إمكانية التجول بشوارع مدينة كاملة، مهمته الوحيدة فيها هي إشاعة الفوضى وإضرام الحرائق وقتل الأبرياء، كذلك من ألعاب الفيديو التي اعتبرت ذات خطورة، لعبة الرعب التي طرحت بعنوان Dead Rising، وهي واحدة من مئات الألعاب التي تدور حول محاربة الكائنات المتوحشة، إلا أن تمتاز عنهم بإنها شديدة الدموية والوحشية، فاللاعب كي يجتاز مراحل هذه اللعبة من ألعاب الفيديو ،لابد أن يقطع الرؤوس ويشق الأجساد ويقتلع القلوب من الصدور، وقد اهتم مصمموها بجعل تلك المشاهد أكثر محكاة للواقع.
القدوة السلبية :
ملابس نجوم الأفلام السينمائية وتصفيفات لاعبي كرة القدم، دائماً ما كان المشاهير هم صانعوا الموضة ومحركيها، وفي كل زمان يعشق الشباب المراهق تقليدهم، وذلك لأنه ينبهر بهم ويتخذ منهم قدوة ومثل أعلى، أما في ظل الثورة التكنولوجية التي يشهدها زمننا المعاصر، فحتى المثل الأعلى أصبح مجرد شخص رقمي، الأطفال بصفة خاصة يعشقون أبطال ألعاب الفيديو ،بل أنهم يتوحدون معهم خلال وقت اللعب، يرون فيهم أنفسهم ويعجبون بشجاعتهم وقوتهم، وكي تحقق ألعاب الفيديو أعلى درجات الإمتاع، فلابد وأن يتخيل اللاعب نفسه محل الشخصية المحركة لأحداثها، وهنا تماماً يكمن الخطر الأعظم، فأغلب الشخصيات التي تقدمها ألعاب الفيديو نماذج بشرية سلبية، لكن أحداث القصة التي تدور حولها اللعبة تظهرهم في صورة الأبطال، والأمثلة على ذلك متعددة، ولكن لعل أكثرهم قرباً لما نقصده بحديثنا، لعبة Bully وهي من ألعاب الفيديو المدرسية، ولكنها ليست من الألعاب التعليمية كما يبدو من تصنيفها، بل أن بطل اللعبة هو مراهق فاشل دراسياً، يقوم خلال مراحل اللعبة بتشويه جدران المدرسة وتحطيم قطع الأثاث، أما عنصر التشويق في هذه اللعبة من ألعاب الفيديو ،يتمثل في اشتباك ذلك الطالب مع زملائه في الدراسة في عراك بالأيدي، ثم مع تتابع المراحل ينضم ذلك الطالب إلى عصابة محترفة!!..