الخدع البصرية صارت عنصرا أساسيا في مجال العمل السينمائي، والتقنيات المستخدمة في تصوير وإخراج الأفلام السينمائية في تطور دائم، وقد شهدت تلك التقنيات طفرة حقيقية خلال السنوات القليلة الماضية، سواء الخدع البصرية المستخدمة لتجهيز الأفلام للعرض، مثل تقنيات CGI وتقنيات تصوير الكروما ودمج الخلفيات، أو تقنيات عرض الفيلم مثل تقنية الثري دي 3D وتقنية I-Max.. والسؤال: ما الفوائد التي تتحقق من خلال الخدع البصرية السينمائية؟، وما العوامل التي جعلتها بالغة الأهمية بالنسبة لصناع السينما حول العالم.
الخدع البصرية .. لماذا هي بالغة الأهمية :
الخدع البصرية ساهمت بعِدة أشكال في الارتقاء بالفن السينمائي، وتأثيرها لا يقتصر فقط على خلق صورة سينمائية مبهرة، بل أن تأثيرها يفوق ذلك كثيراً..
1- توفير الحماية :
صناعة السينما ينظر لها البعض على إنها صناعة مرفهة، وإن العاملون بها يجنون أموالاً طائلة دون بذل مجهود يذكر، أما بالنسبة لصناعيها الفعليين، فهي واحدة من الأعمال المحفوفة بالمخاطر، والتاريخ يشهد على ذلك بتسجيله لأكثر من واقعة إصابة أو وفاة بمواقع التصوير، خاصة عند تصوير مشاهد الحركة والمطاردات العنيفة، ومن أمثلة ذلك:
- كاد نجم الأكشن العالمي جيسون ستاثام أن يلقى حتفه غرقاً، وذلك أثناء تصويره أحد مشاهد الجزء الثالث من سلسلة المرتزقة.
- كذلك النجم المصري أحمد السقا تعرض لعِدة إصابات أثناء التصوير، أخطرها الإصابة التي تعرض لها أثناء تصويره فيلم الجزيرة، والتي كاد أن يفقد إحدى عينيه بسببها.
ومن بين العوامل التي أكسبت الخدع البصرية أهميتها، هو أنها باتت توفر عنصر الحماية للعاملين بالحقل السينمائي، أو أنها تحد من احتمالات تعرضهم لخطر الإصابة بنسبة كبيرة، ويكفي القول أن مئات أفلام الحركة التي شاهدناها بالسنوات الأخيرة، لم يتم خلالها تنفيذ انفجار واحد حقيقي، ولكن ذلك تم بواسطة الخدع البصرية وبرامج الجرافيك المطورة، ومن أمثلة ذلك فيلم البطل الخارق سوبر مان Man of steel، والفيلم الحائز على 4 من جوائز الأوسكار Life of Pi.
2- محاكاة الواقع :
نجاح أي فيلم سينمائي يعتمد على تفاعل المشاهد معه، وذلك التفاعل لا يمكن أن يتحقق إلا أن من خلال المصداقية، لذلك فإن الهدف الأول المراد من المخرج تحقيقه، هو أن يجعل الصورة النهائية لفيلمه أقرب ما يكون للواقع، وبالأفلام الدرامية يمكن تحقيق ذلك بصورة جيدة، فقط بالاعتماد على الديكور والملابس والأداء التمثيلي، لكن ماذا عن الأفلام التاريخية والحربية وأفلام الإثارة؟!!.. ذلك هو العامل الثاني الذي تتشكل منه أهمية الخدع البصرية السينمائية، فهي بمقدورها أن تضفي على العمل السينمائي ما يحتاج إليه من مصداقية، والتأكد من ذلك لا يتطلب منا سوى عقد مقارنات بسيطة، لنرى التأثير الذي أحدثته الخدع البصرية الحديثة..
- شخصية هرقليز : هي شخصية الأسطورية تم تناولها من خلال أعمال عديدة، أشهرها مسلسل هرقليز الرحلات الأسطورية، الذي قدمه كيفين سوربو في ستة مواسم متتالية ما بين 1995م: 1999م، وفيلم هرقليز الذي تم إنتاجه عام 2014م من بطولة المصارع الصخرة، ورغم أن الفارق الزمني بين كلا العملين ليس كبيراً، إلا أنه يمكننا ملاحظة مدى التطور الذي شهدته تقنيات الخدع البصرية خلال تلك الفترة، فالمعارك والحروب والوحوش الأسطورية، جميعها أقرب للحقيقة وأكثر محاكاة بالواقع بالفيلم عن المسلسل.. يمكن عقد المقارنة ذاتها من خلال فيلم باتمان الصادر في 1989م، وسلسلة فارس الظلام للمخرج كريستوفر نولان 2005م : 2012م.
3- عوالم افتراضية :
الفن والأعمال الإبداعية بصفة عامة تعتمد على خيال مبدعيها، ولكن خيال المبدعين دائماً ما اصطدم بسقف الممكن والمتاح، فطالما حلم المخرجين بتنفيذ مشاهد أو أفكار معينة، إلا أن تلك الأحلام ماتت بسبب صعوبة تنفيذها على أرض الواقع، لكن مع الطفرة التي شهدتها تقنيات الخدع البصرية مؤخراً، وبالتالي يمكننا القول بأنه لم يعد هناك مستحيلاً بفن السينما، وبات بمقدور المخرج تنفيذ أي مشهد مهما بلغت صعوبته، حتى أننا شاهدنا كوكب الأرض يتم تدميره كاملاً في بعض الأفلام، بل أن بعض الأفلام تضمنت تصميم وتنفيذ عالم افتراضي كامل بكافة تفاصيله، والأمثلة على ذلك بالسينما العالمية بالغة التعدد:
- أفاتار : عند الحديث عن تقنيات التصوير و الخدع البصرية المتطورة، فإن فيلم أفاتار بالتأكيد هو أول ما يقفز إلى ذهننا، والذي قام مخرجه جيمس كاميرون بابتكار عالم افتراضي كامل، حيث أن الأحداث كاملة تدور على سطح كوكب خيالي يسمى كوكب بندورا، وجدير بالذكر أن المخرج أتته فكرة الفيلم منذ عِدة عقود، إلا أنه قام بتأجيل تنفيذه عِدة مرات، آملاً أن تبلغ تقنيات تنفيذ الخدع البصرية في يوم من الأيام درجة من التطور، يمكن معها تنفيذ الفيلم بالشكل الذي يتصوره في مخيلته.
- أفلام أخرى : يعتبر “أفاتار” هو الفيلم الأبرز الذي اعتمد على الخدع البصرية ، لكنه ليس الفيلم الوحيد، فهناك أفلام كانت أغلب أحداثها تدور بمواقع يصعب التصوير بها، مثل فيلمي Gravity وInterstellar اللذان تدور أحداثهما وسط الفضاء الخارجي، وفيلم Life of Pi الذي كانت أحداثه تدور بالمحيط ومجموعة جزر خيالية، وتلك الأفلام وغيرها ما كانت لترى النور لولا الخدع البصرية
4- تخطي العقبات :
الأعمال الفنية عادة ما تواجه عقبات عديدة عند تنفيذها، لكن بعض تلك العقبات تكون عصية على الحل، ومنها ما تسبب في إيقاف المشروع وإهماله كلياً، وأغلب هذه العقبات كانت تتمثل في وفاة أحد الممثلين، الذين يؤدون أحد الأدوار الرئيسية ضمن أحداث الفيلم، وحتى الخدع البصرية لم تتمكن من التغلب على تلك العقبة، ولكن في وقت قريب ظهرت تقنية مستحدثة من تقنيات التصوير السينمائي، والتي تشتهر بمسماها المختصر CGI، والتي أمكن بها إدخال بعض تعديلات بواسطة جهاز الكمبيوتر على الوجوه، لتشبه شديدة الشبه ببعض الوجوه الأخرى، وقد ذاع صيت هذه التقنية مؤخراً بعدما استعان بها فريق عمل فيلم furious 7.
- بول ووكر : هو أحد نجوم هوليود الذي برز من خلال سلسلة أفلام Fast & Furious، ويعد أحد الأبطال الرئيسيين للسلسلة، التي بلغ عدد الأجزاء التي قدمت منها سبعة أفلام، وفي عام 2013م تعرض ووكر لحادث سيارة أودى بحياته، وكان قد قام بالفعل بتصوير معظم مشاهده، ضمن أحداث الجزء السابع من السلسلة، وتعذر على المؤلفين حذف الجزء المتبقي من دوره، وذلك لأنه من الشخصيات المحورية، والتي حذفها سيؤثر على منطقية سير أحداث الفيلم، وربما كان سيكتمل الفيلم لولا تطور تقنيات الخدع البصرية ،حيث استعان المخرج بشقيق بول ووكر لشدة الشبه بينهما، وباستخدام تقنية CGI جعل وجهه يتطابق مع وجه ووكر، ولم يستطع المتلقي عند مشاهدة الفيلم التفرقة بين كلاهما.
5- توفير النفقات :
فائدة الخدع البصرية بالنسبة لصناعة الأفلام السينمائية، لا تقتصر فقط على تحقيق الإمتاع أو الإبهار البصري، بل أنها حققت فائدة عظيمة بالنسبة لشركات الإنتاج الفني، حيث أنها ساعدت على تخفيض النفقات بنسب كبيرة، ولولا الخدع البصرية لتضاعفت ميزانيات الأفلام، حيث أنها تغني عن بناء العديد من الديكورات، التي بات يتم تنفيذها من خلال برامج الجرافيك المختلفة، ثم يتم عمل دمج بينها وبين اللقطات المصورة للمثلين، علاوة على ذلك كانت المشاهد التي تتضمن مجاميع من الممثلين، كان يتكلف تنفيذها مبالغ طائلة، لدفع أجور عدد الكومبرسات الضخم الذي يحتاجه تنفيذ المشهد.
- The Great Gatsby : غالبية الديكور المستخدم في هذا الفيلم لا وجود له، فالفيلم الذي أخرجه باز لورمان في عام 2013م، وقام بأدوار البطولة فيه ليوناردو ديكابريو وتوبي ماجوير، كانت أحداثه تدور –تقريبا- خلال عام 1918م تقريباً، ومن ثم كان يصعب تصوير الفيلم في المواقع الحقيقية، وذلك لأنها اختلفت كثيراً عن الهيئة التي كانت عليها بذاك الوقت، وكذلك بناء ديكور مماثل كان سيتكلف جدهاً ومالاً ويهدر الوقت، ولذا فقد تم إنشاء مدينة كاملة تطابق تصميم المدن في ذاك الزمان، ولكنها كانت مدينة افتراضية تم تنفيذها بواسطة الخدع البصرية والجرافيك.