( هواية القراءة ) هو مصطلح ليس به كثير من الدقة، فالنفع الذي يعود على الإنسان من القراءة، يفرض علينا وضعها في مكانة أكبر من مكانة الهوايات، ولن نبالغ إن قلنا بأن هواية القراءة أمراً دينياً، فهي أول إلزام إلهي تنزل من العزيز الحكيم على رسوله الكريم، وأول لفظ وفعل أمر في القرآن الكريم كان “اقرأ”.. فترى ما الفوائد التي قد تتحقق من هواية القراءة ؟
فوائد هواية القراءة :
تحصيل القدر الأكبر من المعلومات، وتنمية حصيلة الفرد من المعارف، لا يمثلان الفوائد التي تعود على الإنسان من هواية القراءة ،ربما تكون تلك هي الفوائد الظاهرة أو المباشرة، لكن بالتأكيد فوائد هواية القراءة وآثارها الإيجابية، أكثر تعدداً من ذلك وبالتأكيد أكثر شمولاً، ومن بين تلك الفوائد ما يلي:
إصلاح المجتمعات :
عند الحديث عن هواية القراءة باعتبارها الأكثر نفعاً، فلابد أن نذكر أن أثرها الإيجابي لا يقتصر على الفرد، بل أن أثر هواية القراءة يشمل المجتمع ككل، ولكن ذلك مشروط بمستوى كاتبي ومفكري ذلك المجتمع، فإنهم من يقود حملة التنوير والتثقيف، وكلما كانت كتابتهم راقية ومفيدة، كلما ساهم ذلك في تنوير المجتمع والارتقاء بخلقه والحفاظ على ثوابته وقيمه.. واختصاراً لن نبالغ إن قلنا أن القراءة من دعمات المجتمعات المتقدمة، فبها ينمو الفكر والخيال الذان يصنعا المستقبل، وبها أيضاً يتم الحفاظ على حضارته الماضية ودعم استمرارها، فحضارات الأمم لا يُشكلها إلا الإبداع، والإبداع لا يُغذيه سوى المعرفة وكثرة القراءة والمطالعة.
اكتساب الخبرات :
ماذا يكون الكتاب؟.. أهو مجرد مجموعة أوراق دُوِّن عليها عبارات بالحبر؟!.. قطعاً الإجابة لا، فالكتاب في حقيقته هو خلاصة خبرات كاتبه، ونتائج كم هائل من التجارب الحياتية التي خاضها، وتلك الخلاصة التي توصل إليها الكاتب على مدار سنوات، تمنحها هواية القراءة لصاحبها في أيام معدودة وربما ساعات، فإن قراءة تجارب الآخرين لا تفرق كثيراً عن خوضها، فالاستنتاجات التي توصل الكاتب إليها، والمعارف التي حصل عليها من خلالها، يُقدمها للقاريء الواعي على طبق من ذهب، يغنيه عن تكبد معناتها، وتلك الفائدة إحدى الأسباب الرئيسية التي تجعل هواية القراءة هواية مثلى.
أكثر من حياة :
كل إنسان على سطح كوكب الأرض يحيا حياة واحدة، لكن الأمر ليس كذلك بالنسب لمن يجدون في هواية القراءة متعتهم، فحياة المرء إذا قيست بالأيام والسنوات، فهي لا تتيح له فرصة كبيرة للقيام بكل ما يبتغيه، واكتشاف أسرار ذلك الكون الفسيح من حوله بنفسه، لكن بإمكانه فعل ذلك إذا كانت هواية القراءة من عوامل حياته الرئيسية، فمن خلالها يمكنه الانتقال إلى بلدان لم تطأها قدمه، وملاقاة شعوب لم تراهم عيناه، يتعرف على ثقافتهم وعادتهم ويأخذ عنهم ما يتناسب معه، والانتقال بين صفحات الكتب ليس انتقالاً مكانياً فقط، بل أن هواية القراءة تمكن صاحبها من السفر عبر الزمن، فمن خلالها يمكنه أن يحيا حياة السابقين، ويحظى بفوائد دراسة التاريخ وهي بالغة التنوع والتعدد، ويمكنه أيضاً تصور طبيعة حياة بعد زوالنا في المستقبل.
تنمية الخيال :
حين نضع الكتاب بين أيدينا، فإننا فعلياً لا نرى سوى سلاسل قصيرة من الأحرف، تشكل سلاسل طويلة من الأسطر والفقرات، لكن في الواقع أن المعاني التي تنقلها إلينا تلك العبارات، تُترجم داخل العقل البشري في هيئة صورة، مثال على ذلك حين يقرأ الإنسان كتاباً عن الفضاء الخارجي، يجد نفسه -دون عمد- يتخيل شكل الكواكب والمجرات… إلخ، وقياساً على ذلك يمكن القول بأن الشيء نفسه يحدث عند القراءة بأي مجال، الأمر الذي يجعل هواية القراءة إحدى عوامل تنمية الخيال، وذلك ليس مجرد نظرية أو تخميناً مرسلاً، بل أنها النتيجة التي جاءت بها أكثر من دراسة نفسية، ووجدت أن هواية القراءة هي القاسم المشترك بين كافة المبدعين، فالرسام قاريء جيد وكذلك العازف والشاعر وبالتأكيد الأديب، فلا إبداع دون خيال ولا خيال دون قراءة.
تنظيم واحترام الوقت :
أصحاب هواية القراءة هم الأحرص على وقتهم، فهم الأكثر قدرة على تنظيمه، والأكثر حرصاً على تنظيمه وعدم إضاعته في توافه الأمور والعبث، وهذا ما جاءت به دراسة ألمانية مقارنة من نتائج، والتي قامت ببحث خالات أكثر من 100 مراهقاً، ووجدت أن هواة القراءة منه كانوا أقل إهداراً للوقت، أما من لا علاقة لهم بـ هواية القراءة ،فكان نظام حياتهم ككل يتسم بالفوضى.. فأصحاب هواية القراءة هم الأكثر قدرة على فهم قيمة الحياة، وبالتالي لا يهدرون أوقاتهم أو يضيعونها هباءً، فالشخص الذي يغتنم كل دقيقة فراغ كي يقرأ، أثناء استقلال الحافلة أو وقت الراحة من العمل، يدرك قيمة الوقت ولا يضيعه في العبث، وبالتأكيد يصير أكثر انضباطاً في مواعيده.
تجعل الحياة أفضل :
الحق -عز وجل- يقول في كتابه العزيز “هل يستوي الذين يعلمون واللذين لا يعلمون”، وبالطبع الإجابة “لا”، لا يمكن أن يستويان، و هواية القراءة هي السبيل لوضع الإنسان في مصاف “الذين يعلمون”، ومن ثم تتحسن حياته على كافة الأصعدة والمستويات، وسندرك صدق ذلك إذا نظرنا إلى فوائد هواية القراءة ،نظرة شاملة ومتعمقة.. فـ هواية القراءة كما ذكرنا تنمي المدارك وتوسعها، كما أنها تساهم في تنشيط العقل فتجعله دائم التيقظ والتحفز، وتُعرف الإنسان بقيمة الوقت وأهمية تنظيمه وتجنب إهداره، وذلك كله بجانب عدد آخر من الفوائد والآثار الإيجابية، جميعها كفيلة بجعل حياة الفرد أفضل، وتزيد من قدرته على إنجاز مهامه وأنشطته الحياتية المختلفة.
التنمية اللغوية :
القراءة تلعب دور محوري في التنمية اللغوية، وخاصة بالنسبة للأطفال في سن 7 : 15 سنة، ولكن ذلك الأثر قد يتحقق أيضاً بالنسبة للشباب والكبار، فـ هواية القراءة في أي مرحلة عمرية، ستعمل على زيادة الحصيلة اللغوية لدى الشخص، وبالتالي يصبح بإمكانه التعبير بسهول ووضوح وبألفاظ سليمة، ويقول أطباء النفس أن هواية القراءة تزيد الثقة بالنفس، فزيادة الحصيلة اللغوية والقدرة على التعبير عن المواقف بسهولة ووضوح، تزيد من ثقة الفرد بذاته حين يتحدث مع الآخرين، الأمر الذي يدعم تواصله مع الآخرين ويزيد علاقاته الاجتماعية متانة.
تجعل الشخص أكثر جاذبية :
دائماً وأبداً ما حظي الشخص المثقف باحترام الآخرين وتقديرهم، ولكن بجانب ذلك فإن هواية القراءة تمنح صاحبها ميزة أخرى، تتمثل في أنها تجعل منه شخصاً مبهراً جاذباً للآخرين، فالشخص الذي هواية القراءة تمثل شيئاً رئيسياً بحياته، بالتبعية يهوى الآخرون رفقته ولا يملون من مجالسته، وذلك لأنه دائماً لديه جديد يقدمه إليهم، فتلك المرحلة المملة التي تصل إليها كافة جلسات الأصدقاء والأقارب، حين يفرغوا من تبادل السلام والتحية، ثم يجلسون يحدقون بوجوه بعضهم البعض، يبحثون عن أي شيء يمكن قوله لكسر حاجز الصمت المقيت، ذلك أمر لا يمكن أن يحدث بالنسبة للأشخاص الممارسون لـ هواية القراءة ،فهم لديهم كم معلوماتي كبير يصلح لملأ أي فراغ.
تحفز القدرة على التركيز :
هواية القراءة هي بمثابة تدريب رياضي عقلي، وذلك وفقاً للتقارير الصادرة عن كبرى مراكز البحوث، والتي أكدت على الأطفال الممارسون لـ هواية القراءة ،كانوا أكثر ذكاءً وقابلية للتعلم وقدرة على التركيز من غيرهم، وأكدوا على أن هواية القراءة تبدأ مجرد هواية للتسلية، ثم في المراحل التالية تصير شبيهة بالتحدي والتفكير، فهي تخلق لدى الإنسان شغف وتشوق إلى العلم، ورغبة دائمة في الحصول على المزيد من العلم، كما أن التركيز الذي يسيطر على القاريء عند مطالعة الكتب، يصبح فيما بعد جزءاً لا يتجزأ من كينونته وشخصيته.