احتل القمر مكانة كبيرة في العديد من الأعمال الأدبية بكافة أنواعها، فقد تغنى به الشعراء والكتاب في كتاباتهم ووصفوا به محبوباتهم، فصار رمزاً للرومانسية والوحدة والغموض في آن واحد، رغم ذلك ظل وجوده منيراً في سماء كوكبنا الأرضي عبارة عن لغز كبير محير لم يستطع أحد تفسيره حتى اليوم بشكل قاطع، كل ما لدينا هو عدد من النظريات التي نشأت كمحاولات لتفسير ولادة القمر، بعضها مقبول والبعض الآخر ليس سوى درب من الخيال، أحد أشهر هذه النظريات هي نظرية “الاصطدام العظيم” يُمكن القول أنها أكثر النظريات قبولاً في الأوساط العلمية حتى الآن، فكيف تُفسر هذه النظرية نشأة القمر؟ ولماذا ظهرت؟ وماذا تقول؟ هذا ما سنعرفه في المقال التالي.
لماذا ظهرت نظرية الاصطدام العظيم وما علاقتها بالقمر؟
ما هي نظرية الاصطدام العظيم
- تقول نظرية الاصطدام العظيم ببساطة أن القمر الأرضي نشأ نتيجة اصطدام كوكب الأرض الأولي مع كوكب آخر حديث النشأة بحجم كوكب المريخ وأطلقوا عليه اسم “ثيا”، من المفترض أن هذا الاصطدام حدث منذ حوالي 4 ونصف مليار عام مضت، وبعد حوالي 20 إلى 50 مليون عام من نشأة النظام الشمسي، أي حينها كان كوكب الأرض لا يزال حديث النشأة أيضاَ.
- أصبحت هذه النظرية هي المفضلة لدى أغلب العلماء وشاعت في الأوساط العلمية، خاصة وأن دوران لأرض والقمر متماثل تماماً، كما أن الصخور التي تم إحضارها من على سطحه تتطابق تماماً مع عينات الصخور الأرضية، كما توضح أن صخور القمر كانت ذائبة ومنصهرة في بدايتها.
- لكن رغم هذا مازالت النظرية لا تستطيع تقديم إجابات كثيرة منها، التطابق التام بين الأرض والقمر وعدم وجود دلائل على أن الأرض احتويت في بدايتها صهارة أدت لذوبان الصخور، بالإضافة لتطابق نظائر الأكسجين الموجودة على القمر مع مثيلاتها على الأرض بشكل تام، ما يعني عدم تدخل أي جسم آخر في نشأة القمر، وإلا لوجدت آثاره في عينات القمر.
بدايات نشأة النظرية
- كانت النظرية السائدة قبل نظرية الاصطدام العظيم هي نظرية جورج دارون والتي نادت بأن القمر كان في بداياته جسماً منصهراً انفصل عن الأرض نتيجة قوة الطرد المركزي، ولذلك كان يدور على مسافة قريبة جداً من الأرض، لكنها تباعدت بمرور الوقت، وقد تم إثبات صحة تباعد المسافة بين الأرض والقمر من خلال تجارب أمريكية وسوفيتية تمت بواسطة أضواء من الليزر لقياس المسافات.
- عام 1946م قام أحد طلاب جامعة هارفرد ويُدعى ريجنالد ديلي بتحدي نظرية دارون وقال أن القمر نشأ من تصادم عظيم بين الأرض وجسم آخر تكون قرب نهاية تشكل الكواكب الشمسية، وقال بأن القشرة الخارجية للكوكب المكونة من أملاح السيليكا قد تطايرت في الفضاء بينما بقي بعض الرماد الغير قابل للانصهار وتفاعل واندمج مع سحب السواتل الموجودة في الفضاء مكونة القمر الأرضي.
- في البداية لم تحظى النظرية بالاهتمام المطلوب حتى تم تقيمها مرة أخرى عام 1974م وتم اعتمادها.
ما هو ثيا؟
- ثيا هو الاسم الذي تم إطلاقه على الجسم المزعوم الذي اصطدم بالأرض، وتم اشتقاق هذا الاسم من الميثولوجيا اليونانية وهي من آلهة التيتان اليونانية التي حكمت الأرض في العصر الذهبي الأسطوري، وأنجبت الإلهة “سيليني” إلهة القمر.
- يُفترض أن ثيا كان قد تشكل في نفس مدار كوكب الأرض لكن إما أمامها أو خلفها بنحو 60 درجة، وهي النقطة التي ينعدم فيها تأثير الجسمين على أي جسم ثالث، لكن لم يدم الوضع هكذا طويلاً، فعندما بلغ ثيا حوالي 10% من حجم الأرض اضطرب مداره بالتالي بدأ يتفاعل مع الأرض ما سبب الاصطدام العظيم.
- يُظن أن اصطدام ثيا بالأرض أدى لترسب نواته المعدنية في نوات الأرض، بينما انطلقت قشرته الأرضية وجزء من قشرة الأرض للفضاء تدور حول الأرض، تجمعت هذه المادة فيما بعد لتُكون القمر، بينما يُرجح أن بقاياها كونت أجرام أخرى بقيت بين الأرض والقمر لمدة قد تصل إلى 100 مليون عام، بعدها تأثر النظام بقوى جذب الكواكب الأخرى وفلتت هذه الأجرام بينما بقي القمر.
- يعتقد العلماء أن عملية تكون القمر قد حدثت في مدة تتراوح بين شهر واحد وقرن كامل، وقد تأثرت الأرض بهذا الاصطدام فزادت كتلتها بشكل كبير وتغير مكان خط استوائها.
الأدلة التي تُثبت صحة النظرية
- الأدلة التي تُثبت صحة نظرية الاصطدام العظيم تتمثل في الصخور التي جلبتها مركبات أبولو عند زيارة القمر، والتي تُماثل تلك الموجودة على الأرض إلى حد كبير، بالإضافة إلى أن صخور القمر توحي بأنها كانت منصهرة في البداية، ويُفسر ذلك بأن الانفجار ولد قوة كافية لتكون محيط من الصهارة على القمر.
- أحد الأدلة أيضاً هو معدن التنجستن الموجود بوفرة في القشرة الخارجية للأرض، هذا المعدن يتفاعل مع الحديد بشدة ولو كان موجوداً على الأرض منذ نشأتها لترسب في نواتها الحديدية، وعند دراسة صخور القمر وجد أنها تحتوي على وفرة من معدن التنجستن أيضاً مع اختلاف بسيط، ما يُوضح أن هذه المعدن ترسب على القمر والأرض مع الاصطدام العظيم وأنه ناتج عن ثيا.
–