العطور والروائح على إطلاقها لها تأثيرات مختلفة على الحالة النفسية، هذا أمر لا يحتاج لإثباتات أو براهين، ليس لأنه مثبت بالفعل من خلال أكثر من دراسة علمية، إنما لأن لا يوجد أحد ضمن ابناء الجنس البشري لم يجربه بنفسه، وطالما أن الأمر يقيني فيتبقى سؤال واحد يحتاج لإجابة، هو لماذا العطور والروائح لها تأثير بالغ على الحالة النفسية؟
العطور والروائح وتأثيرها النفسي :
تأثير العطور والروائح على الحالة المزاجية والنفسية للإنسان، هو من الأمور التي اكتشفت في فترة مبكرة من التاريخ، ومنذ ذلك الحين دأب العلماء على البحث عن تفسير له، فإلى ماذا أوصلتهم أبحاثهم ودراساتهم التي أجريت في هذا الصدد.
التأثير المباشر على العاطفة :
من أوائل العوامل التي تجعل العطور والروائح بصفة عامة، ذات سيادة على الحالتين النفسية والمزاجية ولها تأثير بالغ عليهما، هو ما كشف العلماء عن العلاقة الوطيدة بين حاسة الشم والمركز العاطفي، أو كما يعرف علمياً مركز السيطرة العاطفية للإنسان، وهو ذلك الجزء المتواجد بداخل العقل البشري، والذي يعتبر المبعث الذي تنطلق منه مختلف أنواع الأحاسيس والمشاعر، سواء كانت تلك المشاعر إيجابية مثل الحب أو الفرح والسعادة، وسواء كانت سلبية متمثلة في مشاعر الخوف والقلق والاكتئاب والرهبة، وهذا الاتصال المباشر بين حاسة الشم وذلك المركز المسئول عن العاطفة، يجعل من العطور والروائح عوامل بالغة التأثير على الحالة العاطفية أو النفسية، وهو ما يفسر سر ابتهاج البعض عند استنشاق بعض العطور والروائح ،وكذا يفسر النفور والاشمئزاز من بعض الروائح الأخرى.
الذاكرة :
تأثير العطور والروائح عامة على الحالة النفسية ليس بالضرورة أن يكون نابع منها، فقد نكون نحن السبب في ظهور ذلك التأثير يحالتيه السلبية والإيجابية، أو بمعنى أدق ذاكرتنا هي المسئول الأول عن ذلك التأثير، فقد أثبتت الدراسات التي قام بها علماء النفس بأكثر من مركز بحثي حول العالم، أن ذاكرة البشر تتعامل مع العطور والروائح كما تتعامل مع الأصوات والصور، جميعها أشياء تختزنها وتربط بينها وبين المواقف التي عاصرتها، وعلى سبيل مثال نجد أن الرجل عادة ما يُحب رائحة العطر الذي تستخدمه المرأة التي يحبها، وكلما شمه شعر بالسعادة وغمرته السكينة، حتى وإن كانت تلك الرائحة تخالف ذوقه وحتى إن استنشقه من امرأة أخرى، فمجرد بلوغ تلك الرائحة إلى العقل من خلال حاسة الشم، فعلى الفور تستعيد الذاكرة مشاهد المواقف الماضية التي استنشق بها ذلك العطر، والأمر نفسه ينطبق على الذكريات المؤسفة أو المؤلمة، فأن استنشاق العطور والروائح التي ارتبطت بذكريات غير سارة، سيتسبب في استعادتها من مكمنها بالذاكرة، وبالتالي سيتجدد الشعور بالألم أو الآسى الذي انتاب الإنسان في المرة الأولى.
تعدد آليات الشم :
من الاكتشافات المذهلة التي كشفت عنها الأبحاث العلمية مؤخراً، والتي من الممكن أن نضمها إلى العوامل والأسباب، التي تجعل العطور والروائح لها ذلك التأثير البالغ على النفس، هو أن الأنف ليست المسئول الأوحد عن القيام بعملية الشم!.. ليس هذا هو الخبر المذهل، فالمذهل أكثر هو أن الأعضاء القادرة على الشم أبعد ما يكون عن التصور، فوفقاً للنتائج البحثية والتي نشرت رسمياً بأكثر من مؤتمر علمي، أن الرئتين على سبيل المثال من الأعضاء التي تملك قدرة على الشم، إذ أن الأبحاث توصلت إلى أنها تحتوي على عدد غير قليل من مستقبلات الشم، كذلك الأمعاء الغليظة ينطبق عليها الأمر ذاته وتحتوي نفس المستقبلات، وأن بعض الروائح تثير هذه المستقبلات المتواجدة ضمن الجهاز الهضمي، وأنها تحفز الأمعاء لإنتاج الإفرازات المحفزة لعمليات الهضم، كما أن بعض العطور والروائح تحفز الجسم لإفراز هرمون السيروتونين والمعروف بهرمون السعادة.
الجانب الذوقي :
من المؤكد أن الأذواق واختلافها من الأسباب التي تؤثر على الحالة النفسية، فأن الألوان لا تجلب السعادة إنما نظرتنا إليها هي ما تجلبها، فالبعض يفضل اللون الأزرق فيشعر بالسعادة إذا ارتدى ملابس لها ذلك اللون، والبعض يكره الأصفر لذا يشعر بشيء من عدم الراحة إذا جلس بغرفة تحمل لها لونه، والأمر ذاته يمكن أن ينطبق على العطور والروائح وتأثيرها على الحالة النفسية، فأن اشتمام الروائح المحببة إلى النفس بالطبع ينعكس عليها بشكل إيجابي، وبالتأكيد العكس صحيح وأن الروائح المنفرة سيكون لها تأثير سلبي، لذا نجد البعض ينجذبون إلى روائح نوعاً ما غريبة، فالبعض يفضل اشتمام رائحة الأطعمة المقلية والبعض يفضل رائحة القهوة الطازجة.. وغيرهم.