تقنية الثري دي هي واحدة من موجات التطور التي شهددتها صناعة السينما بالآونة الأخيرة، إلا أن هذه التقنية فاقت شهرتها كافة التقنيات المتطورة الأخرى، وهذا لسبب واحد جوهري، هو أن جمهور السينما يتفاعل مع تقنية الثري دي مباشرة ويستمتع بها، وأنها لا تنتمي إلى قائمة تقنيات “Cinema Secrets”، كتلك التي تستخدم لعمل الخدع وصناعة الوحوش الأسطورية والمعارك، بل أنها فقط تجعل الصورة السينمائية أكثر عمقاً وقرباً، فتحمل المُشاهد معها إلى قلب عالم الأفلام الخيالي، فتجعل مشاهدتها أكثر إبهاراً وجمالاً وإمتاعاً..
تقنية الثري دي وصناعة السينما :
في عام 2009م توجه الجمهور إلى دور العرض لخوض التجربة الفريدة، ألا وهي مشاهدة فيلم سينمائي بـ تقنية الثري دي المطورة، فقد كان فيلم Avatar للمخرج جيمس كاميرون أول فيلم سينمائي يُطرح للعرض بهذه التقنية، والنتيجة كانت أكثر من ملياري دولار أمريكي بشباك التذاكر، بالإضافة إلى 9 ترشيحات لجوائز الأوسكار، وتمكن الفيلم من حصد ثلاثة منها بالفعل من بينها أوسكار أفضل مؤثرات بصرية، وبذلك تمكنت تقنية الثري دي من استقطاب الجماهير، الأمر الذي دفع منتجي الأفلام السينمائية نحو استغلالها واغتنام مميزاتها، وفي خلال السنوات الخمس الأخيرة تم إنتاج أكثر من مائتي فيلم باستخدام تقنية ثري دي
مميزات تقنية الثري دي :
فن السينما بشكل عام يعتمد على جماليات الصورة، وهذا ما يجعل تقنية الثري دي ذات أهمية ويعزز مكانتها، فهي تأتي لتحقق الحلم الذي طالما راود صناع السينما حول العالم، فلفترة طويلة من الزمن لم يستطع أي مخرج إلا عرض صورة نمطية، مفتقدة للحياة لا فرق بينها وبين الصور الفوتوغرافية أو المرسومة إلا أنها تتحرك، ثم جاءت تقنية الثري دي لتمنح لتمنح الصورة السينمائية عمقاً إضافياً، لتصنع بذلك طفرة كبيرة في مجال صناعة السينما، ومن الأمور التي تتميز بها الأفلام المستخدم بها تقنية الثري دي ما يلي :
أولاً : المميزات بالنسبة للمتفرج :
بفضل تقنية الثري دي صارت مشاهدة الأفلام أكثر متعة وإبهاراً عن السابق، وذلك لعدة أسباب منها :
- تقنية الثري دي تجعل الصورة السينمائية أكثر قرباً للواقع، فأن المشاهد يرى كل شيء على الشاشة مُجسماً، ويصعب عليه الفصل بين ما هو حقيقي وبين ما أضيف بفعل المؤثرات والخدع السينمائية.
- تقنية الثري دي تضع المشاهد في قلب الحدث، فبفضل التجسيم والصورة الثلاثية الأبعاد ينعدم دور الوسيط، أي أن المشاهد لا يشعر بأنه أمام شاشة تنقل صوراً إليه، بل أنه يهيء له بأنه جزء من الحدث الدائر أمامه، وبالطبع ذلك من الأمور التي تجعل مشاهدة الأفلام أكثر متعة، خاصة الأفلام المنتمية لإحدى التيمتين الرعب أو الإثارة.
- يمكن إضافة تجربة المشاهدة بواسطة تقنية الثري دي لقائمة المميزات، فالإنسان بطبعه يهوى خوض التجارب المختلفة خاصة غير المألوف منها، واستخدام نظارات الثري دي لا يزال من الأمور المستحدثة، ومجرد مشاهدة الأفلام بواسطتها تعد تجربة فريدة، ستحقق متعة إضافية بجانب المتعة التي ستتحقق من متابعة الفيلم.
ثانياً : المميزات بالنسبة للمخرج :
تقنية الثري دي وما صاحبها من تطور تقني شامل في صناعة الأفلام، لا يحقق المتعة للمتلقي وحده بل ولصناع السينما أيضاً، فالمخرجين المعاصرين هم الأسعد حظاً كونهم حظوا بمميزات تقنية الثري دي ،التي سهلت مهمتهم وحسنت جودة إنتاجهم :
- الشريط السينمائي المُعد للعرض بـ تقنية الثري دي ،عادة ما تتسم صورته بالنقاء وتكون خالية من العيوب، بعكس الشرائط الاعتيادية ذات الجودة الأقل، والتي كان يمكن معها ملاحظة هَزّات طفيفة بالكادر أو خدوش على الشاشة أثناء المشاهدة.
- تقنية الثري دي تعد بمثابة العنصر المُتمم لعملية الإبهار السينمائي البصري، ففي عالم السينما لم يعد هناك ما يمكن وصفه بالمستحيل، فمع تقنية الثري دي وتطور أعمال الخدع والمؤثرات، أصبح بإمكان المؤلف أن يذهب بخياله إلى ما يريد، وبإمكان المخرج تحويل هذا الخيال إلى صورة مرئية جذابة، حتى ولو تطلب الأمر التصارع في الفضاء أو تدمير مدن كاملة، مثال على ذلك رائعة المخرج زاك سنايدر Man of steel، الذي تم عرضه في عام 2013 بـ تقنية الثري دي
- استمتاع المشاهد هو الهدف الأول الذي ينشده صناع السينما بشكل عام، وكون تقنية الثري دي تزيد من درجة استمتاع المشاهد، فيمكن اعتبار ذلك إحدى فوائد التقنية المتطورة بالنسبة لصانعي الأفلام.
تابع الى الجزء الثاني : انتشار تقنية الثري دي
انتشار تقنية الثري دي :
يرى البعض أن تقنية آيمااكس المُستخدمة في عرض الأفلام السينمائية، تأثيراتها الإيجابية تفوق تلك التأثيرات الناتجة عن استخدام تقنية الثري دي ،وقد يكون هذا حقيقي بالفعل، فأن آيماكس قد صدرت في وقت لاحق على تقنية الثري دي ،وبالتالي فأنها بالتأكيد أكثر تطوراً وتقدم متعة أكبر للمشاهد، إلا أنه يجب ألا نغفل النقطة التي تتميز بها تقنية الثري دي ،ألا وهي انتشارها السريع وتمكنها من التوفر للجماهير بمختلف البلاد..
تقنية آيماكس تقدم للجماهير صورة سينمائية أكبر حجماً وأكثر دقة وبأعلى جودة، إلا أن توفرها يتطلب قاعة عرض سينمائي ذات موصفات خاصة، فبداية الآيماكس تحتاج إلى شاشة عرض بمساحة 22م عرضاً و16م طولاً، بجانب آلات عرض معينة ونظام صوتي مجسم، أما تقنية الثري دي فاستخدامها أقل تعقيداً من ذلك، فقد تتطلب شاشة عرض معينة ولكن بذات القياس العادي، بجانب نظارة ثري دي وهي رخيصة الثمن وتتوفر بدور العرض، ولذلك تقنية الثري دي هي الأكثر انتشاراً على مستوى العالم، متقدمة بفارق كبير على منافستها الأولى “آيماكس”.
تقنية الثري دي وبالعد الثالث :
ببساطة تقنية الثري دي تجعلنا نرى الفيلم دون وساطة الشاشة، أي أننا نشاهد الأجسام على الشاشة وكأنها أمامنا مباشرة، وذلك بفضل ما تمنحه تقنية الثري دي للصورة من عمق وتجسيم.. ففي الماضي حين كنا نشاهد الأفلام كنا نشاهد بعيدن فقط، البعد الأول هو بعد الطول والثاني بعد العرض، ثم جاءت تقنية الثري دي لتضيف البعد الثالث وهو العمق، وهذا سر تسميتها بتقنية العرض السينمائي ثلاثي الأبعاد، وبذلك أصبحت الصورة السينمائية أشبه بالصور الحقيقية.
تكوين الصورة في المخ :
تقنية الثري دي أولاً وأخيراً ما هي إلا خدعة بصرية، فشريط السينما نفسه لا يحمل إلا صور عادية ثنائية الأبعاد، وهذا ما سندركه إذا شاهدنا أحد الأفلام دون الاستعانة بنظارة الثري دي الخاصة، أما مع النظارة فأن هذه الصور الثنائية تتحول إلى ثلاثية الأبعاد وتكتسب عمقها وتجسمها.. كيف يحدث ذلك؟!
مبتكروا تقنية الثري دي اتبعوا في صنعها طريقة عمل العين البشرية، فأننا لا نرى نفس الصورة بكلتا العينين، وإنما تكون هناك بعض الفروقات الطفيفة، حيث أن كل عين تلتقط الصورة ذاتها من زاوية مختلفة نسبياً عن الأخرى، ونتيجة لذلك يستقبل المخ في كل مرة صورتين مختلفتين، يقوم بدمجهما معاً مكوناً الصورة الطبيعية المجسمة ذات الأبعاد الثلاثة، وشريط السينما الذي يُعد بواسطة تقنية الثري دي ،يحمل صورتين مختلفتين نسبياً لهما ألوان متباينة، والمشاهد يرتدي تلك النظارة الخاصة المسئولة عن فصل الصورتين، حيث كل عدسة من عدسات النظارة تستقطب صورة معينة من الصورتين، ومن ثم فأن المشاهد طوال مدة الفيلم يشاهد صورتين دون أن يدري، إذ أن هاتين الصورتين يتم دمجهما داخل المخ في صورة واحدة، ومن ثم يتخلق التجسيم بفعل تقنية الثري دي ،فيبدو للمشاهد أنه يشاهد أجساماً حقيقية ثلاثية الأبعاد كتلك التي يشاهدها في الطبيعة.
تقنية الثري دي والكاميرا الخاصة :
يعتقد البعض أن الشريط المُعد ليعرض بـ تقنية الثري دي ،يتم إكسابه هذه الخاصية من خلال إجراء عمليات المونتاج والمعالجة، وهو اعتقاد ليس بالخاطيء لكنه في ذات الوقت يشوبه شيء من القصور، حيث أن إخراج منتج سينمائي ينتمي لعالم الثري دي، يتطلب إعداداً خاصاً يسبق مرحلة المونتاج بكثير، فمنذ بداية تصوير العمل لابد من استخدام كاميرا خاصة بـ تقنية الثري دي ،حيث أنها تحتوي على عدستين المسافة بينهما بسيطة تماثل المسافة بين عيني الإنسان، ومن ثم فأن كل لقطة بالفيلم يتم تصويرها من منظورين مختلفين، وبالتالي عند دمجهما على شريط سينمائي واحد، ومشاهدتهما بواسطة أداة الفصل الممثلة في النظارة الثري دي، تنتج الصورة المجسمة المزودة بالبعد الثالث.
في بعض الأحيان تم تعديل نسخ الأفلام بـ تقنية الثري دي بعد انتهائها، ولكن بالطبع كانت الجودة أقل من الأعمال التي صورت من الأساس بالكاميرا الخاصة، ومثال على ذلك فيلم تيتانيك وفيلم الأسد الملك، اللذان أعيد عرضهم بالسينما مرة أخرى بـ تقنية الثري دي