ألوان الزهور هي من أجمل ما يمكن أن نشاهده على صفحة الطبيعة، ودائماً ما يتوقف أمامها البشر مشاهداً وشاهداً على روعة الخلق وإبداع الخالق، ولكن السؤال لماذا تمتلك ألوان الزهور متعددة وتختلف من نوع لنوع، وهنا يكون السؤال هل هذه الألوان يقتصر دورها على إضفاء اللمسة الجمالية على الزهور؟ أم أن دورها يمتد لما هو أكثر أهمية وعمقاً وحيوية من ذلك؟
ألوان الزهور .. كيف تتكون :
جميعنا نتوقف أمام ألوان الزهور وما تضفيه على الطبيعة من لمسة غاية في الجمال والرقة، قبل السؤال عن سر تعدد ألوان الزهور هذا وعدم خلقها على شاكلة واحدة، هو كيف تكتسب هذه الزهور هذه الألوان البديعة والمختلفة؟.. السر في ذلك يرجع إلى احتواء كل زهرة على مكون يعرف باسم البلاستيدات الملونة، وهي عبارة عن عضيات بروتوبلازمية منغمسة في غلاف من مادة السيتوبلازم، وتحتوي هذه البلاستيدات على ثلاث مركبات رئيسية كل منها مسئول عن إفراز لون محدد، فنجد الكاروتين مخول بإنتاج اللونين البرتقالي والأحمر أما الأصفر فهو لمركب الزانثوفيل والفايكوسيانين منتج للأزرق، ونتيجة لاختلاف نسب إنتاج هذه المواد تتكون ألوان الزهور المميزة.
ما هو تلقيح الزهور ؟
يعرفه علماء النبات مصطلح التلقيح ويعرف أيضاً بمصطلح التأبير وعلمياً هي “Pollination”، وكلا المصطلحين يشيرا إلى عملية واحدة تحدث بالنبات عامة وبطرق عدة، وذلك بهدف تكاثر النبتة وحفظ نوعها من الفناء والاندثار ومن ثم انقراضها للأبد، أي أن التلقيح ما هو إلا العملية الجنسية النباتية التي يحدث بموجبها تكاثر هذه النباتات، وتتشابه عملية التلقيح في مضمونها مع مختلف العمليات الجنسية التكاثرية الأخرى لدى مختلف الكائنات الحية، إذ تقوم على اتحاد خليتين جنسيتين مختلفتين لينتج عن حدوث ذلك الاتحاد بويضة مخصبة، هي النواة الأولى لتخليق كائن جديد من نفس النوع حامل لذات الخصائص، وتتم هذه العملية بأشكال مختلفة وطرق متعددة تختلف باختلاف أنواع الزهور، وتتحكم وتؤثر فيها مجموعة من العوامل المتباينة، فهي تعتمد في بعض الحالات على رائحة الزهور وخصائصها المختلفة، كما تعلب ألوان الزهور دوراً هاماً في إتمام عملية التلقيح وتكاثر النبتة وتوفر نوعها على الدوام.
كيف يتم التلقيح ؟
بعد التطرق إلى تعريف عملية التلقيح أو التأبير وقبل الانتقال إلى الدور الذي تلعبه ألوان الزهور في إتمام هذه العملية، فلابد أولاً من التعرف على آلية التلقيح التي تؤدي إلى تكاثر النبات وكيف تتم، وكما ذكر فإنها تقوم أساساً على اتحاد خليتين جنسيتين أي خلية ذكرية وأخرى أنثوية ينتج عنهما بويضة مخصبة، والخلية الذكرية في النبات تعرف باسم المآبر الذكرية وعلمياً تسمى مآبر الذكورة بـ anthers””، أما الشق الأنثوي فهو ما يعرف بمسمى مياسم الزهور أو المياسم الأنثوية المسماه “Igmates”، ويتم الإخصاب نتيجة انتقال حب الطلع “Pollen” من المآبر الذكرية إلى المياسم الإنثوية بأي وسيلة كانت، أي أن يمكننا القول بأن حب الطلع هو أشبه ما يكون بالسائل المنوي لدى ذكور الثديات وبعض الأسماك، وعملية انتقال حب الطلع هذه يمكن تتم بأكثر من طريقة، قام علماء النبات بتقسيم هذه الطرق إلى شقين أساسيين هما :
أولاً : التلقيح الذاتي :
التلقيح الذاتي في النبات يعني إحداث عملية الإخصاب داخل النبات دون الاستعانة بأي عامل خارجي، ويكون ذلك في الأزهار التي تعرف علمياً بمسمى الأزهار الخنثى، أي تلك التي تحتوي على حبوب اللقاح “حب الطلع” وكذا تنضج عليها المياسم الأنثوية، ومن أشهر النباتات التي يتم تلقيحها ذاتياً بهذا الأسلوب الخيار والعنب والطماطم، وكذا زهرة البربريس التي يتم فيها انطباق الناضج من الأسدية على الميسم الأنثوي بالزهرة ذاتها ليلقحها، وفي هذا النوع من أنواع التلقيح يتم بغض النظر عن الشكل الظاهري للزهرة، فـ ألوان الزهور وروائحها وكافة خصائصها الظاهرية لا تتدخل في عملية التأبير المباشر أو التلقيح الذاتي.
ثانياً : التلقيح الخارجي :
النوع الثاني من أنواع التلقيح هو ما يُعرف باسم التلقيح الخارجي، أو تلقيح النباتات من خلال الاستعانة ببعض العوامل الخارجية، ويستحيل حدوث عملية التلقيح وإتمام الإخصاب وإنتاج البويضة الحاملة للنوع، إلا إذا توفرت هذه العوامل الخارجية التي قد تكون متمثلة في الرياح أو الماء الجاري أو الحشرات، وأنواع الزهور التي تتبع هذه الطريقة في تلقيح مآبرها لمياسمها لا تكون مخنثة، بل تكون كما هو الحال في الغالبية العظمى من أنواع الكائنات الحية منقسمة إلى جنسين، هناك زهور حاملة الصفات ذكرية وزهور -من ذات النوع- تحمل الصفة الأنثوية، ويقتصر دور العامل الخارجي في هذه الحالة على نقل حب اللقاح من جنس الزهور الأول إلى النوع الثاني، و ألوان الزهور لها دور محوري وفعال في إتمام عملية التلقيح في هذه الحالة، خاصة بالنسبة لأنواع الزهور التي تعتمد على الحشرات المختلفة في إحداث التلقيح والإخصاب.
الحشرات وتلقيح الزهور :
النسبة الغالبة من الزهور المتبعة لأسلوب التلقيح الخارجي في التكاثر على الحشرات، إذ أن هذه الحشرات نتيجة لتنقلها الدائم بين مختلف الزهور من ذات النوع، تساعد في نقل حب الطلع من الزهور الذكرية إلى الزهور الأخرى الأنثوية، ومن ثم يكون قد تمت عملية التلقيح لتبدأ المرحلة التالية المتمثلة في الإخصاب وإنتاج بويضة مخصبة حاملة لخصائص الزهرة، وهنا تكون لـ ألوان الزهور دول حيوي وفعال بل ومحوري لإكتمال هذه العملية بشكل صحيح، ومن أمثلة الحشرات الناقلة لحب اللقاح من هذا إلى ذاك الفراشات بأنواعها، وبالطبع النحل الذي يتوافد على الزهور طمعاً في رحيقها لإنتاج العسل، وحشرات الزهور ليست دائماً من الحشرات النافعة كما هو شائع، بل أن بعض الزهور تعتمد في إحداث عملية تلقيحها على الحشرات الضارة مثل الذباب والخنافس، والأمر لا يتعلق بطبيعة الزهور وحدها بل وطبيعة الحشرة أيضاً، حيث أن الهندسة الجسدية والطبيعة الجسمانية لهذه الحشرات مصممة بالشكل الذي يسمح لها بحمل حب الطلع ونقله.
ألوان الزهور وجذب الحشرات :
ذكرنا أن التلقيح الخارجي يعتمد أساساً على انتقال حب الطلع بواسطة الحشرات، وبديهياً فأن تعدد أنواع الحشرات يقابله تعدد في أنواع الزهور، أي أن ليست أية حشرة قادرة على حمل حب طلع أية زهرة، فكيف تتعرف كل حشرة على نوع الزهرة التي تمتص رحيقها؟.. الإجابة أن الحشرات تتعرف على أنواع الزهور التي تناسبها بسبب ما تحمله هذه الزهور من عوامل جذب، وعوامل جذب الزهور تتمثل في روائحها المميزة وكذا ألوان الزهور لها دور هام في تحديد الحشرات لها، ومن هنا يمكننا تبين حكمة الله -عز وجل- في تعدد ألوان الزهور وكذا اختلاف روائحها النفاذة، وغالبية هذه الزهور تكون كبيرة الحجم نسبياً لتتمكن الحشرات من الوقوف عليها، ويطلق العلماء مسمى عام لمختلف هذه الحشرات وهو الأزهار أليفة الحشرات.
من أمثلة الحشرات المنجذبة إلى ألوان الزهور الحشرة الطنانة، والتي تتمكن من تمييز زهور النفل الاسترالي عن طريق لونه ورائحته، ومن ثم تقف عليه الحشرة الطنانة لامتصاص رحيقه فيعلق بها حب الطلع، وحين تنطلق إلى الزهرة الأنثى من ذات النوع تنقله إليه فيتم التلقيح، كذلك النحل والذي تربطه علاقة وطيدة بعالم الزهور والنباتات، والنحل متعدد الأنواع وكل نوع منه ينجذب إلى نوع محدد من الزهور بسبب لونه ورائحته، وعلى سبيل المثال فأن أزهار الفانيليا في أمريكا الجنوبية والمكسيك يتم تلحقيه بواسطه نوع معين من أنواع النحل.