جوان رولينج هي واحدة من سيادات المجتمع الانجليزي، وواحدة من أشهر وأنجح الكتاب حول العالم، وعضوة عدد من الجمعيات الخيرية ومؤسسة “صندوق فولنت الائتماني الخيري”.. كل هذا ما هو إلا نهاية قصة بدأت قبل 50 عاماً، وثمرة رحلة كفاح طويلة تحملت جوان رولينج مشقتها، وتحاملت على نفسها كثيراً كي تصبح ما هي عليه.
رحلة جوان رولينج :
في 31 يوليو 1965م حين وضع السيدة آن رولينج ابنتها الأولى جوان، لم تكن تعلم إنها انجبت للعالم إحدى أشهر كاتبيه!.. بل أنها لم تمنح الاهتمام الكافي لموهبتها، التي بدأت تظهر من خلال سرد جوان رولينج للقصص لشقيقتها الأصغر من وحي خيالها، وقصة قصيرة بعنوان “أرنب” كتبتها وهي في سن السادسة.. وحين التحقت جوان رولينج بالجامعة عملت بنصيحة والدها، وجعلت من الكتابة الروائية مجرد هواية هامشية، وتخرجت من جامعة إكستر بعد أن درست اللغة الفرنسية، ثم بدأت حياتها العملية بالحصول على وظيفة سكرتيرة بالعاصمة لندن، وهنا ظن المحيطون بها بأن هذه هي نهاية المطاف، لكن بالنسبة لها هي لم تكن سوى البداية.
جوان رولينج وهاري بوتر :
في عام 1990م استقلت جوان رولينج القطار بمانشيستر متوجة إلى لندن، ولسوء حظ كافة الركاب وحسن حظها هي، أن القطار عَلِق بوسط الطريق لمدة 4 ساعات تقريباً، قضاهم المجاورين لها إما في النوم أو الثرثرة، بينما جوان رولينج ظلت يقظة، تجمع الأفكار المبعثرة داخل رأسها كقطع البازل، وحين وصل القطار إلى محطته التالية كانت هي قد أكلمت جمع القطع، صانعة في خيالها الصورة الأولية للصبي الساحر هاري بوتر.
توفت والدة جوان رولينج وانفصلت عن زوجها بعد زواج دام لعام واحد، فاصطحبت رضيعتها وسافرت إلى إسكتلندا لتقيم مع شقيقتها، ولم تنجح هناك في الحصول إلا على عمل ذو راتب زهيد، حتى أنها كانت أحياناً لا تستطيع سداد قيمة فاتورة الكهرباء، وكانت تقتصد في احتياجاتها لتوفر المال لمتطلبات رضيعتها، ووسط كل ذلك كانت جوان رولينج مصممة على هدف واحد، هو استغلال كل ثانية تنامها الرضيعة لتنهي هي أولى روايات هاري بوتر.
رفض الرواية والاسم :
(مرفوض) هي الكلمة التي سمعتها جوان رولينج لمدة عام، 12 دار نشر إنجليزية تتقدم لهم بالرواية فيرفضون نشرها، وبالنسبة لها لم يكن أمامها سوى حل واحد، هو التوجه بالرواية إلى الدار رقم 13؛ فهي لا تعرف اليأس ولا تستسلم لإحباط، وهذه المرة قبلت دار “بلومبسري” نشر الرواية لكن بدون وضع اسمها عليها، فالناشر تخوف من وضع اسم امرأة على رواية تدور في عالم السحر والرعب، فاكتفت جوان رولينج بوضع الأحرف الأولى فقط، وتم طرح الرواية بالمكتبات تحت اسم J.K. Rowling مقابل 1500 جنيه استرليني فقط!
الصدمات تتوالى :
نشر الرواية لم يكن بداية الطريق الحريري، بل كان مجرد خطوة أولى على طريق المصاعب، فحفل التوقيع الأول لـ جوان رولينج لم يحضره سوى 4 قُراء، حتى أن العاملين بالمكتبة اجتمعوا حولها ليشجعونها ويعفونها من الحرج، وبطبيعة الحال كانت نسبة مبيعات الرواية منخفضة جداً.. وهذه لم تكن نهاية صدمات جوان رولينج ،فبعد وقت قصير فوجئت بحملة شرسة ضدها من رجال الدين المحافظين، بحجة أن أجواء السحر المسيطرة على الأحداث تخالف الدين، وحاولت الحكومة المحلية احتواء الموقف بسحبها نسخ الرواية من المكتبات التابعة لها.
الانطلاق :
بدون مقدمات فوجئت جوان رولينج بناشر أمريكي يطلب شراء حق توزيع روايتها، مقابل 150 ألف دولار أمريكي، وبهذا المبلغ استطاعت جوان رولينج التحرر من قيود وظيفتها، وتفرغت بشكل كامل لاستكمال الجزء الثاني من قصة هاري بوتر.. وبعد بضعة أشهر تم طباعة ألف نسخة أخرى من روايتها، بسبب زيادة الطلب عليها بعد حصولها على الجائزة الذهبية بمسابقة سمارتيز للكتاب، الأمر الذي دفع شركة وارنر براذر لشراء حقوق القصة لتحويلها إلى فيلم سينمائي، الذي بلغت إيراداته عند طرحه بدور العرض حوالي 125 مليون دولار، ليُصبح بعد ذلك هاري بوتر أسطورة وأحد أشهر الشخصيات الأدبية في التاريخ، ويتحول إلى علامة تجارية تقدر بـ15 مليار دولار أمريكي.