يوسف بن تاشفين الصنهاجي تولى إمارة دولة المرابطين بعدما تنازل له أبو بكر بن عمرو لخروجه للجهاد في وسط وغرب إفريقيا، ويعتبر عبد الله بن ياسين هو مؤسس دولة المرابطين حيث أنه قد قام بنشر روح الإسلام وثبت دعائمه في قبيلة لمتونه الصنهاجية التي كانت بعيدة كل البعد عن أخلاقيات الدين الحنيف، ولكن توفى عبد الله بن ياسين مجاهدًا وترك الأمر لأبو بكر الذي لم يقدر على تحمل عبء الدولة على عاتقيه فخرج للجهاد وترك الإمارة للقائد العظيم يوسف بن تاشفين، فكانت الدولة في عهده هي الأعظم والأقوى وقد بلغ جيش المرابطين خمسمائة ألف جندي وهو عدد كبير للغاية وقتها، وذلك لأن بن تاشفين كان يهتم بالجانب الجهادي لحماية الدولة من السقوط على يد الأعداء أو المنافقين والخائنين، فكان بن تاشفين أجدر القادة وأعظمهم في الإسلام وقتها فقد كان يتفقد الرعية ويحفظ البلاد ويجود على الفقراء والمساكين زاهدًا عادلًا لدرجة أن المساجد والجوامع الأندلسية خطبت عنه فيما يقرب من الألفي مرة على منابرها.
مناداة يوسف بن تاشفين بالأمير من قبل بن عباد الأندلسي
أثناء حكم ملوك الطوائف في الأندلس كانت البلاد مشتتة وعبارة عن مدن مستقلة بعضها عن بعض، وينظر كل حاكم منهم إلى نفسه نظرة أمير المؤمنين وهو في نفس الوقت يكره الخير للمدن الإسلامية المجاورة، بل ومن الممكن أن يتحد مع الأعداء لكي يأخذ مدينة إسلامية يتقاسمها مع الصليبيين، ونظرًا للحروب التي كان يشنها ألفونسو السادس حاكم قشتالة وليون استنجد القائد المعتمد بن عباد بأمير دولة المرابطين يوسف بن تاشفين، وبن عباد هذا كان حاكم مدينة إشبيلية وغرناطة وتلك المدينين كانتا من أهم المدن الإسبانية ولذا حاول ألفونسو تهديد بن عباد وتخويفه من ما سيلقاه عند اقتحام المدينتين، ولهذا جاء في رسالة بن عباد اعترافًا شبه رسمي بإمارة بن تاشفين على مسلمي الأندلس حيث قال يا أمير المؤمنين أنت سيد المغرب العربي أجمع ولديك جيوش لا قبل للمشركين بها، ونحن ضعفاء ومشتتون ولا نقدر على مواجهة الصليبين الذين يتربصون بنا في كل جانب، أناشدك بالدخول للأندلس وإنقاذ الإسلام من الاندثار وردع هذا الكافر الغاشم، وهنا يتضح لنا مناداة أهل الأندلس للقائد يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين وهذه هي أولى الخطوات في تثبيت اللقب على بن تاشفين.
انتصار يوسف بن تاشفين الساحق في موقعة الزلاقة
استجاب القائد يوسف بن تاشفين لنداء الوالي المعتمد بن عباد وهب لنصرة الإسلام وإحياء الشريعة الإسلامية في بلاد الأندلس، فأمر بجمع أحدث الأسلحة الموجودة بالأندلس وتجهيز جيوش المرابطين على أكمل وجه، وقد اتفق بن تاشفين مع المعتمد بن عباد على تسليمه منطقة الجزيرة الخضراء لكي بتحكم في الحدود الجنوبية لبلاد الأندلس، وذلك لأنها متصلة بالمغرب والعربي ويمكن الوصول إليه إذا ما تعرض الجيش الإسلامي للهزيمة أو النصر في كلا الحالتين يستطيع الدخول والخروج من الأندلس بكل سهولة ويسر، وقد وافق بن عباد على ذلك وأعطاه ما أراد وقام القائد يوسف بن تاشفين بتسيير جيوشه إلى الجزيرة الخضراء في سرية وعلى شكل سرايا تتمركز في مكان خفي، ثم خرج بن تاشفين إلى الأندلس مستعينًا بالله ويهدف لنصرة الإسلام وأخوته المسلمين في الأندلس بعدما ازدادت قوى الشر وأصبح يلاحق الإسلام في الشرق والغرب في الأندلس والقدس.
وهكذا دخل بن تاشفين الأندلس ونظم جيوشه وأنضم إليه جيش بن عباد وجيش بن بلقين وجيش بن ذي النون وجيش تميم وجيش بن صمادح كلهم في معسكر واحد وتحت راية القائد المغوار يوسف بن تاشفين، ودخل المسلمون الحرب في الثاني عشر من رجب عام أربعمائة وتسع وسبعين هجريًا وكانت من أشد المعارك التي جرت على الأراضي الأندلسية، فقد سميت الزلاقة نتيجة الدماء الغزيرة التي كانت على ساحة المعركة فكان ينزلق فيها الجنود من كثافتها، وفي الأخير انتصر الجيش الإسلامي وعلت راية الإسلام والمسلمين في الأندلس بفضل الأمير يوسف بن تاشفين ولذا عده المسلمين أمير المسلمين.
توطيد الحكم الإسلامي في شرق الأندلس
كان شرق الأندلس يعاني الكثير من التمرد والعصيان من قبل المسيحيين الموجودين به وما ساعدهم على ذلك أكثر هو القائد ألفونسو السادس، حيث أن هذا القائد كان يساندهم دومًا ويمدهم بالسلاح والرجال لكي يخرجوا ثائرين ضد الحكم الإسلامي، وهنا خرج القائد يوسف بن تاشفين إلى الأندلس مرة أخرى لكي يضبط الأوضاع ويقضى على هذا القائد الشرس ويخمد الثورات القائمة في البلاد،
بناء على طلب أعيان ومشايخ المغرب
نظرًا لكثرة الإنجازات التي حققها قائد دولة المرابطين يوسف بن تاشفين في المغرب العربي والأندلس تحدث معه أعيان ومشايخ المغرب يطلبون منه أن يتلقب بأمير المؤمنين، في البداية رفض بن تاشفين هذا الطلب رفضًا قاطعًا وقال إن لقب أمير المؤمنين هذا لا يتلقب به إلا من كان من سلالة بني العباس فهم من نسل النبي وأله الأخيار، أما هو فهو أمازيغي حر تحت إمارة بني العباس ولكن الشيوخ أصروا على هذا الأمر حتى أعاد بن تاشفين التفكير في الأمر مرة أخرى، فعرضوا عليه أن يتسمى بأمير المسلمين وليس أمير المؤمنين مخالفة للقب خليفة الدولة العباسية حتى لا يتشاركان في الأمر ويحدث أي خلاف، فقرر بن تاشفين عد الموافقة على الأمر إلا بعد أخذ الأذن من الخلافة العباسية التي كانت في يد الخليفة أحمد المستظهر بالله.
فأرسل إليه رسالة مع اثنين من أمراء الأندلس واثنين من ولاة المغرب العربي واستسمحا الخليفة في أن يعطي لوالي المغرب وقائد دولة المرابطين التابعة للخلافة العباسية لقب أمير المسلمين، فوافق المستظهر بالله على ذلك وأرسل إليه التقاليد والخلع ومنذ ذلك الوقت أي في منتصف شهر محرم من العام السادس والستين من القرن الخامس الهجري أصبح اللقب الرسمي ليوسف بن تاشفين هو أمير المسلمين وناصر الدين.
القضاء على الانحراف العقائدي في المغرب من قبل يوسف بن تاشفين
من الأسباب الهامة التي ساعدت على تلقيب القائد يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين هو قضاءه على الانحراف العقائدي والفكر الشيعي في بلاد المغرب العربي كلها، حيث أنه وكما نعرف كانت بلاد المغرب تعج بالمنحرفين عن الدين الإسلامي الحنيف فهم مسلمون ظاهريًا فقط وأفعالهم تناقض هذا الإسلام، بجانب أن الفكر الشيعي قد انتشر بشكل كبير للغاية ومنه انتقل إلى مصر وتأسست الدولة الفاطمية، وبعدما استتبت الأوضاع لدولة المرابطين بدء بن تاشفين في مواجهة الفرق الخارجة عن المنهاج النبوي فكان يأمرهم بالعودة إلى الصلاح ويرسل إليهم الفقهاء والوعاظ حتى عاد إلى رشده الكثيرين منهم، ومن بقى على فكره الخاطئ وحاول تشويه الإسلام تم قتله حتى لا تأتي أجيال أخرى من نفس هذا القبيل، ولذا ينسب إلى بن تاشفين أنه موحد المسلمين وجامع شملهم ورايتهم تحت الفكر السني الصحيح.
الكاتب: أحمد علي