حديثنا في هذا المقال حول وسامة الممثلين وأثرها في نجوميتهم وهل هي سبب لشهرتهم بالفعل أم لا؟ حيث منذ اختراع فن السينما نهايات القرن التاسع عشر ومع تطوره وانطلاقته الحقيقية منذ عشرينيات القرن الماضي في العالم بأكمله ونلاحظ الحرص الدائم على أن يكون الأبطال دائما سواء كانوا ذكورا أم إناثا على قدر من الوسامة والجمال، ولابد أنهم يتمتعون بالجاذبية اللازمة لكي تجعلهم أبطالا، ونحتفظ باستثناءات لهذه القاعدة ولكن لو نظرنا للأبطال السينمائيين على مدى تاريخ السينما خصوصًا في أفلام الدراما سنجد أن القاعدة العامة أن يكونوا على قدر من الجمال والوسامة، فلم الإصرار على هذه الطريقة في العالم أجمع وعلى مر التاريخ؟ هذا ما سنتحدث عنه في السطور القادمة حول أسباب وضع وسامة الممثلين على قائمة الأولويات للنجومية.
جذب الأنظار على الشاشة
هناك أسباب إنتاجية بالطبع للاتجاه نحو وضع وسامة الممثلين كقرينة لنجوميتهم واختيارهم لأداء أدوار البطولة، وهي جذب الأنظار على الشاشة حيث يبهرنا الشيء فائق الجمال على الشيء العادي وبالطبع أنت لا تقدم على مشاهدة الفيلم ما لم ترى فيه شيئا مبهرا، بجانب العناصر الأساسية للفيلم من قصة وإخراج وتصوير وموسيقى إلا أن العنصر الأهم في عناصر الفيلم السينمائي هو عنصر البطل، ما لم يكن البطل وسيما فإنه سيكون هناك صعوبة أكبر بإقناع المشاهدين بالإقبال على الفيلم، أما اختيار البطل الوسيم سيسهل المهمة وسيحد من صعوبتها.
الملصق الدعائي
دائما ما تقترن وسامة الممثلين بالدعاية للفيلم لذلك الملصق الدعائي أو المقطع الإعلاني الذي يحتوي على ممثلين وسيمين أو ممثلات جميلات سيكون له الفرصة أكبر في توصيل رسالته وإقناع المشاهد بالإقبال على دخول الفيلم أو مشاهدته، ألا نسمع بمصطلح “نجم الشباك” أي الشخص الذي يقبل الناس على مشاهدة أفلامه لمجرد أنه يمثل فيه فحسب، لو راجعنا الأمثلة التي ينطبق عليها هذا المصطلح لوجدنا أن الغالبية الساحقة تعود لأشخاص وسيمين أو لممثلات جميلات، ففي حوار مع الممثل المصري أحمد عز في العام 2003، والذي كان وقتها لم يتم بضعة أعوام في السينما لا تتجاوز الخمسة أعوام استطاع فيها أن يقوم ببطولة فيلمين ومسلسل في نفس الوقت الذي يحارب فيه الممثلين الآخرين الذين يفتقرون للوسامة المبهرة لمدة قد تصل لعشرين عاما حتى يستطيعوا القيام بدور مساعد بارز في فيلم ولنا في خالد صالح الممثل الموهوب عبرة – رحمه الله – حين ظل أكثر من 10 أعوام يمثل في أدوار صغيرة حتى أتته قبلة الحياة عن طريق دوره البارز والخالد في فيلم تيتو وظل بعدها نحو 7 أعوام أخرى حتى قام ببطولة فيلم، وفي الحوار السالف الذكر للمثل أحمد عز اعترف فيه أن وسامته كانت بوابته لدخول عالم السينما ولولاها لظل قابعا في الأدوار الصغيرة ككومبارس صامت، لذلك نحن نتحدث عن نماذج حقيقية بين أيدينا وهي قريبة منا إلى حد كبير.
السينما واقع معدل
في كثير من الحالات تكون وسامة الممثلين دافعا للإقبال على الفيلم ولكن من ناحية نفسية، الكثير من النقاد يجمعون على أننا نذهب إلى السينما كي نرى أنفسنا في الفيلم، كي نرى انعكاس واقعنا ملخصا في ساعتين، وكلما ازدادت نقاط التماس بينك وبين الفيلم المعروض أمامك على الشاشة كلما أحببته أكثر وأكثر وكلما استدعيت مشاهد ولقطات منه في حياتك الواقعية، لذلك أنت تشعر أن هذا البطل يمثلك، لا يقوم الممثل بتمثيل الشخصية بل بتمثيل كل مشاهدي الفيلم وأداء أدوارهم في الواقع، ولأننا في الواقع لا نرضى عن مظهرنا الخارجي ونرغب بالتعديل نوعا ما في أشكالنا فإننا نود أن يكون الشخص الذي يمثلنا أجمل قليلا، أكثر وسامة، أكثر جاذبية، لا نود أن نظل بهذه الاعتيادية أيضًا على الشاشة، بل أن نصبح أجمل، أنحف، ألطف، لذلك حينما نقول أن السينما واقع معدل، أو السينما هي الحقيقة ولكن بإضفاء بعض الرتوش فإن وسامة الممثلين هنا واجبا وله أهمية نفسية في نفوس المشاهدين، حيث يمكن أن يكون البطل فقيرا ومعدما ويعبر عن الكثير من المشاهدين ولكنه وسيما، يمكن للفتاة الجميلة جدا أو الباهرة الحسن أن تسكن في حي فقير وتعمل في مشغل نسيج أو في متجر ملابس، يمكنها أن تعمل في خدمة العملاء أو في المبيعات، مثلها مثل أي فتاة أخرى، ولكنها تظل جميلة، بل باهرة الحسن، هذا يبطل نظرية أن الأشخاص الوسيمين ليسو بالضرورة ينتمون لمستويات اجتماعية راقية، بل يمكن أن يكونوا مثلنا وشبيهين لنا ومن نفس مستوانا أيضًا.
وسامة الممثلين للإيهام بعدم واقعيتهم
هناك نتيجة تخرج من الحرص وسامة الممثلين وتلميعهم بشكل زائد وهو إيهام الجماهير بأنهم أشخاص غير واقعيين أو أنهم ليسو بالأشخاص الذين يمكن أن تقابلهم في الشارع وهذا بالطبع له أهداف إنتاجية، فإنني لن أذهب لمشاهدة شخص عادي في السينما ولن أقتنع بدور يؤديه إنسان مثلي، يجب أن يتم إقناعك أن هؤلاء الأشخاص فوق مستوى البشر بقليل أو أنهم مميزون عن رجل الشارع العادي ولعل الممثلون أنفسهم يجدون أنهم يجب أن يتعاملوا بهذا الشكل فقلّما تجد ممثلا يجلس في مقهى متوسط أو مطعم مزدحم، وإن صادفتهم فإنك لا تكاد تصدق نفسك وتذهب لتتصور معهم وتري أصدقاءك الصورة أو تنشرها على شبكات التواصل وذلك كله لأنه في لا وعيك لا تقتنع أنهم أشخاص مثلي ومثلك، وبالتالي لن تقتنع بهذا إن كان هؤلاء الأشخاص على قدر محدود من الوسامة أو مظهرهم الخارجي يبدو مثل البشر المعتادين.
إضفاء مصداقية على الحكاية
من نتائج وسامة الممثلين أيضًا إضفاء المصداقية وهذا ساري أكثر عند الممثلات، فلا شك أن الفتاة التي يريد البطل أن يتزوج منها بكافة الوسائل وشتى السبل أن تكون على قدر من الجمال يؤهلها لأن يصدقها المشاهدون، فليس من الطبيعي أن يحارب البطل كل العالم ويحاول تذليل العقبات من أجل الزواج من فتاة عادية أو على قدر محدود من الجمال، هذا يحدث في الواقع، الفتاة التي تريد الزواج منها وتقف ضد رغبة أهلك ولكنها ليست جميلة جمالا باهرا تجد أن الأشخاص ينتقدون اختيارك بأنها ليست جميلة للدرجة التي تبرر إصرارك عليها بكل هذا القدر، ولأن السينما هي مرآة الواقع فبنفس الشكل لا يمكن أن يكون الأبطال غير وسيمين ولا البطلات غير جميلات حتى يكتسبوا المصداقية ويقنعون المشاهدين بأنهم جديرون بتصديقهم وبالتالي تصبح وسامة الممثلين من عناصر إحكام الحبكة الدرامية من أجل إضفاء المزيد من المصداقية عليها.
إكساب التعاطف مع الأبطال
لا ريب أننا نتعاطف مع الأشخاص الأكثر وسامة وجمالا، هذا بطبيعة الحال وليس في السينما فحسب بل في الحياة المعاشة أيضًا وهناك عدة أمثلة تدعم هذه الفرضية ولكن مثلا.. إن أشارت أصابع الاتهام بقضية إلى شخص وسيم وبهي الطلعة فإن هناك موجة من التشكيك تحدث في ارتكابه للجريمة معتمدين فقط على مظهره ولعل هناك اهتمام مثلا بمجني عليه وسيم بينما لا يعير أحد الاهتمام لشخص غير وسيم، كذلك من أجل إكساب التعاطف مع البطل يجب أن يكون وسيما تماهيا مع الواقع ومع أمزجة الناس وطبائعهم، وقد حاولت أفلام ثورية تغيير هذه الصورة النمطية في أفلام مثل “الرجل الفيل 1980” أو “الميل الأخضر 1999” وحاولت إيصال رسالة أنه ليس بالمظهر يجب أن يقيّم الإنسان حتى العشاق في الأفلام مثلا فشارلي شابلن شخص بائس وصعلوك لذلك حينما يقع في الحب فإنه يظل بائسا وصعلوكا، وودي آلن في فيلمه البارز “آني هول” لا يجد نفسه في علاقة عاطفية سوية بل في علاقة بائسة تنتهي بنهاية مأساوية بسبب مظهره الدميم وابتعاده عن مفهوم الوسامة، ولقد غزت المسلسلات التركية في فترة من الفترات البيوت العربية جميعها وصارت حديث الساعة بسبب وسامة الممثلين فيها وجمال الممثلات الطاغي، لذلك وسامة الممثلين سببا في إكساب التعاطف معهم في الأفلام.
لفت الجمال لأنظارنا
كما ضربنا مثالا بالمسلسلات التركية في الفقرة السابقة للتدليل على أن وسامة الممثلين سببا في إضفاء المصداقية وجلب التعاطف مع الأبطال ذلك لسبب باطني وهو أن الوسامة والجمال يلفتون نظرنا بشكل خاص وقد كنا نعلم جميعا خلو معظم هذه المسلسلات من المحتوى الجيد بل كانت لا تعد مجرد حكايات مسلية لأشخاص يشعرون بالفراغ والملل ليس إلا ولكنها اكتسبت كل هذا الاهتمام بسبب الوسامة الطاغية والجمال الفتان للأبطال مما أدى إلى التفات الناس إليهم وجذب انتباههم بطريقة غير مسبوقة، ولعلنا نعرف قصة أحمد زكي ذو الملامح السمراء والجسد النحيف مع فيلم الكرنك حينما رفض المنتج تكليفه ببطولة الفيلم بسبب هيئته وملامحه وكلف بدلا منه نور الشريف، ولعل شخص مثل حسين فهمي لم يكن ليصبح نجم شباك ما لم يكن رمزا للوسامة في الدول العربية، ولعل جمال الممثلات السوريات كان بطاقة مرور للدراما المصرية التي يشاهدها كل العرب ولعل ليوناردو دي كابريو الذي لا نختلف بالطبع على موهبته لو لم يتم اختياره في فيلم تايتانيك بسبب وسامته ما كان وصل لكل هذا القدر من النجومية.
تأثرنا بالحكايات التي بها أشخاص وسيمون
حتى في الحكايات الفلكلورية ومن قبل السينما الشاطر حسن لو لم يكن وسيما مع فقره لم يكن مقنعا لست الحسن، ولو لم تكن “ست الحسن” باهرة الجمال بالفعل ما كانت ستصبح بطلة وكانت تداعت القصة من أساسها، علاء الدين ستبهره فتنة وجمال الأميرة ياسمين لذلك سيسعى وراءها والأميرة شهرزاد كانت رغم حكمتها ودهائها وامتلاكها لمهارة القص الذي استطاع أن يعطل الأمير شهريار عن ذبحها لألف ليلة وليلة ما كانت ستصبح هذه الليالي التي أصبحت من تراث الإنسانية، ولا ريب أن العديد من القصص احتوت على أشخاص لا يتميزون بالوسامة أو الجمال ولكنها ذهبت طي النسيان لأننا بطبيعة الحال نتأثر بقصص الوسيمين ونتفاعل مع حكايات الجميلات، لذلك وسامة الممثلين لها جذر ثابت في أذهان الناس وليست وليدة المصادفة أو ابتدعت بدعة جديدة لم يصل إليها أحد، بل هي مقصودة ومفهومة حتى وإن كانت بشكل غير واعي أو غير مباشر ولكن من خلال النظر حولنا سندرك أن التعاطف مع الوسيمين يفوق أضعاف التعاطف مع غيرهم.
خاتمة
في هذا المقال الذي حاولنا فيه أن نقف على وسامة الممثلين ودورها في صنع نجوميتهم ونجاح الأفلام التي يشاركون بها لا نقصد على الإطلاق ذم غير الوسيمين على الإطلاق، بل على العكس نحن ننتقد أن يصبح مظهر الإنسان أداة لتقييمه، ولكن كما قلنا فإن السينما مرآة للواقع فمثلما هناك احتفاء من الأشخاص بالجمال فلا ريب أن السينما لن تدخر جهدا في إظهار هذا الاحتفاء لكن يبقى غير الوسيمين لهم كل الاحترام والتقدير والحمد لله أنكم لا ترون صورة كاتب المقال حتى تعرفوا أنه آخر شخص يجدر به أن يكتب ضد غير الوسيمين أو ذوي الملامح الدميمة.