مما لا شك فيه أن النجاح الذي حققه البرنامج الشهير من سيربح المليون لم يستطع أي برنامج آخر الاقتراب منه من قريبٍ أو بعيد، فذلك البرنامج يُعتبر بحق نقلة في عالم البرامج التلفزيونية العربية، حيث أنه قبل إذاعته كانت أغلب البرامج العربية تهتم بالحوار الإخباري أو الترفيه الموجه للأطفال، لم يكن هناك برنامج آخر قادر على زحزحة هذين النوعين من البرامج عن عرشهما حتى جاء من سيربح المليون بإنتاج لبناني في المقام الأول ونجح في تحقيق المعادلة الصعبة، ولابد أن ظاهرة مثل هذه لم تمر أبدًا على جميع مرور الكرام، صحيح أن المشاهد العربي لا ينشغل كثيرًا بما يُحيط مادة الترفيه التي يُشاهدها إلا أنه في النهاية سيندهش عندما يرى ذلك البرنامج وقد تمكن من انتزاعه من العوالم التي اعتاد عليها وأجبره على متابعة نوع جديد وغريب من البرامج، فلماذا يا تُرى حقق من سيربح المليون تلك المعادلة المُستحيلة؟ هذا هو السؤال الذي سنُركز عليه كامل اهتمامنا للخروج بإجابة مثالية له في السطور القادمة.
وجود المُقدم اللبناني جورج قرداحي
طبعًا لا يحتاج إلى الأمر إلى الكثير من الشرح لنُدرك أن أهم عنصر من عناصر نجاح أي برنامج تلفزيوني هو المقدم الذي يُقدمه، فقد يكون البرنامج كفكرة وكإنتاج جميل جدًا، لكن مُقدمه شخص يفتقر إلى بديهيات التقديم أو الحضور القوي الذي يُجبر الجميع على متابعته، ومن هنا يأتي الفشل مثلما هو الحال مع نسبة كبيرة من البرامج التي تتوقف بعد الموسم الأول فقط، حيث أن المُنتج يُدرك جيدًا أن هذا المُقدم لن يتمكن من تلبية احتياجاته وجذب الشريحة التي يحتاج إليها من الجمهور، لكن فيما يتعلق ببرنامج من سيربح المليون ومُقدمه اللبناني جورج قرداحي فإن الأمور كانت مُختلفة تمامًا.
كان جورج قرداحي ببساطة شديدة يمتلك كل مقومات الإعلامي الناجح، فهو يمتلك حضور وكاريزما وأيضًا روح دعابة، هذا ما يتعلق بالجانب الذي يتعامل به مع المشاهدين، أما ما كان يفعله مع المتسابقين فقد كان أمر آخر يحتاج كذلك إلى إعلامي بحجم جورج قرداحي، فقد كانت وظيفته في بعض الأحيان التخفيف عن المتسابق، وفي أحيان أخرى إثارة توتره، وكذلك دفعه للغضب أو الاطمئنان، كل هذه أمور نجح جورج في فعله، وبالتأكيد جميع من شاهد البرنامج يعرف جيدًا أنه من الصعب أن يكون هناك شخص آخر قادر على فعل ما فعله جورج، ولهذا نقول أنه كان سببًا رئيسيًا من أسباب النجاح الذي استمر لمدة طويلة تجاوز العقد ونصف.
استمراره لأكثر من عِقد ونصف
ربما إذا طلبنا منكم ذكر أطول برنامج في ذاكرتكم فسوف تتحدثون عن برامج لا تتجاوز الخمسة أعوام وتقولون إنها قد استمرت لفترة طويلة للدرجة التي تجعلكم تظنون أنها قد أصبحت جزءًا من ذاكرتكم، وهذا في الواقع أمر خاطئ، فالطول الحقيقي لبرنامج يبدأ من عشر سنوات، عِقد كامل من الزمن، وفيما يتعلق ببرنامج من سيربح المليون فإنه قد استمر حتى الآن لأكثر من عِقد ونصف، وتحديدًا سبعة عشر عامًا كاملين، والحقيقة أن تلك المدة يُمكن اعتبارها سببًا من أسباب النجاح وكذلك دليل عليه، فإذا قيل لك لماذا تعتقد أن من سيربح المليون ناجحًا؟ فسوف تجيب لأنه استمر سبعة عشر عامًا، وإذا قيل لك ما الدليل على ذلك؟ فستكون إجابتك نفسها تقريبًا.
على مدار العقد ونصف استطاع البرنامج من توسيع أرضيته وشعبيته شيئًا فشيئًا، لم يعد هناك بيت لا يدخله حلم المليون، ثم تحول الأمر من مجرد برنامج إلى هوس وعشق حقيقي، ولولا المبالغة لقلنا إنه كان أسلوب حياة، فلا يُمكن للعرب أن يناموا ليلة من ليالي البرنامج دون أن يعرفوا من سيربح المليون من العرب، أليست كل هذه أدلة نجاح وشهرة!
بث الحلم في نفوس المشاهدين
قلنا من قبل أن البرنامج كان فريدًا من نوعه وقادرًا على سحب البساط من تحت أقدام البرامج الإخبارية والحوارية، وحتى الرياضية كذلك، فمع أن الشعوب العربية لا تعشق شيء أكثر من كرة القدم إلا أن برنامج من سيربح المليون كان يعرف حقًا من أين ستؤكل الكتف، حيث أنه كان يُبث في وقت وصل فيه المشاهد العربي إلى حالة من اليأس بسبب الأنظمة العربية التي ساهمت في نشر الفقر والتشرد، ثم جاء البرنامج فاتحًا زراعيه للجميع ومُعلنًا عن جائزة مقدارها مليون ريال، وهي جائزة ضخمة بكل تأكيد تجعل اللعاب يسيل بسهولة، لكن الأفضل من كل ذلك أن المقابل الذي طلبه البرنامج من أجل الفوز بالجائزة كان في المتناول أيضًا، وهو وجود قدر ما من المعلومات العامة!
فكرة أنك لن تُقدم شيء وستحصل على مليون ريال فكرة مُدهشة ومُحفزة بكل تأكيد، فالمتسابق العربي كان يُدرك دائمًا أن برامج المسابقات كانت تأخذ أمواله بطريقةٍ أو بأخرى، ولو حتى من خلال ثمن المكالمة الباهظ الذي يتم دفعه، لكن في هذا البرنامج الرائع فإن المسألة قد أصبحت بسيطة جدًا كما ذكرنا، عليك فقط أن تكون مثقفًا ومُلمًا ببعض المعلومات التي يُمكننا القول إنها مجرد معلومات عامة، بعد ذلك تكون مؤهلًا لتحقيق الحلم، وهو الظفر بمليون ريال!
الاقتراب من الناس وجعلهم الأبطال
أيضًا هناك سبب آخر يُعتبر سببًا قويًا من أسباب نجاح برنامج من سيربح المليون وجعله على رأس هرم البرامج التلفزيونية كل هذه المدة، وهذا السبب يتلخص في قدرة البرنامج على الاقتراب من الناس وجعلهم الأبطال في برنامجهم، فالناس معتادون دائمًا أن من يربح الجوائز المالية الكُبرى هم النجوم، هم الذين يعرفون حقًا معنى امتلاك مليون ريال، لكن في هذا البرنامج بدا الأمر مُختلفًا تمامًا، حيث أن أولئك المتسابقين الذين كان مخول لهم الفوز بالجائزة كانوا من الجمهور العادي، المواطنين الكادحين على وجه تحديد، وبالتأكيد عندما يرى المشاهد مشاهد مثله يُصارع من أجل الفوز بالجائزة فإنه سوف يتعلق أكثر بالبرنامج وسوف يحلم بأن يكون مكانه في يومٍ من الأيام، وهذا هو الاقتراب الذي نتحدث عنه، بل يُمكننا القول أنه أكثر من الاقتراب، انغماس أو شيء من هذا القبيل.
من الطبيعي طبعًا أن يجلس الجمهور أمام شاشات التلفاز قبل بدء هذه النوعية من البرامج ليشرعوا في البحث عن نجمهم المفضل من أجل تشجيعه خلال المسابقة، لكن في برنامج من سيربح المليون سيختلف الأمر كثيرًا، حيث أنهم سيجلسون من أجل تشجيع أنفسهم، فهم الأبطال، هم الذين بإمكانهم الفوز في نهاية الحلقة بالمليون ريال، وهذا سبب قوي جدًا يجعلك تتعلق بالبرنامج وتعتبره الأفضل على الإطلاق في تاريخ البرامج التلفزيونية.
عدم وجود منافسة حقيقية من برامج أخرى
أن نختلف على عدم شهرة برنامج أو عدم جودته فهذا يعني أننا نمتلك خيارات أخرى، نقول إن من سيربح المليون ليس البرنامج الأفضل لأن برنامج كذا كان أفضل منه، وهكذا تختلف وجهات النظر ولا نتفق في النهاية، لكن ميزة هذا البرنامج المحظوظ أنه لم يكن يمتلك أي منافسين، ونحن هنا لا نقصد أنه لم تكن هناك أية برامج أخرى تُعرض في نفس التوقيت، وإنما ما نعنيه أنه كان الوحيد الفريد من نوعه، فلم تكن ثمة برامج مسابقات أخرى، لكن الآن مثلًا أصبح هناك قنوات مُتخصصة في عرض هذا النوع من البرامج، لكنهم تأخروا كثيرًا، فقد أتوا تقريبًا بعد أن كان برنامج قرداحي قد حجز مكانته، حجزها في الوقت الذي لم تكن تتواجد فيه أي منافسة فعلية.
أحيانًا قد تكون عدمية المنافسة دافع قوي من أجل التشكيك في قوة البرنامج، نقول مثلًا أن تفوق من سيربح المليون جاء بسبب عدم وجود منافسين وليس لأنه الأفضل، وهذا بالطبع ادعاء خاطئ لأن البرنامج قد استمر حتى عام 2015، أي بعد ظهور قنوات المسابقات المُتخصصة، وبالرغم من ذلك لم يستطع أحد زحزحته من مكانته، فالمشاهد العربي ليس سهل كما قد يعتقد البعض، فهو يمتلك الذائقة التي تجعله قادر على معرفة السيئ من الجيد.
اختيار محطة عرض قوية للغاية
كان من الممكن جدًا أن يُعرض برنامج من سيربح المليون على محطة تلفزيونية ضعيفة أو لا تمتلك نسبة مشاهدة عالية، ولهذا كان من الممكن جدًا أن يُكتب فشله حتى قبل أن تُعرف إمكانية نجاحه، لكن الحقيقة التي مراء فيها أنه من ضمن أسباب قوة البرنامج واكتساحه للبقية أنه تخير منذ اللحظة الأولى محطة العرض المناسبة، وقد كانت تلك المحطة هي الأقوى في ذلك التوقيت والأقوى حتى الآن بالرغم من ظهور آلاف المحطات، تلك المحطة هي إم بي سي، وهي محطة كانت لبنانية ثم أصبحت سعودية خالصة، فقبل حتى عرض البرنامج كانت المحطة مُسيطرة على مشاهدي العالم العربي بأكمله، وقد استمرت هذه السيطرة وقويت أكثر مع عرض ذلك البرنامج الذي أصبح الأعلى مشاهدة في الوطن العربي.
محطة إم بي سي منحت من سيربح المليون تأشيرة العبور إلى بيوت المشاهد العربي الذي غالبًا ما يرفض التجريب أو المُخاطرة بالدخول في خِضم شيء لا يعرفه، فالاستقرار هو شعاره الأول، لذلك فإنه عندما كان يشاهد هذه المحطة وجد أمامه هذا البرنامج الجديد واستمر في متابعته حتى كانت النهاية السعيدة بعشقه لذلك البرنامج وتفضيله له عن أي شيء آخر بما في ذلك الدراما والمسلسلات التي كان يعشقها.
كِبر جائزة من سيربح المليون المالية بشكل مُغري للجميع
ذكرنا من قبل أن البسطاء، والذين يُمثلون غالبية عظمى بين المشاهدين العرب، يعتقدون أن مبلغ مثل المليون ليس في الحقيقة سوى حِكر على جماعة من البشر تتمثل في المشاهير من الرياضيين والممثلين وبعض السياسيين وأصحاب المال والنفوذ، لكن برنامج من سيربح المليون جاء ليُحطم هذه الفكرة ويجتثها من جذورها، فالمتسابق الذي يُمكن له خوض هذه المسابقة قد يكون شخص لا يمتلك في جيبه أكثر من عشر جنيهات، ومع ذلك، وبوجود بعض المعلومات العامة، يُمكنها أن يُغادر استوديو المسابقة وهو يحمل مليون ريال، وهو رقم مُغري بكل تأكيد يجعل اللعاب يسيل بسرعةٍ شديدة، فحتى لو لم تفز بالجائزة فإن البرنامج سوف يُقدم لك خدمة جليلة تتمثل في جعلك تعيش حلم الفوز بهذا المبلغ، وهو سبب كافٍ جدًا لشهرة البرنامج واحتلاله لهذه المكانة، وبالمناسبة، كان البرنامج يحصل على مكاسب أكبر بكثير من المليون ريال التي ينفقها، وذلك من خلال الرعاة والإعلانات وأمور تسويقية أخرى لا أهمية لذكرها.