ملوحة البحر أو ارتفاع مستويات تركيز الأملاح بمياهه، هي إحدى الألغاز التي شغلت عقول العلماء لفترة طويلة من الزمن، ونتيجة لذلك ظهرت العديد من النظريات المتعلقة بارتفاع درجة ملوحة البحر مقارنة بالمسطحات المائية الأخرى، التي تمتاز بكونها عذبة وهي سر الحياة على كوكب الأرض..
لماذا درجة ملوحة البحر مرتفعة ؟
تعددت النظريات العلمية المتعلقة بارتفاع درجة ملوحة البحر ،منها نظريات تم إبطالها بحجج علمية مضادة، ومنها ما لا يتجاوز حد الافتراض، ولا تزال حتى يومنا محل بحث ودراسة، ولكن بين هذا وذاك هناك مجموعة ظواهر توافق عليها العلماء، واعتبروها من العوامل الرئيسية المسببة لتركيز مركبات الملح بمياه البحار، وهي:
جرف الأمطار :
مياه الأمطار تقوم بجرف الأملاح من الصخور والتربة الأرضية إلى المياه، ومن ثم فإنها تنقل إليها الأملاح وترسبها بها فتسبب ملوحة البحر ،ورغم إن نظرية العالم بويل تبدو منطقية بشكل كبير، إلا إنها واجهت عِدة اعتراضات من قبل أكثر من عالم آخر، واستقر رأيهم في النهاية إلى اعتبار الأمطار أحد مسببات ملوحة البحر ،لكنهم رفضوا الإقرار باعتبارها المسبب الرئيسي لتلك الملوحة، وذلك لأن الأمطار تجرف الأملاح الأرضية إلى مختلف المسطحات المائية المنتشرة على سطح الأرض، ولكننا رغم ذلك نجد الأملاح في يغلب عليها مركبات بكربونات الكالسيوم، بينما ملوحة البحر فإن 90% ناتج عن ترسب أملاح كلوريد الصوديوم.
مدة بقاء المركبات :
إذا كانت الأنهار تجرف الأملاح من الصخور الأرضية إلى الأنهار، والأنهار بالتبعية تصب في النهاية في البحار والمحيطات فتنقل إليها تلك الأملاح، فما سر اختلاف درجة ملوحة البحر عن ملوحة الأنهار؟.. شغل ذلك السؤال العلماء لفترة طويلة، إلى أن توصلوا إلى السر والمتمثل في قدرة مركبات الأملاح على البقاء في البيئة المائية، فوجدوا إن زمن بقاء مركبات الكالسيوم وهي الغالبة على مياه الأنهار، يمكنها البقاء في الماء لمدة مليون سنة، بينما مركبات الصوديوم المسببة لـ ملوحة البحر فإنها تبقى متماسكة لمدة 69 مليون سنة، أما مركبات الكلور فهي لا تتأثر بالعمليات البيولجية للأحياء البحرية، وبالتالي فإنها قادرة على البقاء في مياه البحار إلى ما لا نهاية، وبذلك تضمن الحفاظ على درجة ملوحة البحر إلى الأبد.
تصادم الصفائح التكتونية :
من المعلوم إن كوكب الأرض يتكون من عِدة طبقات، العليا منها والتي تغلف الكوكب هي طبقة القشرة الأرضية، ومن المعلوم أيضاً إن تلك الطبقة لا يقصد بها الإشارة إلى كتلة واحدة من الصخور المتماسكة، بل إنها تتكون من عدة طبقات تعرف علمياً بمسمى الصفائح التكتونية، وتلك الصفائح ليست مترابطة وكذلك ليست ساكنة بل إنها في حركة دائمة، وقد وجدت بعض الدراسات إن حركة هذه الصفائح من مسببات ملوحة البحر ،وذلك لأن الاحتكاك الذي يتم بين الصفائح التكتونية الحاملة للقارات وبين الصفائح البحرية المُشكلة لقيعان المحيطات، ينتج عنه نشوء ما يعرف جيولوجياً بمسمى الأحزمة البركانية، وتسمح بنفاذ الحمم من خلالها إلى أعماق البحار والمحيطات، فتمدها بنسب مرتفعة من مركبات الأملاح المختلفة ومن أبرزها مركب الكلور، مما يزيد من درجة ملوحة البحر ويحفظ نسبة تركيز تلك الأملاح الذائبة بمياهه.
دورة تبادل الأملاح :
قديماً استند المعارضون للنظرية الرابطة بين جرف الأمطار و ملوحة البحر ،إلى المعادلة الحسابية المثبتة لأن الإقرار بصحة ذلك الافتراض، يعني تجرد الأرض من كافة أملاحها خلال 100 مليون سنة فقط، بينما أثبتت أبحاث أخرى إن عمر الأرض الفعلي يفوق الـ4 مليارات سنة، مما يعني أن تلك النظرية بعيدة كل البُعد عن المنطق، والدليل هو إن الأملاح لا تزال متواجدة بوفرة على سطح الأرض، ولكن توسع الدراسات أثبت إن احتكاك الصفائح التكتونية مع بعضها البعض، يؤدي إلى غوص الصفائح البحرية أسفل الصفائح الأرضية بمقدار 3سم/سنوياً، ومن ثم فإنه يعيد إلى الأرض قدر هائل مما يختزنه من مركبات الأملاح، فتبدأ عملية أشبه بعمليات التجدد وإعادة التدوير، مما يحفظ معدلات ملوحة البحر والأرض متوازنة وشبه ثابتة.