معركة السوم أو معركة سوم أو معركة السوم الهجومية جميعها مسميات مختلفة تشير إلى واقعة واحدة، هي المعركة التي دارت خلال الحرب العالمية الأولى والتي بدأت بهجوم قوات الحلفاء من البريطانيين والفرنسيين على قوات الجيش الألماني، وقد استمدت تلك المعركة اسمها من نهر السوم التي دارت وقائعها على ضفافه في عام 1916م، يعتبر الخبراء معركة السوم وصمة عار في جبين العسكرية البريطانية وكذلك تعد المعركة الأكثر دموية في تاريخ الإنسانية.. ترى لماذا ؟
معركة السوم الأكثر دموية والأكثر فشلاً :
تعددت الأسباب التي استند إليها المؤرخون في وصفهم لـ معركة السوم بأنها الأكثر بشاعة ودموية وكذلك الأكثر فشلاً في تاريخ الجيش البريطاني، ومن أبرزها الآتي:
المدة الزمنية والنطاق الجغرافي :
من العوامل التي ساهمت في ارتفاع حجم الخسائر الناتجة عن معركة السوم طول المدة الزمنية التي استغرقتها المعركة بالإضافة إلى اتساع المساحة الجغرافية التي مثلت ميدان المعركة؛ حيث أن الاشتباك المسلح بين الطرفين -المتمثلين في الجيشين البريطاني والفرنسي من جهة والجيش الألماني من جهة أخرى- استمر لمدة خمسة أشهر تقريباً، مما يجعل معركة السوم واحدة من أطول المعارك زمنياً في العصر الحديث، خاصة أن العديد من الحروب الحاسمة لم تستغرق خمس تلك المدة ومن بينها حرب أكتوبر التي انتهت بتحرير سيناء المصرية من الاحتلال الصهيوني على سبيل المثال.
أما الجبهة التي شهدت أحداث المعركة فقد كانت بطول 15 ميلاً تقريباً، وهي أيضاً مساحة بالغة الاتساع مقارنة بالميادين الأخرى التي شهدت معارك الحرب العالمية الأولى وحروب العصر الحديث بصفة عامة.
خسائر اليوم الأول من معركة السوم :
أحداث اليوم الأول من معركة السوم والمعروفة تاريخياً أيضاً باسم معركة السوم الهجومية كانت مؤشراً واضحاً على ما ستؤول إليه الأمور في النهاية، حيث يعد ذلك اليوم واحد من أسوأ الأيام في تاريخ البشرية وأكثرها دموية على الإطلاق، حيث أن قوات الحلفاء المتمثلة في الجيش البريطاني في الأساس ومعاونة الجانب الفرنسي تكبدت خسائر فادحة في الأرواح قدرت بأكثر من 75 ألفاً من الجنود.
معركة المليون قتيل :
تعد معركة السوم في نظر الكثيرين كارثة إنسانية أكثر منها معركة عسكرية، حيث أن بانتهاء المعركة كان عدد القتلى قد تجاوز المليون قتيلاً تقريباً، رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة حول ذلك الأمر إلا أن العديد من المؤشرات سجلت قتل حوالي 1.5 جندياً من قوى الحلفاء النسبة الأكبر منهم ينتمون إلى الجيش البريطاني، بينما بلغت خسائر الجانب الألماني نحو نصف مليون جندياً تقريباً، هذا بخلاف المصابين ومن عانوا من عجز دائم.
بناء على ذلك تعتبر معركة السوم هي المعركة الأكثر دموية بلا منازع بين مختلف المعارك الضارية التي شهدتها الحرب العالمية الأولى، وقد تكون الحرب الأكثر دموية في تاريخ البشرية بشكل عام
معاناة الجانب المنتصر :
أيا كانت أسباب الحروب وأيا كانت النتائج التي تحققت منها هناك حقيقة واحدة بشأنها أجمع عليها الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين، هي أن لا يمكن خروج أي من الطرفين المتنازعين دون تكبد العديد من الخسائر، وتلك المقولة تنطبق بحذافيرها على معركة السوم التي تعد إحدى المعارك الأكثر دموية في تاريخ الإنسانية.
حيث أن دراسة التاريخ وتحليل الوقائع تخبرنا أن انتصار الجيش البريطاني في تلك المعركة لم يكن سوى انتصاراً زائفاً، إذ تكبدت القوات البريطانية خسائر فادحة في المعدات والأرواح على السواء، حتى أن الخبير ديفيد فروم يصف المعركة بأنها الأبشع والأكثر ترويعاً في تاريخ الكومنولث البريطاني.
انتصار الحلفاء كان منقوصاً أو زائفاً :
الأمر الأسوأ على الإطلاق فيما يخص معركة السوم هو أن كل تلك التضحيات والأرواح التي لاقت حتفها قد ضاعت هباءً، حيث أن قوى الحلفاء رغم نجاحها في التقدم بعمق ستة أميال ضمن الأراضي المحتلة من الجيش الألماني إلا أنها لم تتمكن من تحقيق أي من الأهداف الرئيسية التي اشتعلت الحرب في الأساس من أجلها، حيث ظل الألمان مسيطرون على العديد من النقاط الاستراتيجية التي تضمن تفوقهم في محيط نهر السوم.
كانت معركة سوم سبباً مباشراً في توجيه العديد من الانتقادات إلى الجيش البريطاني والتشكيك في مدى قدرته على استكمال الحرب وإنهائها لصالحه، حيث أظهرت الحرب مدى القصور الذي يعاني منه حيث كانت خططه مرتبكة وعدته سيئة بعكس ما كان يحاول القادة إشاعته.
مصرع العديد من الرموز والشخصيات العامة :
شهدت معركة السوم الدموية مقتل العديد من رموز دول والشخصيات العامة، وقد زاد ذلك الأمر سوءاً وتسبب في زيادة حدة الانتقادات الموجهة إلى قادة الحلفاء وخاصة قادة الجيش البريطاني، ومن أبرز تلك الشخصيات التي فقدت حياتها في ميدان المعركة ريمون اسكويث نجل رئيس الوزراء البريطاني الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت 37 عاماً، حيث تلقى رصاصة في الصدر أثناء عملية الهجوم، وكذلك لقى اثنين من أعضاء البرلمان البريطاني مصرعهما أثناء تواجدهم بالقرب من منطقة الاشتباك.
أما على الجانب الآخر -أي القوات الألمانية- لم يلقى أي قائد بارز مصرعه في تلك الحرب، وقد اعتبر ذلك فشلاً ذريعاً من قبل القوات البريطانية التي كانت تطمع في إلقاء القبض على عدد من القادة الألمان قبل بدء المعركة، مع الإشارة إلى أن القائد النازي أدولف هتلر كان واحداً من المشاركين في معركة السوم وقد أصيب خلالها بطلق ناري في ساقه.
ظهور الدبابات للمرة الأولى :
تعد الدبابات في الوقت الحالي من المركبات العسكرية الرئيسية التي لا يخلو منها أي برنامج تسليح في العالم، وهي تعتبر من المدرعات الثقيلة الأكثر فتكاً وعادة ما تكون من عوامل حسم المعارك، خاصة المعارك التي تدور في مناطق مفتوحة مثل النزاعات على الحدود السياسية بين الدول.
شهدت معركة السوم الظهور الأول لذلك النوع من المدرعات العسكرية الثقيلة، حيث انضم الجيش الكندي إلى المعركة ابتداءً من شهر سبتمبر على أمل مساندة قوات الحلفاء، وقد استخدمت القوات الكندية الدبابات في هجومها على القوات الألمانية، إلا أن الأخيرة كانت محصنة بشكل جيد وبالتالي لم تتأثر بقصف الدبابات بدرجة كبيرة، بل على العكس نجحت في إتلاف عدد منها وكبدت القوات الكندية -هي الأخرى- خسائراً فادحة في المعدات والأرواح، لكن على الرغم من ذلك جذبت الدبابات أنظار العالم وحرصت جيوش العالم المختلفة على امتلاك تلك المركبات وتطويرها وضمها إلى نظم التسليح الخاصة بها.
التضحية بالجنود من أجل إثبات التفوق :
الانتقادات الأكبر والأشد قسوة تم توجيهها إلى الجنرال دوجلاس قائد سلاح المشاة البريطاني في معركة السوم ،حيث رأى البعض أنه لم يتردد في التضحية بجنوده من أجل تحقيق التفوق العسكري، حيث أصدر مع الجنرال السير هنري رولنسون أوامر لقوات المشاة بالتقدم مشياً في خطوط متباعدة، إلا أن خطتهما افتقرت للخداع والابتكار مما جعل الجنود صيداً سهلاً للقوات الألمانية التي صدتهم بالرشاشات والمدفعية الثقيلة وتسبب ذلك في ارتفاع عدد ضحايا الجيش البريطاني.
كذلك اعتبر بعض المحللين معركة السوم فشلاً ذريعاً لقادة الجيش البريطاني، حيث أظهرت مدى تخبطهم وانعدام رؤيتهم وفشلهم في التنسيق بين أسلحة الجيش المختلفة، بالإضافة إلى عهدهم بالقيادة إلى مجموعة من الضباط الصغار ممن لا يمتلكون الخبرة ويفتقرون إلى الحنكة العسكرية التي تؤهلهم للقيادة والتعامل مع متغيرات الأحداث في ميدان القتال.