يصف العلماء مشاهدة أفلام الرعب بأنها من الأمور المحفوفة بالمخاطر نظراً لما لها من آثار سلبية على الصحة النفسية بل والجسمانية أيضاً، وقد سبق لنا التساؤل حول: لماذا تشكل أفلام الرعب خطورة كبيرة على الصحة؟، لكن لعل السؤال الأكثر إلحاحاً هنا هو إذا كانت مشاهدة أفلام الرعب بهذا السوء فما سر انجذاب الجماهير إليها؟ و لماذا تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة؟ وما الذي يدفع شخص ما لخوض تجربة لن تعود عليه إلا بالخوف والفزع؟!
أسباب انجذاب البعض لـ مشاهدة أفلام الرعب :
رأى بعض العلماء في انجذاب الأشخاص إلى مشاهدة أفلام الرعب أمراً مثيراً للتعجب والفضول وبناء على ذلك قد تناولوه بالبحث والدراسة، في محاولة لإيجاد الدوافع وراء استمتاع البعض بالإحساس بمشاعر الرهبة والخوف ومنها:
التشويق سبب كافي :
يمكن الإجابة بشكل بسيط على التساؤل حول سر انجذاب البعض إلى مشاهدة أفلام الرعب وإيجادهم شيء من المتعة في ذلك، بأن ذلك النمط من الأعمال السينمائية يعتمد في المقام الأول على الإثارة والتشويق، حيث يرى أصحاب الخبرة في مجال صناعة السينما أن ذلك النوع من الأفلام أكثر قدرة على جذب النظر والانتباه طيلة مدة العرض، حيث أنها تُبقي المشاهد في حالة ترقب دائم لمعرفة مصير شخصيات الفيلم وكشف حقيقة الخطر الذي يهددهم.
قد يقول البعض أن هناك أنماطاً سينمائية أخرى قد تحقق ذات الأمر مثل الأفلام الحربية أو أفلام الحركة وغيرها، وهذا حقيقي فعنصر التشويق بالتأكيد ليس حكراً على نمط فني بعينه، لكن الدراسات النفسية التي أجريت في هذا الصدد أكدت أن مشاهدة أفلام الرعب يصاحبها زيادة في معدلات ضربات عضلة القلب وتؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وسرعة التنفس، وهذا كله يؤدي إلى حدوث ما يُعرف علمياً بمُسمى “عملية نقل الإثارة”، أي أن شعور الإثارة في تلك الحالة لا ينتهي بانتهاء مدة عرضه الفيلم بل أنه في الأغلب يستمر لفترة أطول من ذلك، ويرى بعض العلماء أن ذلك هو السبب الرئيسي في إدمان البعض لمشاهدة مثل هذه الأفلام.
خوض مغامرة جديدة ومثيرة :
السؤال المُلح لدى البعض هو ما الممتع في مشاهدة أفلام الرعب ؟ وكيف يجد البعض متعة في استشعار الخطر ومشاهدة الأطراف تُبتر والرؤوس تتطاير وغير ذلك من المشاهد العنيفة والدموية؟!.. هذا السؤال يُرد عليه بسؤال آخر، ما الممتع في ممارسة الرياضة الخطرة مثل تسلق الجبال أو ركوب الأمواج؟، وما الممتع في التوجه إلى مدن الملاهي وركوب الألعاب التي تدفع إلى الخوف مثل لعبة قطار الموت وما يماثلها؟
إجابة كل هذه الأسئلة هي أن بعض الأشخاص لديهم شغف بالمغامرة والاقتراب من المخاطر، ورغم أن مشاهدة أفلام الرعب لا تشكل خطراً حقيقياً -من الناحية النظرية- على حياة الإنسان، إلا أن هذا ليس ما يحَسّه المشاهد أثناء جلوسه داخل صالة العرض، بل يشعر بأنه جزء من الحدث وينفعل به ويتفاعل معه ويشعر طيلة الوقت أنه مُلاحق من قبل قوى شريرة أي كان نوعها أو مصدرها، لكن درجة هذا الشعور بالطبع تتفاوت بين فيلم وآخر تبعاً لقدرة المخرج على توحيد المشاهد مع شخصياته.
العوامل الفسيولوجية :
أثبتت مجموعة من الدراسات الحديثة أن الفروق الفسيولوجية بين الأفراد تلعب دوراً مؤثراً في زيادة وانخفاض درجة انجذاب الأشخاص إلى مشاهدة الرعب ، حيث وجد الباحثون أن بعض الأشخاص يتمتعون بدرجة أكبر باندفاع الأدرينالين في أجسادهم وهو ما يتحقق عند مشاهدة أفلام الرعب ولذلك ينجذبون إليها، بينما بعض الأشخاص ينزعجون عند التعرض لتلك الحالة.
هذه الحقيقة العملية تفسر سر عدم اتخاذ المشاهدين موقفاً وسطاً من هذا النمط السينمائي على عكس الشائع والمتعارف عليه، فهم إما محبون لهذا النوع من الأفلام أو أنهم يكرهونه ويرفضون مشاهدته، الأمر في النهاية يتعلق بمدى استمتاعهم بمشاعر الإثارة الفسيولوجية الناتجة عن إفراز الأدرينالين في أجسادهم بنسب مرتفعة.
اقتحام عوالم جديدة وغريبة :
أحد أبرز العوامل الفنية جذبت الجماهير إلى مشاهدة أفلام الرعب وكفلت لها التميُز عن غيرها من الأنماط السينمائية المتعارف عليها، هو أن أغلبها يصحب المشاهد في رحلة إلى عالم خيالي بالكامل لا تربطه صلة بالعالم الواقعي من قريب أو بعيد، فأفلام الرعب إما تدور في عالم الجن والمسّ الشيطاني وقوى العالم السفلي مثل فيلم Others، أو تدور في أزمنة مستقبلية بعد نهاية العالم حيث تتفشى الأوبئة التي تحول الأموات إلى زومبي يلتهمون الأحياء مثل فيلم I’m Legend أو مسلسل الموتى السائرون The Walking Dead وغير ذلك من العوالم الغريبة والمخيفة.
يتوفر ذات العامل الفني في مجموعة أفلام الخيال العلمي أيضاً وأشهرها سلسلة حرب النجوم Star Wars التي تدور في عالم خيالي كلياً، لكن في النهاية تبقى أفلام الرعب -خاصة المتميز منها- هي الأقدر على الإتيان بعوالم أكثر غرابة وإثارة ولهذا تمكنت من تحقيق شعبية كبيرة في مختلف أنحاء العالم، كما أن التفرد هنا لا يقتصر على العالم -الذي يُمثل مسرح الأحداث وحده- بل يشمل أيضاً شخصيات الخصوم المتنوعة والمتعددة والتي قد تكون أشباحاً أو سفاحين أو حتى مهرج متوحش مثلما هو الحال في فيلم IT.
نوع المشاهد والرغبة في تحدي الخوف :
كشفت بعض الدراسات النفسية أن درجة الانجذاب إلى مشاهدة أفلام الرعب تختلف تبعاً لنوع المشاهد، حيث أثبتت تلك الدراسات أن الرجال هم الأكثر إقبالاً على الأفلام المخيفة والأكثر استمتاعاً بمشاهدتها، والسر في ذلك يرجع إلى اختلاف التكوين النفسي للإنسان تبعاً لنوعه؛ إذ يبقى الرجال هم الأشهر بميلهم نحو الشجاعة والرغبة في مواجهة المخاطر وتجاوزها، وقد دفع ذلك العلماء للاعتقاد بأن الرجال يجدون في مشاهدة أفلام الرعب شكلاً من أشكال الإشباع الاجتماعي والنفسي حيث يجدون به برهاناً على قوتهم وعدم تركهم لأي شيء يخيفهم حتى لو كان فيلماً سينمائياً.
من المفارقات التي توصلت إليها الأبحاث حول مشاهدة أفلام الرعب أن الأشخاص يفضلون مشاهدتها مع شركائهم، حيث أن ذلك يضاعف من متعة كلاهما ويكون مشبعاً عاطفياً بالنسبة لهم؛ حيث أن النساء في تلك الحالة -أي الإحساس بالخطر- يملن إلى القرب الفيزيائي من الرجال استمداداً للأمان، وينتشي الرجال بإحساسهم بكونهم مصدر الطمأنينة بالنسبة لشريكاتهم.
الاضطرابات النفسية :
من الحقائق المفجعة التي أثبتتها الدراسات النفسية حول الميل إلى مشاهدة أفلام الرعب وإيجاد متعة بها، هو أن ذلك قد يكون أحد المؤشرات القوية الدالة على معاناة الأشخاص من عدم الاستقرار النفسي، حيث وجدت الدراسات أن بعض من يميلون إلى مشاهدة ذلك النمط من الأعمال قد يكون دليلاً على كره الذات والتلذذ بتعذيبها أو قد يكون مؤشراً للعكس أي أن الشخص لديه ميل تجاه السادية ويجد لذة في مشاهدة الآخرين يعانون.
بالطبع هذا لا ينطبق إلا على نسبة ضئيلة من هواة مشاهدة أفلام الرعب ويزداد هذا الاحتمال إذا تحول الأمر من كونه مجرد تفضيل إلى أحد أشكال الإدمان السلوكي، أي أن الشخص يفقد السيطرة على شغفه ويعمل على مشاهدة تلك الأعمال السينمائية بأعداد كبيرة وبشكل متلاحق.
خاتمة :
قد يرى بعض مشاهدة أفلام الرعب متعة ومغامرة وقد يراها البعض أعمالاً فنية مُنفرة، خاصة في ظل الدراسات التي تؤكد على مخاطرها وإسهامها في تنمية عدوانية الأطفال وغير ذلك من السلبيات، لكن في النهاية لا يمكن إنكار حقيقة كونها أحد الألوان السينمائية الرائجة والتي تحظى بشعبية طاغية في مختلف دول العالم ويُقدر جمهورها بالملايين وتحقق إيرادات بالغة الارتفاع، فإن كنت من هواة مشاهدة هذه الأعمال حاول فقط الالتزام بعدم الإفراط في ذلك لتحظى بالمتعة وتفادي المخاطر، وكذلك يُنصح الآباء بضرورة الانتباه إلى التصنيف العمري للأفلام قبل السماح لأطفالهم بمشاهدتها وذلك لتفادي الآثار التدميرية لهذا النمط الفني على النشء.