جاء مسلسل كلبش 2 ضمن قائمة المسلسلات الرمضانية الأكثر ترقباً بموسم 2018، يرجع ذلك لسبب واحد رئيسي وهو النجاح الكبير الذي حققه الجزء الأول الذي سبق عرضه بالموسم الرمضاني السابق 2017. مسلسل كلبش 2 من تأليف باهر دويدار وإخراج بيتر ميمي ويشارك في بطولته نجوم الجزء الأول أمير كرارة، هالة فاخر، محمود البزاوي وينضم لهم بهذا الجزء هيثم أحمد زكي وروجينا وعبد الرحمن أبو زهرة، وقد حقق المسلسل مع بداية عرضه نجاحاً كبيراً وأثار الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تصنيفه رسمياً ضمن المسلسلات الأكثر متابعة هذا الموسم.. ترى لماذا ؟ وما العوامل التي ساهمت في تحقيق المسلسل لهذا النجاح؟
عوامل ساهمت في نجاح مسلسل كلبش 2 :
جرت العادة على أن الأجزاء الثانية من الأعمال الدرامية لا تلقى ذات النجاح التي تحققه الأجزاء الأولى، لكن الأمر اختلف في حالة مسلسل كلبش 2 الذي حقق خلال أيام عرضه الأولى نجاحاً مماثلاً لما حققه الجزء الأول، يمكن إرجاع ذلك لعدة عوامل على رأسها الآتي:
نمط فني غير معتاد عربياً
يعد تقديم المسلسلات طويلة المدى متعددة المواسم أمراً معتاداً عليه في الولايات المتحدة الأمريكية، بل يمكن القول بأن هذا هو النمط السائد وقليلاً ما تقدم هوليوود مسلسلات قصيرة من موسم واحد، بينما الأمر في الدول العربية -وخاصة مصر– على النقيض تماماً، أي أن تجارب المسلسلات الطويلة المقسمة لعِدة أجزاء قليلة جداً، كما أن أغلبها لم يستطع الحفاظ على مستواه الفني وانخفضت شعبيتها مع توالي الأجزاء.
تمكن مسلسل كلبش 2 من كسر هذه القاعدة، حيث أن صُنّاعه استطاعوا الحفاظ على روح العمل ومستواه الفني وتمكنوا ببراعة من استثمار النجاح الذي حققته شخصية البطل سليم الأنصاري بالجزء الأول الذي تم عرضه في 2017، وبناء على ذلك استقبله المشاهدون بحفاوة كبيرة، حتى أنه جاء في مرتبة متقدمة ضمن قائمة المسلسلات الرمضانية الخمسة الأكثر بحثاً على محرك جوجل، وسجلت حلقاته نسب مشاهدة بالغة الارتفاع على موقع يوتيوب Youtube.
قابلية العمل لتقديم أجزاء متعددة
أحد أبرز العوامل التي أدت إلى فشل الأعمال الدرامية أو السينمائية متعددة الأجزاء، هو أن صُنّاعها كانوا دائماً ما يسعون إلى تقديم الأجزاء التالية استغلالاً لنجاح الجزء الأول، حتى لو كانت حبكة الدرامية أو طبيعة الشخصيات الرئيسية بالعمل الفني لا تسمح بذلك، لكن الأمر يختلف كثيراً في حالة مسلسل كلبش.
أحداث مسلسل كلبش بجزئيه لا تقوم على حدث بقدر ما تتمحور حول البطل، والأهم أن أبعاد شخصية سليم الأنصاري والصفات التي تميزه تؤهله لأن يكون بطلاً لعمل فني متعدد الأجزاء، وقد ساعد ذلك كاتب السيناريو باهر دويدار على تطوير أحداث القصة دون السقوط في فخ الملل والتكرار، فالأمر أشبه بتقديم مجموعة مهام أو مغامرات مشوقة منفصلة عن بعضها البعض والعامل المشترك الوحيد بينها هو البطل الذي يقوم بها، ويبدو أنه نجح في تحقيق تلك المعادلة حتى أن بعض المشاهدين افترضوا أن مسلسل كلبش 2 قد لا يكون الأخير وأن هناك احتمالية لتقديم جزءاً ثالثاً إذا بقي سليم الأنصاري على قيد الحياة بنهاية الجزء الثاني.
الاستقلال عن الجزء الأول
حين يشرع أحد الكتاب في استثمار نجاح مسلسله من خلال تقديم أجزاء أخرى يقع في فخ التطويل، خاصة مع التزامه بتقديم الأحداث على مدار ثلاثين حلقة كاملة، وهذا يسقطه في فخ التطويل ويضطره لإقحام العديد من الصراعات والشخصيات على الأحداث بصورة تتنافى مع المنطق والمقبول، وبطبيعة الحال ينعكس كل ذلك شكل سلبي على المستوى الفني للعمل، وهذا لا يقتصر على المسلسلات العربية فحسب بل أن هناك أعمالاً عالمية عديدة وقعت بهذا الخطأ الفني الفادح.
أبرز العوامل التي ساعدت مسلسل كلبش 2 في تحقيق النجاح وتسجيل نسب مشاهدة مرتفعة هو أنه لا يستكمل أحداث الجزء الأول بشكل مباشر، بمعنى أن أحداث الجزء الثاني تنطلق من نهاية الجزء الأول، لكنه لا يستكملها إنما يدور حول مغامرة جديدة يخوضها البطل سليم الانصاري في مواجهة خصوم جدد، حتى أن من لم يسبق له مشاهدة الجزء الأول لن يجد صعوبة في متابعة أحداث الجزء الثاني، وساعد ذلك المسلسل على اكتساب المزيد من الشعبية والجماهيرية.
إتقان مشاهد الحركة والإثارة
بلغت تقنيات صناعة الخدع البصرية والمؤثرات الخاصة درجة عالية من التطور وصارت أغلب الأعمال الفنية العالمية -السينمائية والتلفزيونية- تعتمد عليها بهدف جعل مشاهد الحركة والإثارة أكثر محاكاة للواقع وبالتالي إكسابها المزيد من المصداقية لدى المشاهد، وقد حاول صُنّاع الدراما العربية خلال السنوات الأخيرة الاستفادة من هذا التطور التقني ولو بصورة نسبية في تقديم مشاهد إثارة مميزة ومُنفذة بحرفية شديدة.
يعتمد مسلسل كلبش 2 بصورة أساسية على الإثارة والتشويق ويتضمن عدد كبير من مشاهد الاشتباكات والمطاردات، ومن بين العوامل التي مَيّزت هذا المسلسل هو إتقان تنفيذ هذا النوع من المشاهد، حيث خرجت بشكل لائق ومتطور مقارنة بالمستوى المعتاد لمشاهد الحركة في الدراما المصرية، ويُحسب لصُنّاع المسلسل حرصهم على جعل مشاهد الإثارة أكثر تعقيداً وتطوراً عن المشاهد المماثلة بالجزء الأول.
الحفاظ على الثوابت والعمل على التطوير
اهتم مُبدعي مسلسل كلبش 2 وخاصة المؤلف باهر دويدار والمخرج بيتر ميمي بالحفاظ على الروح العامة للجزء الأول، والمُتمثلة في رفع مستويات التشويق إلى الحد الأقصى وتقديم قصة مثيرة متصاعدة مليئة بالمفاجآت الخارجة عن التوقعات، لكنهم في ذات الوقت كان لديهم حرص شديد على التطوير والاختلاف عن الجزء الأول لتفادي التكرار.
استعرض مسلسل كلبش 2 قصة مختلفة كلياً عما سبق تقديمه، حيث أن الجزء الأول كان يدور حول صراع سليم الأنصاري لإثبات برائته من مجموعة التُهم التي تم إلصاقها به زوراً، بينما الجزء الثاني ينتمي إلى تيمة الانتقام وتتمحور أحداثه حول محاولة سليم الانصاري للثأر لمقتل عائلته على يد خصومه. كما أن الأحداث بصفة عامة أخذت منحى مختلف لما كانت عليه بالجزء الأول، بالإضافة إلى أن خصوم الأنصاري هذه المرة أكثر قوة وهو ما أدى إلى الارتقاء بالصراع الرئيسي لمستويات أعلى من التعقيد والتشويق.
الاهتمام بالشخصيات المساندة
أحد الأسباب الرئيسية في تدني مستويات الأعمال الدرامية العربية لهذا الموسم هو أن أغلبها يركز على الشخصية الرئيسية فقط، وفي المقابل يُهمش مجموعة الشخصيات المساندة التي تظهر بصورة باهتة عديمة التأثير بالأحداث، لكن هذا أيضاً لا ينطبق بصورة كبيرة على مسلسل كلبش 2.
رغم أن أحداث مسلسل كلبش تدور بالكامل حول شخصية الضابط سليم الأنصاري، إلا أن السيناريو يُفسح مجالاً مناسباً لمجموعة الشخصيات المساندة سواء على جانب الخير مثل شخصيات العميد صلاح الطوخي (محمود البزاوي) وليلى الشيمي (روجينا) على جانب الخير، وشخصيات عاكف أبو العز (هيثم زكي) وأبو العز الجبلاوي (عبد الرحمن أبو زهرة) على جانب الشر، وهو الأمر الذي انعكس بصورة إيجابية على البناء الدرامي للمسلسل ومستواه الفني ككل.
خاتمة
يمكننا في الختام القول بأن مسلسل كلبش 2 ليس عملاً فنياً متكاملاً أو خالياً من العيوب والأخطاء، لكنه بكل تأكيد مسلسلاً مميزاً وتمكن صُنّاعه من الوفاء بالوعود التي قدموها للمشاهد بشكل مسبق؛ حيث يقدم المسلسل جرعة مكثفة من الإثارة من خلال قصة مشوقة ومُتماسكة درامياً بقدر كبير، وبناء عليه استحق النجاح الذي حققه والذي يفتح الباب على مصرعيه أمام تقديم المزيد من الأعمال الدرامية المنتمية لذات النمط الفني خلال الأعوام المقبلة.