مسلسل رأفت الهجان من العناوين التي تتبادر إلى ذهن فور الحديث عن أعظم الأعمال في تاريخ الدراما العربية إلى جانب مسلسلي ليالي الحلمية ولن أعيش في جلباب أبي يروي المسلسل قصة رأفت الهجان الشاب المصري الذي يتم زرعه من قبل المخابرات المصرية في قلب إسرائيل بهدف التجسس، وينجح في التوصل إلى معلومات هامة كانت من أسباب تعافي الجيش المصري بعد النكسة وتحقيقه النصر في حرب أكتوبر 1973م.
عوامل تميز مسلسل رأفت الهجان :
هناك عوامل عديدة كفلت لـ مسلسل رأفت الهجان التميز بحسب ما أورده النقاد والمحللين الفنيين، ومن أبرز تلك العوامل التي جعلته أحد أبرز كلاسيكيات الدراما التلفزيونية التالي:
القصة الحقيقية :
تميل أغلب الجماهير إلى متابعة أفلام السينما والدراما التلفزيونية المستوحاة من قصة حقيقية، حيث أن ذلك يزيد من مصداقية العمل ويسهل من عملية إقناع المشاهد بالأحداث، وتلك الميزة توفرت في مسلسل رأفت الهجان كون شارة المقدمة الخاص به تتصدرها عبارة قصة حقيقية مستوحاة من ملفات المخابرات المصرية، فسهل ذلك من مهمة صُناع العمل ودفع الجمهور للانخراط مع الأحداث وتصديقها والتفاعل معها من المشهد الأول لعلمهم المُسبق بأنها جرت على أرض الواقع وإن كان بها شىء من الغرابة.
اختلاف القصة :
قدمت الدول العربية عامة ومصر بصفة خاصة العديد من الأعمال التي ترصد بطولات ابنائها، إلا أن مسلسل رأفت الهجان يتميز عن كافة الأعمال التي تنتمي لنوعه، حيث أن المسلسل لا يعرض بطولة فرد فحسب، بل أنه يجسد مراحل نشأة وتطور جهاز المخابرات المصري، كما أنه يؤرخ مراحل الصراع العربي الاسرائيلي ابتداءً من عام 1948م وحتى عام 1973م، وهو الأمر الذي افتقرت إليه المسلسلات الأخرى التي كانت تتمحور أحداثها حول المهمة المُكلف بها البطل والتحديات التي تواجهه خلالها.
الإثارة والتشويق :
تعتمد الأفلام والمسلسلات حالياً على تقنيات الخدع البصرية في صناعة مشاهد مثيرة ومشوقة، لكن مسلسل رأفت الهجان تم تقديمه في فترة لم تكن هذه التقنيات فيها قد بلغت هذه الدرجة من التطور، لكن الكاتب صالح مرسي تمكن بحرفية شديدة أن يجعل التشويق والإثارة نابعان من الأحداث لا من الصورة النهائية.
اعتمد الكاتب والمخرج في عرض القصة على أسلوب الرجوع إلى الماضي أو Flash Back وهذا وضع المشاهد أمام العديد من التساؤلات، كما أن شخصية رأفت الهجان نفسها في بداية الأحداث اتسمت بدرجة كبيرة من الغموض مما أصاب المشاهد بالحيرة وجعله متشوق لكشف حقيقته، وبلغ التشويق ذروته ابتداءً من الجزء الثاني بانتقال الأحداث إلى داخل إسرائيل، كما اعتمدوا على إنهاء الحلقات عند نقاط فاصلة ومحورية لجعل متابعي المسلسل في حالة ترقب دائم للحلقة التالية، وكانت تلك الأساليب الفنية مهملة في الدراما التلفزيونية في ذلك الوقت مما جعل مسلسل رأفت الهجان مميزاً ومتفرداً.
الجانب الإنساني :
حين تدور الأحداث في عالم المخابرات والمهام الصعبة فعادة ما تظهر الشخصيات على الشاشة جامدة متجردة من المشاعر، الوجوه جامدة والأنظار موجهة إلى المهمة دون سواها، لكن صناع مسلسل رأفت الهجان لم يقعوا في ذلك الفخ، فحتى العاملون في أجهزة المخابرات في النهاية بشر يحبون ويكرهون ويغضبون ويتألمون، وكان من مميزات هذا المسلسل اهتمام كاتبه ومخرجه بالبعد النفسي والإنساني للشخصيات، والذي ظهر بوضوح في علاقة رأفت الهجان بشقيقته شريفة وكذلك علاقته بالضابط محسن ممتاز الذي تولى تجنيده وتدريبه، وقد ساهم ذلك البعد الإنساني في جعل المشاهد يتعاطف مع الشخصيات ويتعلق بها وينفعل معها.
كوكبة النجوم :
تميز أي عمل فني يرجع إلى تكامل عناصره، وتميز رأفت الهجان كان راجع إلى كوكبة النجوم ممن قاموا بتجسيد مختلف الشخصيات، ابتداءً من أبطاله محمود عبد العزيز ويسرا ويوسف شعبان ومحمد وفيق وحتى من قاموا بتقديم شخصيات أقل أهمية أو لم تظهر لفترات طويلة على الشاشة مثل عفاف شعيب وصبري عبد المنعم وشوقي شامخ وغيرهم، فاختيار الممثلين تم اختياره بعناية حتى أنه من الصعب تخيل غيرهم يجسد هذه الشخصيات.
النجومية في مسلسل رأفت الهجان لم تقتصر على طاقم التمثيل وحده، بل أن كل شخص ساهم في صناعة هذا العمل الفني كان نجماً في موقعه وأدى دوره على الوجه الأكمل، فالمؤلف هو صالح مرسي والذي يعد أفضل كاتب جاسوسية في تاريخ الفن المصري، ومهمة الإخراج تم إسنادها إلى الرائع يحيي العلمي، أما موسيقى رأفت الهجان الشهيرة فأبدعها عمار الشريعي وديكور قوت القلوب علي كان بالغ التميز واقنع المشاهد بأنه في قلب إسرائيل خلال حقبة الستينات، وحتى إضاءة سيد جبر والتيترات التي نفذها جمال عبد الحميد كانت رائعة، باختصار كل شىء في هذا المسلسل تم تنفيذه بإتقان ومهارة فاستحق عن جدارة أن يصنف كأحد أفضل المسلسلات في تاريخ الدراما المصرية.