بدأ قبل أسابيع قليلة عرض حلقات مسلسل أبو العروسة على إحدى القنوات الفضائية المصرية، المسلسل من تأليف هاني كمال وإخراج كمال منصور ويشارك في بطولته سيد رجب وسوسن بدر وصفاء الطوخي وولاء الشريف ومحمود حجازي ورانيا فريد شوقي. رغم أن المسلسل تلقى مراجعات وتقييمات نقدية متفاوتة، إلا أن الأمر المؤكد هو أن المسلسل حقق شعبية كبيرة وبات يحظى بنسب مشاهد مرتفعة ويمكن تبين هذا بوضوح من خلال متابعة آراء المشاهدين ومناقشاتهم حول حلقاته على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وكذلك من خلال مراقبة حجم مواد الدعاية والإعلان التي تعرض خلال الحلقة الواحدة منه.
أسباب نجاح مسلسل أبو العروسة :
تضمن مسلسل أبو العروسة العديد من المقومات التي منحته التميز ومكنته من جذب المشاهد المصري والعربي، ومن أبرز وأهم تلك العوامل ما يلي:
الطبقة المتوسطة :
ينجذب المشاهدون في الدول العربية بشكل عام وفي مصر على وجه الخصوص إلى الدراما الاجتماعية التي تعبر عنهم وترصد واقعهم، وقد انتبه صُنّاع مسلسل أبو العروسة إلى تلك النقطة وأعاد الطبقة المتوسطة إلى الشاشة الصغيرة بعد فترة طويلة من الغياب، حيث أن النسبة الأكبر من المسلسلات الدرامية خلال السنوات الماضية إما كانت تركز على الطبقات الاجتماعية العليا “طبقة الأثرياء”، أو تركز طبقات المهمشين وسُكان العشوائيات، بينما اختفت الطبقة المتوسطة تقريباً من الأعمال الدرامية على الرغم من أنها تشغل النسبة الأكبر من بناء المجتمع المصري.
تنتمي شخصيات مسلسل أبو العروسة إلى طبقات اجتماعية مختلفة ومتدرجة، لكن العائلة الرئيسية التي تعتبر المحرك الرئيسي للأحداث هي عائلة الأستاذ عبد الحميد (سيد رجب) وزوجته عايدة (سوسن بدر) وتلك العائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، وهذا جعلهم أكثر قرباً من الشريحة الأكبر من المشاهدين، وبالتالي كانوا أكثر تعاطفاً معهم وأكثر تأثراً وتعلقاً بهم، وبكل تأكيد كان ذلك أحد أسباب نجاح المسلسل وارتفاع نسب مشاهدته.
التعبير عن الواقع المصري بحذافيره :
وقعت أغلب المسلسلات الدرامية المصرية خلال السنوات الماضية في فَخ المبالغة، حيث اتجه أغلب الكتاب والمخرجين لتقديم أعمال الإثارة والتشويق، ورغم أن هذا النمط من الأعمال يحقق قدر كبير من المتعة إلا أنه لا يمس المشاعر، ولكن مسلسل أبو العروسة تفادى الوقوع في هذا الفخ، وقدم محتوى درامي شديد الواقعية وعبر عن الهموم التي تشغل المواطن المصري العادي أو ما يتم تعريفه إعلامياً بمسمى “رجل الشارع”، ورصد ما يمر به من أزمات وما يواجهه من ضغوط حياتية -خاصة المادية- في ظل الأوضاع الراهنة.
هذا كله ساهم في جعل المسلسل أكثر واقعية وأكثر قرباً للمشاهد كما جعل الأحداث في نظره أكثر اتساقاً مع المنطق ولهذا سهل عليه تقبلها وازدادت درجة تعاطفه مع الشخصيات وتفاعله معها وتعلقه بها، حيث أنها في النهاية تعبر عنه وتتحدث بلسانه.
عدم الاعتماد على البطل الأوحد :
اعتمدت الدراما المصرية والعربية لفترة طويلة على نمط البطل الأوحد، حيث كانت النسبة الأكبر من الأعمال تُنسب إلى بطلها الرئيسي الذي تتمحور حوله الأحداث ويكون هو المحرك الرئيسي له، وكانت تلك المسلسلات تتصدرها أسماء أحد ألمع نجوم الذين يعدون بمثابة أساطير فنية في تاريخ الدراما العربية.
لم يسر مسلسل أبو العروسة على خطى تلك المسلسلات التي سبقته ولم يعتمد على فكرة البطل الأوحد أو الرئيسي، فالمسلسل يرصد قصصاً مختلفة لشخصيات متنوعة ومتعددة كل منها يعبر عن فئة أو شريحة معينة من المجتمع، كما استطاع المسلسل من خلال تلك النماذج استعراض عدد كبير من القضايا القضايا الاجتماعية والمشكلات التي تعكر صفو الحياة الزوجية والعلاقات العاطفية وغيرها، وهذا لم يساهم في إثراء محتوى العمل الفني فحسب بل أن تخلصه من مركزية البطل الأوحد جعله بعيداً عن الملل خاصة أنه من المسلسلات الطويلة التي تمتد إلى ستين حلقة.
الدراما التركية والهندية :
يمكن اعتبار رواج المسلسلات الهندية والتركية خلال السنوات الأخيرة واستحواذها على اهتمام شريحة كبيرة من الجمهور العربي أحد أسباب نجاح مسلسل أبو العروسة وما يشابهه من أعمال درامية صدرت مؤخراً مثل مسلسل سابع جار أو مسلسل الأب الروحي، والتشابه هنا لا يُقصد به التشابه في النوع وإنما التشابه في المدة الزمنية؛ حيث أن بالماضي لم يكن المشاهد العربي ينجذب إلى المسلسلات الطويلة التي تمتد أحداثها لأكثر من 30 حلقة، كما أنه لم يكن ينجذب بصورة كبيرة إلى الأعمال التي تعرض خارج السباق الرمضاني.
حاولت الدراما العربية تقليد الأعمال التركية والهندية لما لاقته من نجاح وانتشار واسع في العالم العربي خلال الفترة الماضية، إلا أن أغلبها كانت تحاول تقليد هذا النمط من الأعمال تقليداً أعمى، أما مسلسل أبو العروسة نجح في تقديم مسلسلاً طويلاً محافظاً على الروح المصرية، وهذا كان أحد مميزات وأحد أسباب انجذاب المشاهد إليه.
التمسك بالجانب الأخلاقي :
محتوى مسلسل أبو العروسة الدرامي يتوافق بصورة كبيرة مع القيم الدينية والمعايير الأخلاقية في الوطن العربي، هذا لا يعني أن المسلسل يضفي على شخصياته لمسة ملائكية، بل أن الأحداث تضم عدد كبير من النماذج المنحرفة، لكن المسلسل لا يحاول تبرير ذلك الانحراف أو إظهاره وكأنه أمراً طبيعياً وعادياً ومقبولاً.
كان ذلك سبباً آخر في انجذاب المشاهد إلى هذا العمل خاصة أن المسلسلات خلال الفترة الأخيرة لاقت هجوماً شرساً من قبل النقاد والجماهير بسبب ترويجها لأفكار غربية دخيلة على المجتمعات العربية، وكان مسلسل سابع جار هو المسلسل صاحب النصيب الأكبر من هذا الهجوم.
الاهتمام بالجانب الرومانسي :
تمثل القصص الرومانسية أحد أهم عوامل الجذب في الأعمال الدرامية والسينمائية وأحد نقاط القوة في مسلسل أبو العروسة أنه أولى اهتماماً كبيراً بهذا الجانب، وتضمنت أحداثه عدد كبير من القصص العاطفية كل منها تختلف عن الأخرى بصورة كبيرة.
قصة الحب الأكثر محورية ولفتاً للأنظار في المسلسل تتمثل في العلاقة التي تربط بين زينة (ولاء الشريف) وطارق (محمود حجازي) والتي تعبر عن فئة كبيرة من الشباب الراغبون في الارتباط بأحبائهم، ولعل ما يميز الجانب الرومانسي أو العاطفي في المسلسل أنه لم يُقصر الحب على الشباب وحدهم، فالمسلسل يخبرنا على الدوام بأن الحب ليس حكراً على فئة عمرية معينة بل أنه عماد الحياة بالنسبة للجميع ولا يمكن استمرارها بدونه، ويتجلى هذا بوضوح في علاقة الأبوين عبد الحميد (سيد رجب) وعايدة (سوسن بدر)، هذا بالإضافة إلى العديد من القصص الفرعية بين ثنائيات عديدة والتي ليست بالضرورة هادئة ومستقرة، بل أن بعضها متقلب وأحياناً انتهت بصورة مأساوية وهذا أبعد المسلسل عن النمطية وجعله أقرب للواقع، كل شخص مرة بتجربة حب في حياته سوف يجد ثنائي يعبر عنه ضمن الأحداث.
خاتمة :
مسلسل أبو العروسة بكل تأكيد ليس رائعاً في كل جوانبه وتضمن العديد من الجوانب السلبية التي لا يمكن إغفالها، لكنه في النهاية تجربة درامية ناجحة ويمكن القول بأنه المسلسل العربي الأكثر نجاحاً في الفئة التي ينتمي إليها وهي فئة المسلسلات الطويلة ذات الستين حلقة. استطاع من خلال حلقاته الأولى جذب ملايين المشاهدين في مصر والوطن العربي مما يجعل هذا المسلسل -بما له وما عليه- تجربة مميزة وبالتأكيد سوف يكون سبباً في تزايد معدلات إنتاج الأعمال الدرامية من هذا النوع بالسنوات المقبلة وتحسين جودتها الفنية.