مراقبة الناس وانتقاد أفعالهم باستمرار يجد البعض به شيء من المتعة، إلا أن هؤلاء لا يدركون أنهم بذلك يعملون على تدمير أنفسهم في المقام الأول، وأنهم المتضرر الوحيد من ممارسة مثل تلك الأفعال؛ لذلك جاء هذا الفعل ضمن مجموعة السلوكيات التي نهت عنها أحكام الشريعة الإسلامية وحذر منها علماء النفس في ضوء النتائج التي جاءت بها دراساتهم المعاصرة.. فترى لماذا نهى الإسلام عن مراقبة الغير ؟ وما مخاطر ذلك السلوك التي رصدتها الدراسات النفسية الحديثة؟
مخاطر إدمان مراقبة الناس :
اعتياد مراقبة الناس ينعكس على الشخص بالعديد من المساوئ وفقاً لما أثبتته الدراسات النفسية، ومن مخاطر إدمان ذلك الفعل المشين ما يلي:
إهدار الوقت :
حثنا الرسول الأمي عليه الصلاة والسلام في العديد من أحاديثه الشريفة على إعلاء قيمة الوقت والعمل، لما في ذلك من فائدة عظيمة تعود على الفرد والمجتمع والأمة بشكل عام، وبطبيعة الحال فإن مراقبة الناس تتعارض مع ذلك المبدأ، حيث أنها تعد مظهراً من مظاهر إضاعة الوقت وإهدار الفرص.
أي أن مراقبة الناس تعد أحد أشكال إلهاءات الحياة وتعتبر من الأسباب الرئيسية المؤدية إلى الفشل في تحقيق الأهداف، وهذا يتنافى مع الهدف من مختلف تعاليم الدين الإسلامي التي تسعى إلى دعم الأفراد ودفعهم إلى الفلاح في الحياة الدنيا وتحقيق الفوز العظيم في الآخرة.
تنامي مشاعر الحقد والكراهية :
أكدت العديد من الدراسات النفسية أن مراقبة الناس أحد أسباب انعدام الشعور بالرضا وتنامي مشاعر الحقد والكراهية لدى البعض، حيث أثبتت تلك الدراسات أن المراقبة الدائمة لأحوال الغير تعد شكلاً من أشكال الإدمان السلوكي، وإدمان الشخص على هذا النمط من التصرفات يحطم عزيمته ويعلمه التواكل.
رصد الباحثون أن مدمني مراقبة الناس يعملون على تحليل الأوضاع العامة بشكل مغلوط وغير علمي، بهدف إيجاد تفسيرات غير منطقية لحالات النجاح مثل الصدف والحظ والواسطة وجميعها أمور يحاولون من خلالها تبرير فشلهم وعجزهم، ومن ثم يكون من المستبعد تمكن هؤلاء من تحقيق أي نجاح في حياتهم مستقبلاً.
تسبب الأمراض النفسية :
يؤكد علماء النفس على أن مراقبة الناس الدائمة تعتبر من مسببات التعرض للعديد من الأزمات النفسية، بل أن بعضهم اعتبر تلك العادة الذميمة من مسببات نوبات الاكتئاب الرئيسية، حيث أن مدمني مراقبة الغير دائماً ما يعقدون المقارنات بين أحوالهم وأحوال الغير وهذا يشعرهم بالضيق وعدم الرضا ومن ثم يقودهم إلى الاكتئاب الشديد.
الابتعاد عن التفكير المنطقي :
مراقبة الناس من السلوكيات التي تتعارض بصورة كبيرة مع تطبيق علم المنطق عند التفكير وتكوين الرأي، وقد أكدت الدراسات النفسية أن الأشخاص المصابون بداء مراقبة الغير بعيدون كل البعد عن الحيادية والصدق مع أنفسهم، وعادة ما تكون الصور الذهنية لديهم عن الآخرين مشوهة، وذلك يرجع إلى رغبتهم الداخلية في تشويه صورة الغير من أجل إعلاء أنفسهم عن مقارنة أحوالهم بأحواله.
كما أن لا يمكن لأي شخص تكوين صورة صحيحة عن شخص عن طريق مراقبته، حيث أن دائماً ما يكون هناك جزء من الحقيقة مجهولاً بالنسبة له، يحاول تعويضه من خلال الظنون الظالمة التي تعد هي الأخرى من الأمور السلبية المنهي عنها دينياً بنص صريح في القرآن الكريم.
تدفع إلى احتقار الذات :
انشغال الشخص بـ مراقبة الناس واعتياده على ممارسة ذلك الفعل المشين يدفعه على المدى البعيد إلى احتقار ذاته والانتقاص من شأنه وقدراته، ذلك لأن الشخص حين يقوم بمراقبة أحوال غيره تنجذب أنظاره إلى ما يميزهم عنه ومع الوقت يُعمى بصره عن قدراته ومميزاته وبالتالي يشعر بأنه الأقل قدراً ومن ثم يبدأ في إلقاء اللوم على الأقدار والظروف المحيطة لتبرير أوضاعه بدلاً من العمل على تغييرها والارتقاء بها.
لذلك يرى خبراء التنمية البشرية أن التخلص من إدمان مراقبة الناس أحد أهم الخطوات على طريق النجاح، باعتبار ذلك العائق الأكبر أمام الإنسان في رحلة اكتشاف قدراته وتفجير طاقاته الداخلية.