تم إنتاج مسلسل لن أعيش في جلباب أبي قبل 21 عاماً، ورغم ذلك لا يزال محتفظ بتصنيفه ضمن قائمة المسلسلات العربية الأكثر مشاهدة في تاريخ الدراما، بل إنه لا زال يجذب المشاهدين حتى يومنا هذا، وكلما أعيد عرض لن أعيش في جلباب أبي على أي من الشاشات العربية تجتمع حوله الأسرة وتشاهده للمرة العاشرة دون ملل، كما حققت حلقاته نسبة مشاهدة مرتفعة على مواقع الإنترنت. المسلسل مأخوذ عن قصة للأديب إحسان عبد القدوس وكتب له السيناريو مصطفى محرم وأخرجه أحمد توفيق.
مميزات مسلسل لن أعيش في جلباب أبي :
النجاح الساحق والمتصاعد الذي حققه مسلسل لن أعيش في جلباب أبي جاء نتاج تضافر مجموعة كبيرة من العوامل، أهمها التالي:
قصة الصعود :
دائماً ما جذبت قصص الصعود والنجاح مشاهدي السينما والدراما التلفزيونية، وقدم مسلسل لن أعيش في جلباب أبي واحدة من أروع قصص المثابرة والنجاح في تاريخ الفن العربي، وقدم درساً في الإصرار وكيفية تجنب الفشل في تحقيق الأهداف من خلال مسيرة بطله عبد الغفور البرعي الذي جسده نور الشريف ببراعة. لكن ما يميز قصتنا هنا عن غيرها إن الحلم لم يكن يتمثل في كنز النقود فقط، إنما كان البطل يسعى إلى أن يكون له مكانة وأن يحظى باحترام المحيطين به.
الجانب الرومانسي :
قدم مسلسل لن أعيش في جلباب أبي مجموعة من أروع القصص الرومانسية في تاريخ الدراما التلفزيونية، أبرزها القصة الرئيسية التي جمعت بين بطلي العمل عبد الغفور البرعي وفاطمة التي جسدتها عبلة كامل، بجانب بعض القصص الثانوية مثل قصة نظيرة (حنان ترك) وحسين (أحمد سلامة) التي تشابهت بنسبة كبيرة مع القصة الأولى ولكنها كانت أكثر عصرية، وكذلك بهيرة (وفاء صادق) وإبراهيم (خالد العيوسي) والتي مرت بتقلبات عديدة قبل أن تستقر في النهاية، وكأن صناع المسلسل يقولون إن عاطفة الحب هي الدافع الأقوى للإنسان في الحياة، فقد كانت الخسارة دائماً من نصيب من غلبوا المصلحة على العاطفة مثل شخصيتي نبيل (ياسر جلال) وروزالين (وفاء مكي).
الواقعية الشديدة :
كان المنطق حاكماً لكل تفصيلة في أحداث مسلسل لن أعيش في جلباب أبي ،فكل حدث له سبب ودوافع تصرفات الشخصيات كانت واضحة ومبررة، هذا سهل من عملية اندماج المشاهد مع العمل ومنحه مصداقية أكبر، خاصة إن أحداث المسلسل كانت اجتماعية بحتة شبيهة بالحياة اليومية في مختلف الدول العربية، فقد جاء العمل خال من مشاهد الإثارة والتشويق ولم يكن صناعه في حاجة لاستخدام أي خدع بصرية مبهرة، اختصاراً يمكننا القول إن البساطة هي سر نجاح لن أعيش في جلباب أبي فحتى اللمحات الكوميدية به كانت موظفة جيداً وغير مفتعلة.
اختيار الشخصيات :
مصداقية قصة مسلسل لن أعيش في جلباب أبي ما كان ليشعر بها المشاهد لولا التجسيد الأسطوري لكل من شارك به، والفضل في ذلك يرجع لاختيارات المخرج الكبير أحمد توفيق، فقد قام بتوظيف كل ممثل في الشخصية التي تتلائم معه ومع قدراته التمثيلية، ابتداءً بقمة الهرم الراحل نور الشريف والذي كان لم يسبق له تقديم أي شخصية شبيهة بشخصيته في المسلسل، مروراً بطاقم التمثيل الرئيسي عبلة كامل ومصطفى متولي ومحمد رياض وعبد الرحمن أبو زهرة، وحتى الشخصيات المساندة مثل حمامة صبي المقهى الذي جسده سيد حاتم وفهيم أفندي الموظف بالوكالة الذي جسده فاروق الرشيدي، بل وحتى الشخصيات التي ظهرت بمشهد واحد أو مشهدين تم اختيار مجسديها بعناية شديدة فكانت مقنعة بالنسبة للمشاهد.
دليل ذلك إن المشاهد حتى اليوم حين يتحدث عن المسلسل يذكر اسم الشخصية لا اسم الممثل، وهو أكبر دليل على إن الممثلون نجحوا في إقناعنا بإنهم شخصيات حقيقية من لحم ودم، وليسوا شخصيات في عالم افتراضي لا وجود له على أرض الواقع.
الرسالة :
يعتز صناع لن أعيش في جلباب أبي بمشاركتهم في مثل هذا العمل الراقي، ليس فقط لما حققه من نجاح غير مسبوق وصعب التكرار، إنما لإن المسلسل في نظرهم ذو ثقل ويقدم فناً راقياً ويحمل العديد من الرسائل الهامة، وفي إحدى حواراته أكد نور الشريف إنه تردد كثيراً في قبول شخصية عبد الغفور البرعي، لكن ما حسم قراره إنه رآها تقدم الأمل لقطاع كبير من البسطاء ممن لم ينالوا حظاً وفيراً من التعليم، فأحداث المسلسل تمنحهم الأمل وتخبرهم بأن الإنسان هو من يخلق فرصته وأيا كانت العراقيل في مسيرته فهو قادر على تخطيها.