إذا تحدثنا عن “وادي الحيتان” فعلى الأرجح أول ما سيخطر ببالك هو أن هذا الوادي يقع في أحد المحيطات على عمق سحيق تحت سطح البحر، لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً وقد تكون صادمة حقاً، فوادي الحيتان يقع في صحراء مصر الغربية، وتحديداً في محمية وادي الريان! نعم وادي الحيتان الذي نتحدث عنه اليوم هو محمية طبيعية تضم حفريات كاملة لحيتان عاشت في هذا المكان قبل 40 مليون عام خلت، لكنها تختلف كثيراً في شكلها وهيئتها عن الحيتان المعروفة في عصرنا الحالي، لذلك يعتقد بعض العلماء أنها أسلاف الحيتان الحالية، في هذا المقال سنتعرف أكثر على وادي الحيتان واكتشافه ومدى أهميته.
لماذا يُعتبر وادي الحيتان ثروة علمية وأين يقع؟
اكتشاف وادي الحيتان
- تم اكتشاف وادي الحيتان أثناء المسح البيولوجي الذي قام به العالم بيد تيل لمصر عام 1903م، حينها اكتشف اول حفرية للحوت “الباسيلوسورس إيزيس” وهو احد أضخم الحيتان المعروفة حتى اليوم حيث يصل طوله لحوالي 18 متر، وكان يعيش في عصر الإيوسين قبل حوالي 55 مليون عام مضت.
- يعتقد العلماء أن حوت ” الباسيلوسورس إيزيس” يعود لأحد الحيوانات الثديية التي كانت تعيش في هذه الحقبة، لكن بسبب الارتفاع الشديد في درجات حرارة الأرض بهذا العصر، اضطرت أغلب الحيوانات ترك بيئتها الطبيعية والعيش بجوار الشواطئ، ومع الوقت تأقلمت على العيش والسباحة في الماء للحصول على طعامها من الأسماك.
- سبب هذا الاعتقاد أن حفريات الحيتان كان لها أطراف واضحة، لكنها كانت صغيرة وضعيفة جداً مقارنة بحجم الحوت، بالتالي لا تسمح له بالمشي على الإطلاق ما يعني أنه لم يستخدمها لمدة طويلة جداً حتى باتت بلا فائدة، في نفس الوقت يحمل الحوت نفس صفات الثدييات ويُصنف تحت هذه الطائفة، حيث يتنفس الهواء الجوي وليس الأكسجين المذاب في الماء، ويتكاثر بالتوالد وليس وضع البيض.
- لم يكن حوت الباسيلوسورس إيزيس هو الوحيد الذي تم اكتشافه في ودي الحيتان بمصر، بل عثر العلماء على العديد من الحفريات مثل حوت الدوريودون الذي يختلف في تركيبة الجسماني عن حوت الباسيلوسورس إيزيس خاصة في الحجم.
- كما تم أكتشاف أول حفرية لحوت بيراثيرم في وادي الريان، وهو أحد الثدييات البحرية التي يُعتقد أنها من أسلاف الفيل الأسيوي الحالي، وذلك لتشابهها الجسماني معه، حيث تُعتبر الأنياب هي الاختلاف الوحيد بين بيراثيرم والفيل الأسيوي، فقد كان لبيراثيرم ثمانية أنياب صغيرة موزعة أربعة في كل فك، وتُشبه أكثر أنياب فرس النهر الحالي.
موقع وادي الحيتان
- يقع وادي الحيتان في محمية وادي الريان بصحراء مصر الغربية، على بعد 150 كم من عاصمة جمهورية مصر العربية “القاهرة” ويُصنف على أنه أفضل مناطق التراث العالمية التي تضم هياكل للحيتان.
تاريخ وادي الحيتان
- كان وادي الحيتان قديماً جزء من بحر “تيث” وهو أحد البحور التي غطت شمال إفريقيا قبل حوالي 250 مليون عام مضت واستمر على حاله ملايين السنوات، حيث كان يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي عن طريق شبه الجزيرة العربية.
- كان وجود بحر تيث نتيجة لدفء المناخ في هذه الحقبة الزمنية، حيث تُوضح الدراسات أن الأرض شهدت أكبر ارتفاع وتغير مناخي في تاريخها في العصر الأيوسيني ولم يتكرر هذا الارتفاع حتى اليوم.
- الحرارة الزائدة أدت إلى منع تكون جليد في القطبين بالتالي ظهرت هذه البحار، لكن بعد اعتدال الحرارة تكون القطبين ما دفع المياه للانحسار بعيداً عن شمال إفريقيا وعدة مناطق أخرى، لكن ظلت الحفريات وبقايا الأسماك التي عاشت في هذه الحقبة عالقة حتى اليوم في العديد من المناطق منها منطقة وادي الحيتان.
أهمية وادي الحيتان
- تكمن أهمية وادي الحيتان فيما يحتويه من حفريات، حيث يُعتبر أكبر تجمع لحفريات بحرية وأرضية عاشت في العصر الأوسيني، حيث يضم عدد كبير من حفريات الحيتان الضخمة وصل عددها لنحو 400 حفرية، بالإضافة لحفريات عروس البحر وأسماك القرش وغيرها ما يُعطي تصور شبه كامل عن شكل الحياة وتطور الكائنات الحية في ذلك الوقت.
أماكن هامة بوادي الحيتان
-
جبل قطراني
جبل قطراني هو أحد المناطق التي يُفكر العلماء ضمها لوادي الحيتان، وذلك لما تحتويه من تنوع رهيب للحفريات، حيث تحتوي على نوعين من حفريات الإنسان الأول، بالإضافة للعديد من حفريات أسلاف الحيوانات التي تعيش معنا اليوم، فطبقاً للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعية، يُعتبر جبل قطراني أحد أهم السجلات التي حافظت على شكل وتصور الحياة البائدة في شمال إفريقيا، حيث يحتوي على 40 جنس للكائنات الحية ونحو 75 نوع من ضمنها الإنسان الأول، هذا بالإضافة لمدينة ماضي الأثرية والعديد من المناطق الأخرى لواقعة بجواره والتي يُفكر العلماء في ضمها إليه.